فضح الله الكذب وسنينه التي طالت بنا حتي تحول من مجرد فعل عارض إلي أحد مكونات الهواء، نستنشقه ثم لا نلبث أن ننفثه كي تنتفخ به رئات الآخرين، ومع كل شهيق وزفير يزداد الأثير تزيُفاً، والضمير تليُفاً.. وها هو الكل قد صار حَذِراً من الكل، والشك غَمر جميع الحقائق وأتلفها، لدرجة أن كلام الله المُنزَّل من عنده لم يسلم من لغو الأفاقين الذين تعمدوا الزج بتفاسيره داخل ترهات عبثية عَبر حلقات السفسطة الفقهية، وباتت التعاملات بين الناس تبدأ وتنتهي في إطار 'كذب المتكلمون ولو صدقوا'!! وقضية الطالبة 'مريم' صاحبة الصفر الأعظم في تاريخ التعليم المصري هي إحدي ترديات حالة الكذب المرضي المزمن التي تعيش فينا، فشهادة مُدَرِسي 'مريم' وزملائها بالإضافة إلي درجاتها في السنوات السابقة تؤكد تفوقها، كذلك فإن شكلها الظاهري يوحي بأنها من التلامذة 'الدَحيحَة'، أيضاً فإن استماتتها هي وأسرتها بقيادة أخيها الطبيب في استعادة- ما يرونه- حق مريم، فضلاً عن استحالة حصولها علي الصفر من الأساس حتي لو تركت أوراق الإجابات فارغة- وهو ما لم يحدث.. كلها قرائن تقود إلي عدم منطقية هذا الصفر الغريب، في المقابل فالطب الشرعي في أسيوط والقاهرة أثبتا عدم تبديل أوراق إجاباتها أو التلاعب فيها بأي شكل، وأن الخط خطها، مما يعني أن مريم تستحق الصفر بجدارة!! كل هذا تابعناه من خلال مواقع التواصل، ووسائل الإعلام التي تناولت الحكاية بطريقة مثيرة علي مدار الساعة، كانت الفتاة وأخوها خلال الأسابيع الماضية شبه مقيمين بمدينة الإنتاج الإعلامي، فلا تلبث أن تخرج من قناة حتي تظهر في أخري، ولا يخلو برنامج من سيرة مريم، حتي لم يتبقَّ سوي استحداث 'نشرة أخبار مريم'.. وخرج الأغلبية من الضيوف يدافعون عنها، بينما هاجمها البعض بضراوة.. ظهر المسئولون عن التعليم بزعامة وزيرهم يؤكدون سلامة إجراءات التصحيح ونزاهة القائمين علي الكنترول، في نفس الوقت انتفض مسئولون آخرون سواء حاليين أو سابقين يكشفون بالأسماء والتواريخ تفاصيل وقائع الفساد داخل لجان الامتحانات، والكنترول، ويجزمون بأن حكاية مريم لم تكن الأولي، بل إن ماحدث في السنوات السابقة كان أبشع، وأضل سبيلاً!! بدت قضية مريم وكأنها مُلغَّزة بفعل فاعل مجهول، فالناس منقسمون فريق معها وفريق ضدها، هذا يتوقع براءتها، وذاك يتنبأ بإدانتها، وأساس الحكم عند كليهما هو الانطباع الشخصي ليس إلا!! فهؤلاء وأولئك يعلمون أن الكذب هو سيد الموقف، وأنه لا مكان للحقيقة داخل الذمم الخَرِبة، فكون مريم مظلومة هو أمر وارد، وادعاؤها التمثيلي للحصول علي ما ليس من حقها هو أحد الاحتمالين.. لكن الثابت هو فساد الأخلاق، وعدم وتوافر أية معايير لاستبيان الخيط الأبيض من الأسود.. ولنتذكر جميعاً أن براءة الذئب من دم ابن يعقوب لا تنفي عنه جرائمه السابقة كذئب. [email protected]