المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يؤكد عدم وقوع أي هجوم صاروخي خارجي    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 19 أبريل    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد    الطيران الحربي الإسرائيلي يستهدف منطقة شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة    موعد مباراة جنوى ولاتسيو في الدوري الايطالي    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباريات اليوم الجمعة 19- 4- 2024    بعد تعليمات الوزير.. ما مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2024؟    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    رد فعل صادم من مصطفى يونس على واقعة إخفاء الكُرات فى مباراة القمة    الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المتحدة    عيار 21 يرتفع لأعلى مستوياته.. سعر جرام الذهب بالمصنعية اليوم الجمعة 19 إبريل 2024 بالصاغة    طلب إحاطة في البرلمان لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار "الخبز السياحي"    أصعب أيام الصيف.. 7 نصائح للتعامل مع الحرارة الشديدة    «ستاندرد أند بورز»: خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    ملف رياضة مصراوي.. ليفربول يودع الدوري الأوروبي.. أزمة شوبير وأحمد سليمان.. وإصابة محمد شكري    "ليست أول فرصة يهدرها في حياته".. كلوب يعلق على الانتقادات ضد صلاح    أسعار العملات الأجنبية اليوم الجمعة.. آخر تحديث لسعر الدولار عند هذا الرقم    3 ليال .. تحويلات مرورية بشارع التسعين الجنوبي بالقاهرة الجديدة    حزب الله اللبناني يعلن استهداف جنود إسرائيليين في محيط موقع الراهب بقذائف المدفعية    عز بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 إبريل بالمصانع والأسواق    صدمة .. إصابة أحد صفقات الأهلي في الميركاتو الصيفي    هدف قاتل يحقق رقما تاريخيا جديدا في سجل باير ليفركوزن    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    شاهد.. نجوم الفن في افتتاح الدورة الثالثة ل مهرجان هوليود للفيلم العربي    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    «علاقة توكسيكو؟» باسم سمرة يكشف عن رأيه في علاقة كريستيانو وجورجينا (فيديو)    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    النشرة الدينية.. هل يجوز تفويت صلاة الجمعة بسبب التعب؟.. وما هي أدعية شهر شوال المستحبة؟    روسيا: أمريكا أظهرت موقفها الحقيقي تجاه الفلسطينيين بعد استخدامها الفيتو    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    بسبب أزمة نفسية.. فتاة تنهي حياتها بالحبة السامة بأوسيم    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأفت الهجان.. رجل عاش ومات في الظل
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 01 - 07 - 2015

ولد رفعت علي سليمان الجمال 'رأفت الهجان' في 1 يوليو عام 1927 بمحافظة دمياط، والده كان يعمل في تجارة الفحم، ووالدته كانت ربة منزل تحدرت من أسرة مرموقة وكانت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكان له شقيقان هما لبيب ونزيهه إضافة إلي أخ غير شقيق هو سامي، وبعد ذلك بسنوات تحديدا في عام 1936 توفي 'علي سليمان الجمال' والد رفعت الجمال وأصبح 'سامي' الأخ غير الشقيق ل'رأفت' هو المسؤول الوحيد عن المنزل، وكانت مكانة 'سامي' الرفيعة، وعمله كمدرس لغة إنجليزية لأخ الملكة 'فريدة'، تؤهله ليكون هو المسؤول عن المنزل وعن إخوته بعد وفاة والده، وبعد ذلك انتقلت الأسرة بالكامل إلي القاهرة، ليبدأ فصل جديد من حياة هذا الرجل الذي عاش في الظل ومات في الظل.
شخصية 'رفعت'، لم تكن شخصية مسؤولة، كان طالبا مستهترا لا يهتم كثيرا بدراسته، وبرغم محاولات أخيه سامي أن يخلق من 'رفعت' رجلا منضبطا ومستقيما، إلا أن 'رفعت' كان علي النقيض من أخيه سامي، فقد كان يهوي اللهو والمسرح والسينما، بل انه استطاع ان يقنع الممثل الكبير بشارة واكيم بموهبته، ومثل معه بالفعل في ثلاثة أفلام، لذا رأي إخوته ضرورة دخوله لمدرسة التجارة المتوسطة رغم اعتراض 'رفعت' علي إلحاقه بمثل هذه النوعية من المدارس.
