في منطقة 'عرب الوالدة' الفقيرة بحلوان، تنحي بي 'طفل' لم يبلغ 'العاشرة' من عمره جانبا.. وطلب مني 'التقاط' صورة شخصية معي، بعيدا عن الزحام.. رحت أداعبه، وأقول له 'حاضر'.. لكن 'قل لي'.. لماذا تريدها 'صورة شخصية' وليست وسط الناس.. قال لي 'عاوز لما أكبر أكون زيك'.. رحت أسأله 'زيي في إيه بالضبط؟.. عاوز تطلع صحفي؟'.. قال 'لا'.. قلت له 'ماذا إذا'.. أجاب 'عاوز أطلع أساعد الناس الغلابة زي ما انت بتعمل.. انت واقف علي رجليك من الصبح علشان تساعد الغلابة، وبتضحك في وش الناس رغم التعب والزحمة'.. ومضي يقول: 'أنا يتيم.. ودي أول مرة أحس إني في حد بيدور علي الغلابة ويساعدهم'. وفي 'عزبة زين'.. وقبل أن ننهي عملية توزيع 'اسطوانات البوتاجاز' علي أهالي العزبة، الكائنة قرب محطة 'مترو حلوان'.. فاجأني طفل فقير في نحو 'الثامنة' من عمره، متقدما نحوي، وبيده 'علبة عصير' اشتراها علي نفقته، وصمم علي أن أشربها وسط الزحام. صور.. ومشاهد.. وحكايات، لا أول لها ولا آخر، عشتها بنفسي، ومشاعري، طيلة نحو اثني عشر يوما، حتي الآن، وأنا أسعي جاهدا، وبرعاية شخصية، ودأب واهتمام شديدين من شقيقي الأستاذ 'مصطفي بكري'.. للتخفيف عن أهلنا في مناطق حلوان المختلفة، ومواجهة أزمة 'البوتاجاز' الخانقة، بعد أن ارتفع سعرها في الأسواق، وتجاوزت الخمسين جنيها. استجبنا لنداءات أهلنا في 'حلوان'.. وكلفني شقيقي 'مصطفي' بأن أبذل ما استطعت من جهد، ومعي فريق العمل، من 'أشرف، وأنقي، وأطهر' شباب حلوان، يتقدمهم اخوتي طنطاوي أبو الحاج ومصطفي حسين ومحمود خضري وعرفة قاعود وبغدادي يوسف والمصور الصحفي أحمد عبد الرحيم.. وغيرهم.. للسهر، ليل.. نهار.. من أجل التغلب علي الأزمة 'الخانقة'.. رحنا نرسم الخطط.. بتنظيم، وإحكام شديدين.. وقررنا أن نتجول في كافة مناطق حلوان.. لا نستثني منطقة واحدة.. عبر جهد دؤوب.. لا يتوقف إلا بانحسار الأزمة، والقضاء عليها. كانت شروطي واضحة، لابد أن تصل الأنبوبة إلي صاحبها، في مكانه، ومحل إقامته، وبالسعر الرسمي.. ولابد من مساواة الجميع.. فلا مجاملة في الحق.. وأن يخضع الجميع لنظام عادل في التوزيع.. وأن يحسن فريق العمل معاملة الناس.. وأن يراعوا المرضي والمعاقين وكبار السن.. وأن يتم هذا العمل كله تحت إشراف ورعاية مباحث التموين ومفتشي حلوان، وأن تخضع عملية التوزيع كلها لرقابتهم الكاملة. مددت يدي إلي الإخوة مسئولي شركة 'بتروجاس' عبر الأستاذ الفاضل 'عبد الحميد عبد المقصود' وقيادات الشركة ومديريها، الأستاذ 'شعبان علي' و'حسين سمير' وسائقيها وعمالها.. وطرقت أبواب قيادات شركة 'بوتجاسكو' عبر الحاج 'رجب' والمهندس 'أحمد بسيوني'.. وتواصلت مع الأستاذ 'صبري' مدير تموين حلوان.. ومع اللواء 'مدحت عبدلله' مدير مباحث التموين، ومع العميد 'ياسر عبد العال' من مباحث التموين بوزارة التموين، واللواء خالد عبد الكريم من قطاع 'الغش التجاري'.. ومع الأخ 'سامي جلال' و'أشرف محمود' من مستودع حلوان.. وقبل هؤلاء جميعا وغيره، مع اللواء 'محمود يوسف' مدير مكتب وزير التموين، والاستاذ 'حمدي علام'.. مدير الرقابة. هؤلاء جميعا، وغيرهم، وجدت منهم تعاونا يفوق الوصف لخدمة المواطنين، جمعنا 'هدف واحد'.. كيف نقضي علي أزمة الأنابيب، ونرفع العبء عن كاهل المواطنين.. وقد كان ما حدث بمثابة تناغم بين أعضاء فريق واحد.. تمدد علي طول مناطق حلوان.. حيث العون والمساعدة في كل منطقة.. رجال، وشباب، وسيدات.. تطوعوا في فريق العمل، في كل منطقة نذهب اليها.. يبذلون الجهد، في التنظيم، والمساعدة، وتسليم الأنابيب، وإعادة تحميلها من جديد.. في منظومة للعطاء 'قلما تتكرر'.. وعمل يتسم بالاخلاص، والحرص الشديدين علي قضاء 'حوائج الناس'. فرق كاملة، من المتطوعين.. تفانت في أداء 'الواجب الانساني' فصبت بعطائها في 'قلوب المواطنين والمواطنات' الذين تراصوا في صفوف طويلة.. وفي نظام محكم.. لأن كل منهم اطمأن، أن 'العدالة' و'المساواة' التي نتعامل بها، بين الجميع، سوف تبلغه 'هدفه' ويحصل علي حقه.. فانتفي الزحام، وتراجع التدافع، ووقف الناس في أريحية كاملة.. ينتظرون دورهم.. كغيرهم. هذه المنظومة.. وبكل ما فيها من تجليات.. تصلح 'نموذجا' يحتذي.. فالشعب هو الشعب.. والناس هم الناس.. وإذا وجدوا من يدير أمورهم، بالعدل والقسطاس.. فلا شك أنهم سيبدون أقصي قدر من التعاون لانجاح تلك المنظومة.. فلقد برهنت لي تلك الحملة المتواصلة وعلي مدار اثني عشر يوما حتي الآن، أننا قادرون علي تحقيق العطاء والنجاح في كل أمور حياتنا، إذا ما أعملنا الصدق والعدل.. كأسس للعمل. بقي أن أقول، إنني، وعلي المستوي الشخصي.. أحمل حنينا، لا يفارق مخيلتي عن أهل حلوان 'الشرفاء'.. فرحلتهم معنا، ومع شقيقي 'مصطفي بكري' في معاركه، كانت تشبه 'الأساطير' في 'كتب الحكايات'.. فلقد برهنوا علي شجاعتهم منقطعة النظير.. يوم وقفوا، وخاضوا حروبا شرسة، إلي جانب من دافع عنهم، وتبني قضاياهم.. وفي مواجهة 'ديناصورات الباطل' و'أساطين الفساد'.. وما نفعله، ونقوم به.. رغم الجهد المضني.. والتعب الشديد.. لا يساوي شيئا أمام تضحيات أهل حلوان.. ورسالتهم المجيدة.