في مشهد إهتزت له المشاعر وعصف بالقلوب إنتشرت في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي صورة لطفل سوري غريق قبالة السواحل التركية في رحلة عناء لم يدركها هذا البرئ عندما إنطلقت من أرض بلاده المحترقة إلي بحر مظلم إستباح براءته وإغتال روحه ولطمته الأمواج حتي إستقر علي شاطئ وتمدد علي رماله جثة ملقاة، والجميع يشاهد ويلتقط المشاهد في بجاحة تختصر واقعنا المرير، ومازال الطفل يحتضن الرمال كأنها أمه وكأنها آخر لعبة يلعبها، وربما رسم بيت بكفيه الصغار، وربما رسم وطناً يعانق النهار، وربما رسم أماً، وربما رسم أباً، وربما رسم قبراً وبعدها إحتضر ! الصورة مؤلمة في عالم هزيل سكت عن مشاكل التغريب السورية وزوارق الموت والمعاناة، وإكتفي بالإمتعاض وتعليقات زائفة عبت الأفواه والأبواق. ليتخطي عدد اللاجئين السوريين أربعة ملايين لاجئ ويقيم القسم الأكبر منهم في تركيا والأردن ولبنان، غير النازخين داخل سوريا نفسها. وما يدميك بعد هذا الحادث أن تخرج علينا منظمة الأممالمتحدة للطفولة ' اليونيسيف ' بيوم واحد بتقرير يحذر من أن أكثر من 13 مليون طفل في الشرق الأوسط، أي حوالي 40% من أطفال المنطقة لا يرتادون المدارس بسبب الصراعات المشتعلة في أوطانهم، وخصصت في تقريرها مساحه تستعرض فيها عدد القتلي من أطفال وطننا العربي في العراقوسوريا واليمن.. أرقامنا في تزايد وعيونهم يقظه لتعد وتحسب حسابات الجهل والموت في بلادنا.. وها هو رقم جديد ملقي علي ساحل بوداوم التركي لطفل لم يتجاوز عامه الثالث، إحتضن الرمال بعدما ضاقت عليه أرض بلاده، ولم يجد مساحة في براح السماء الواسع تحمله في طائرة عزيزاً مكرم هو وأسرته لبلاد أخري تحتوي معاناته، ولم يبقي أمامهم غير البحر ليركبوا زوارق الضعف، وحتي البحر ما أقساه رفضهم جميعاً، ولفظ الطفل وحده علي رمال الشاطئ، ليشاهد العالم براءة ملقاة علي رمال مالحة كدموع سقطت من عيون لا حول لها ولا قوة عند مشاهدته، ودموع أخري لم تسقط من عيون جليدية كبلادة القرار في هذا العالم ! يا من تملكون زمام الأمر.. لم تشتعل في عيونكم حرارة القرار؟ ويا من تحملون لواء حقوق الإنسان وتفرضون قيود علي شتي البلدان.. وتقسمون وتفرقون.. وتحدثون ضجة صخباء وتتعللون بخبث لو مات في البلاد جبان.. لكن لو إغتال البحر طفل وإحتضن قبل رحيله حبات الرمل.. لا يعتريكم ضيق أو حتي إهتمام ! فليصمت من يصمت، ويقرر من لا يقرر، ويشعر من فقد الإحساس بأن هذا الطفل وصورته قد سكنا سوياً ذاكرة الأرض وذاكرة العيون وذاكرة الإحساس.. وستبقي قضيته تنبض في القلوب.. ما بين مد وجزر البحر سنراك دوما علي كل الشواطئ يا طفل بحر غاضب.. لا داعي لتحتضن الرمال.. ملايين القلوب تحتضنك الآن !