في المدرسة بدأت عيناه تتفتحان علي البريطانيين، وانبهر بطرق كفاحهم المستميت ضد الزحف النازي، وتعلّم الإنجليزية بجدارة، ليس هذا فقط بل أيضا تعلم أن يتكلم الإنجليزية باللكنة البريطانية، ومثلما تعلم 'رفعت' الإنجليزية بلكنة بريطانية تعلم الفرنسية بلكنة أهل باريس.
تخرج رفعت 'رأفت' في عام 1946، وتقدم بطلب لشركة بترول أجنبية تعمل بالبحر الأحمر للعمل كمحاسب، واختارته الشركة برغم العدد الكبير للمتقدمين، ربما نظرا لإتقانه الإنجليزية والفرنسية، ولكنه طُرد من تلك الوظيفة بتهمة اختلاس أموال.
تنقل رفعت 'رأفت' من عمل لعمل، حيث عمل كمساعد لضابط الحسابات علي سفينة الشحن 'حورس'، وبعد أسبوعين من العمل غادر مصر لأول مرة في حياته علي متن السفينة وطافت 'حورس' طويلا بين الموانئ 'نابولي، جنوة، مارسيليا، برشلونة، جبل طارق، طنجة'، وفي النهاية رست السفينة في ميناء ليفربول الإنجليزية لعمل بعض الإصلاحات، وكان مقررا أن تتجه بعد ذلك إلي بومباي الهندية.
هناك في ليفربول وجد رفعت 'رأفت' عرضا مغريا للعمل في شركة سياحية تدعي 'سلتيك تورز'، وبعد عمله لفترة مع تلك الشركة غادر إلي الولايات المتحدة دون تأشيرة دخول أو بطاقه خضراء، وبدأت إدارة الهجرة تطارده، مما اضطره لمغادرة أمريكا إلي كندا ومنها إلي ألمانيا، وفي ألمانيا اتهمه القنصل المصري ببيع جواز سفره ورفض اعطائه وثيقة سفر بدلا عن جواز سفره، مما جعل الشرطة الألمانية تلقي القبض عليه وحبسته، ومن ثم رُحّل قسرًا لمصر.
مع عودة رفعت 'رأفت' إلي مصر، بدون وظيفة، أو جواز سفر، وقد سبقه تقرير عما حدث له في 'فرانكفورت'، وشكوك حول ما فعله بجواز سفره، بدت الصورة أمامه قاتمة إلي حد محبط، مما دفعه إلي حالة من اليأس والإحباط، لم تنته إلا مع ظهور فرصة جديدة، للعمل في شركة قناة السويس، تتناسب مع إتقانه للغات، ولكن الفرصة الجديدة كانت تحتاج إلي وثائق، وأوراق، وهوية، هنا، بدأ 'رفعت' يقتحم العالم السفلي، وتعرَّف علي مزوِّر بارع، منحه جواز سفر باسم 'علي مصطفي'، يحوي صورته، بدلا من صورة صاحبه الأصلي، وبهذا الاسم الجديد، عمل 'رفعت' في شركة قناة 'السويس'، وبدا له وكأن حالة الاستقرار قد بدأت.
قامت ثورة يوليو 1952، وشعر البريطانيون بالقلق، بشأن المرحلة القادمة، وأدركوا أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد، فشرعوا في مراجعة أوراقهم، ووثائق هوياتهم، مما استشعر معه 'رفعت' الخطر، فقرَّر ترك العمل، في شركة قناة 'السويس'، وحصل من ذلك المزوِّر علي جواز سفر جديد، لصحفي سويسري، يُدعي 'تشارلز دينون'، وهكذا أصبح الحال معه من اسم لاسم ومن شخصية مزورة لشخصية أخري إلي أن ألقي القبض عليه من قبل ضابط بريطاني أثناء سفره إلي ليبيا بعد التطورات السياسية والتغيرات في عام 1953، واعادوه لمصر، واللافت في الموضوع انه عند إلقاء القبض عليه كان يحمل جواز سفر بريطاني، إلا أن الضابط البريطاني شك أنه يهودي، وتم تسليمه إلي المخابرات المصرية التي بدأت في التحقيق معه علي أنه شخصيه يهوديه.
بالنسبة لرفعت فيقول في مذكراته عن هذه المرحلة في حياته: بعد أن قضيت زمنًا طويلاً وحدي مع أكاذيبي، أجدني مسرورًا الآن إذ أبوح بالحقيقة إلي شخص ما، وهكذا شرعت أحكي لحسن حسني كل شيء عني منذ البداية، كيف قابلت كثيرين من اليهود في استوديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلا، وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في 'إنجلترا' و'فرنسا' و'أمريكا'، ثم أخيرًا في 'مصر'، بسطت له كل شيء في صدق، إنني مجرد مهرج، ومشخصاتي عاش في التظاهر ومثل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد في حياته.
استنادًا إلي المخابرات العامة المصرية، كانت التهمة الرئيسية للهجان عند إرجاعه إلي مصر قسرا، هو الاعتقاد أن الهجان هو ضابط يهودي واسمه 'ديفيد ارنسون'، حيث كان الهجان يحمل جواز سفر بريطاني باسم 'دانيال كالدويل'، وفي نفس الوقت تم العثور بحوزته علي شيكات موقعة باسم 'رفعت الجمال'، وكان يتكلم اللغة العربية بطلاقه.
كان الضابط حسن حسني من البوليس السري المصري، هو المسؤول عن استجواب الهجان، وبعد استجواب مطول، اعترف رفعت الجمال بهويته الحقيقية وكشف كل ما مرت عليه من أحداث واندماجه مع الجاليات اليهودية حتي أصبح جزءا منهم واندماجه في المجتمع البريطاني والفرنسي، حيث قام حسن حسني بدس مخبرين في سجنه ليتعرفوا علي مدي اندماجه مع اليهود في معتقله، وتبين أن اليهود لا يشكون ولو للحظه بأنه ليس يهوديا مثلهم، وتم في تلك الأثناء واستنادا إلي المخابرات المصرية التأكد من هوية الهجان الحقيقية.
بعد محاولات عديدة إتسمت بالشد والرخي من قبل ضابط البوليس السري حسن حسني، عُرض خياران للهجان، إما السجن وإما محو الماضي بشخصيته بما فيه رفعت الجمال وبداية مرحله جديدة وبهوية جديدة ودين جديد ودور قمة في الأهميه والخطورة والعمل لصالح المخابرات المصرية الحديثة النشوء، وبعد أن وافق رفعت الجمال علي هذا الدور، بدأت عمليات تدريب طويلة وشرحوا له أهداف الثورة وعلم الاقتصاد وسر نجاح الشركات متعددة القوميات وأساليب اخفاء الحقائق لمستحقي الضرائب ووسائل تهريب الأموال، بالإضافة إلي عادات وسلوكيات وتاريخ وديانة اليهود، وتعلم كيف يميز بين اليهود الاشكناز واليهود السفارد وغيرهم من اليهود، وأعقب هذا تدريب علي القتال في حالات الاشتباك المتلاحم والكر والفر، والتصوير بآلات تصوير دقيقة جدًا، وتحميض الأفلام وحل شفرات رسائل أجهزة الاستخبارات والكتابة بالحبر السري، ودراسة سريعة عن تشغيل الراديو، وفروع وأنماط أجهزة المخابرات والرتب والشارات العسكرية، وكذلك الأسلحة الصغيرة وصناعة القنابل والقنابل الموقوتة، وبذلك انتهي رفعت الجمال وولد 'جاك بيتون' في 23 اغسطس 1919 من أب فرنسي وأم إيطالية وديانته يهودي اشكنازي، وصار له جواز سفر إسرائيلي صادر من تل أبيب برقم '146742'.
انتقل الهجان للعيش في حي في الإسكندرية يسكنه الطائفة اليهودية وحصل علي وظيفة مرموقة في إحدي شركات التأمين وانخرط في هذا الوسط وتعايش معهم حتي أصبح واحدا منهم.
هناك جدل حول الضابط المسؤول عن تجنيد الهجان وزرعه داخل إسرائيل، فبعض المصادر تشير إلي حسن حلمي بلبل، وهو أحد الرجال الذين أنشؤوا المخابرات العامة المصرية، وكان يرمز له في مسلسل 'رأفت الهجان' باسم حسن صقر، وكان عبد المحسن فايق مساعدا له، وكان يرمز له في المسلسل باسم محسن ممتاز، بينما يعتقد البعض الآخر ان اللواء عبد العزيز الطودي أحد ضباط المخابرات العامة المصرية، الذي كان يرمز له في مسلسل 'رأفت الهجان' باسم عزيز الجبالي، كان مسئولا عن الاتصال وعمل رفعت الجمال داخل إسرائيل، بينما يذهب البعض الآخر أن العملية كانت مجهودًا جماعيًا، ولم تكن حكرًا علي أحد.
في مذكراته يكشف 'رفعت الجمَّال'، بأنه قد انضمّ أثناء وجوده في الإسكندرية، إلي الوحدة اليهودية '131'، التي أنشأها الكولونيل اليهودي 'إبراهام دار'، لحساب المخابرات الحربية الإسرائيلية 'أمان'، والتي شرع بعض أفرادها في القيام بعمليات تخريبية، ضد بعض المنشآت الأمريكية والأجنبية، علي نحو يجعلها تبدو كما لو أنها من صنع بعض المنظمات التحتية المصرية، فيما عرف بعدها باسم فضيحة 'لافون'، نسبة إلي 'بنحاس لافون'، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، وفي الوحدة '131'، كان 'رفعت الجمَّال' زميلاً لعدد من الأسماء، التي أصبحت فيما بعد شديدة الأهمية مثل 'مارسيل نينو' و'ماكس بينيت'، و'إيلي كوهين'، ذلك الجاسوس الذي كاد يحتلّ منصبًا شديد الحساسية والخطورة، بعد هذا بعدة سنوات، في سوريا.
أثناء رحلة الجمّال الطويلة في مشوار عمله الجاسوسي والاستخباري، تنقل لعدد من المحطات المهمة للوثوب إلي هدفه أهمها فرنسا وإيطاليا والعراق الذي زارها بمهمة رسمية عام 1965 في عهد الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف ضمن اتفاق الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا، حيث اتفقت الحكومات الثلاث لاتخاذ خطوات من شأنها تفعيل الإجراءات الخاصة بالوحدة من خلال تنفيذ خطة التبادل الاستراتيجي للدفاع المشترك الخاص بانتشار القطع العسكرية لتلك الدول علي أراضيها، حيث أرسلت بعض وحدات المشاة وأسراب الطائرات العراقية لمصر وسوريا، وتم استقبال وحدات تلك الدول في العراق بضمنها كتيبة من القوات الخاصة المصرية ومجموعة من عناصر جهاز المخابرات المصري العامل ضد 'إسرائيل'، وكان ضمنهم رفعت الجمال.
ويقول البطل العظيم في مذكراته عن تلك الفترة: مرة أخري وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي، لم أكن أتصور أنني ما أزال مدينًا لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات، فمن ناحية راودتني فكرة الذهاب إلي قلب عرين الأسد، فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل، وإذا قُبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائيًا، والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتًا مع العملاء الأجانب، حيث يستجوبونهم ثم يقتلونهم، ولست مشوقًا إلي ذلك، ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته، كما لو كنت أمثل دورًا في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور 'جاك بيتون'، أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة، هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو 'العالم باتساعه'، وموضوع الرواية هو 'الجاسوسية الدولية'، وقلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا؟، لقد اعتدت دائمًا وبصورة ما أن أكون مغامرًا مقامرًا، وأحببت مذاق المخاطرة، وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي، سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي، لأواجه خيارين في نهاية المطاف، إما أن يُقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة 'الأوسكار'.
تسلم الجمال مبلغ 3000 دولار أمريكي من المخابرات المصرية، ليبدأ عمله وحياته في إسرائيل، وفي يونيو 1956 استقل سفينة متجهة إلي نابولي قاصدًا أرض الميعاد.
في تلك المرحلة الخطيرة، قام الهجان بتزويد مصر بميعاد العدوان الثلاثي علي مصر قبله بفترة مناسبة، إلا أن السلطات لم تأخذ الأمر بمأخذ الجد،
إبلاغ مصر باعتزام إسرائيل إجراء تجارب نووية، واختبار بعض الأسلحة التكنولوجية الحديثة، أثناء لقائه برئيسه علي غالي في ميلانو،
زود مصر بالعديد من المعلومات التي ساعدت مصر علي الانتصار في حرب أكتوبر، كانت له علاقة صداقة وطيدة بينه وبين 'موشي ديان' و'عيزر و'ايزمان' 'وشواب' و'بن غوريون'.
قرر الهجان أن يكتب مذكراته، وأودعها لدي محاميه، علي أن يتم تسليمها لزوجته بعد وفاته بثلاث سنوات، حتي تكون قد استعادت رباط جأشها، ولديها القدرة علي أن تتماسك وتتفهم حقيقة زوجها الذي عاش معها طوال هذه السنوات الطوال، ويروي في مذكراته كيف حصل علي امتياز التنقيب عن البترول المصري، في عام 1977، ليعود أخيرًا إلي مصر وفي نهاية مذكراته، يتحدَّث رفعت الجمَّال عن إصابته بمرض خبيث، وتلقيه العلاج الكيمائي، في أكتوبر، وقد كتب 'الجمال' وصية تفتح في حال وفاته، وكان نصها كالتالي :
هذه وصيتي، أضعها أمانة في أيديكم الكريمة، السلام علي من اتبع الهدي، بسم الله الرحمن الرحيم 'إنّا لله وإنّا إليه راجعون'، لقد سبق وتركت معكم ما يشبه وصية، وأرجو التكرم باعتبارها لاغية، وها أنذا أقدم لسيادتكم وصيتي بعد تعديلها إلي ما هو آت، في حالة عدم عودتي حيا أرزق إلي أرض الوطن الحبيب مصر، أي أن تكتشف حقيقة أمري في إسرائيل، وينتهي بي الأمر إلي المصير المحتوم الوحيد في هذه الحال، وهو الإعدام شنقا، فإنني أرجو صرف المبالغ الآتية:
لأخي من أبي سالم علي الجمال، القاطن.. برقم.. شارع الإمام علي مبلغ.. جنيه، أعتقد أنه يساوي إن لم يكن يزيد علي المبالغ التي صرفها علي منذ وفاة المرحوم والدي عام 1935، وبذلك أصبح غير مدين له بشيء.
لأخي حبيب علي الهجان، ومكتبه بشارع عماد الدين رقم.. ، مبلغ.. كان يدّعي أني مدين له به، وليترحم عليّ إن أراد.
مبلغ.. لشقيقتي العزيزة شريفة حرم الصاغ محمد رفيق والمقيمة بشارع الفيوم رقم.. بمصر الجديدة، بصفة هدية رمزية متواضعة مني لها، وأسألها الدعاء لي دائما بالرحمة.
المبلغ المتبقي من مستحقاتي يقسم كالآتي:
نصف المبلغ لطارق محمد رفيق نجل الصاغ محمد رفيق وشقيقتي شريفة، وليعلم أنني كنت أكن له محبة كبيرة، والنصف الثاني يصرف لملاجئ الأيتام، وبذلك أكون قد أبرأت ذمتي أمام الله، بعد أن بذلت كل ما في وسعي لخدمة الوطن العزيز، والله أكبر والعزة لمصر الحبيبة 'إنا لله وإنا إليه راجعون'.
بعد أن أتم رفعت الجمال، عمليته الجاسوسية، عمل في مجال البترول، وأسس شركة 'آجيبتكو'، وأعطي أنور السادات تعليماته لوزير البترول، بأن يهتم بهذا 'الرجل' العائد في شخصية 'جاك بيتون'، دون أن يفصح عن شخصيته، وشدد علي أهمية مساعدته وتقديم كل العون له، فلم تجد وزارة النفط سوي بئر مليحة المهجور، لتقدمه له بعد أن تركته شركة 'فيليبس'، لعدم جدواه، ورفضت هيئة البترول السماح له بنقل البترول من البئر في الصحراء الغربية إلي داخل البلاد بالتنكات، وأصرّت علي نقله بأنابيب النفط، وهو ما لم يتمكن رفعت الجمال من توفيره ماديا، فلجأ مرة أخري إلي السادات الذي كرر تعليماته بمساعدته وتقديم كل العون له، لكن أحدًا لم يهتم به أحد، فساءت حالة شركته، وتصرفت فيها زوجته 'فالتراود بيتون' بعد أن مات في عام 1982، وباعتها لشركة 'دنسون' الكندية.
لرفعت الجمال ابن واحد من زوجته الألمانية، إلا أنه لا يحمل الجنسية المصرية، حيث أن المخابرات المصرية وفي إطار الإعداد للعملية، قد قامت بإزالة كل الأوراق التي قد تثبت وجود رفعت الجمال من كل الأجهزة الحكومية، بحيث صار رفعت الجمال رسميا لا وجود له، وبالتالي لا يستطيع ابنه الحصول علي جواز السفر المصري الأمر الذي أدي بزوجته وابنه، أن يقدموا التماسا لرئيس الجمهورية السابق محمد حسني مبارك، لاستغلال صلاحياته في إعطائه الجنسية، إلا أن طلبهما قوبل بالرفض لعدم وجود ما يثبت بنوته لرجل مصري.
توفي الجمال بعد معاناته مع مرض سرطان الرئة في عام 1982 بمدينة 'دارمشتات' القريبة من 'فرانكفورت' بألمانيا ودُفن فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.