يقول عالم الجغرافيا الفذ د.جمال حمدان في كتابه 'شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان': 'إذا كانت الزعامة والقيادة مسئولية تمارس وواجبًا من القيادة يُحقق، فلعل الاختبار النهائي لزعامة مصر قد يرقد في أن ترقي إلي مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب. وإذا صحّ أن نقول: إنه لا وحدة للعرب بغير زعامة مصر، فربما صحّ أن نقول: إنه لا زعامة لمصر بين العرب بغير استردادها فلسطين للعرب، لأنه لا وحدة للعرب أصلاً بدون استرداد فلسطين'. يبدو الدكتور جمال حمدان رحمه لله شديد الثقة والإيمان بزعامة مصر في محيطها الإقليمي العربي ومحوريتها علي المستوي الدولي، ومن ثم فهو يعوّل بشكل أساسيّ علي دورها الذي اختاره لها القدر، وهو التصدي لحل أعقد معضلات العرب والمسلمين وقضيتهم المركزية في العصر الحديث، قضية تحرير فلسطين من براثن العدو الصهيوني الغادر، الذي لا يني يدنس مقدساتها، وينشر في ربوعها الفساد. منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين، ومصر تتحمل عبء واجبها الباهظ إزاء قضية فلسطين. تتعاقب الأنظمة ولكن الدور واحد، والمهمة المقدسة هي الشغل الشاغل، وفاءً بحق أخوة العروبة والإسلام وحسن الجوار، وصيانة للأمن القومي المصري، ففلسطين هي بوابة مصر إلي قارة آسيا. وقد تعاظم الطموح والأمل المعقود علي مصر في أن تعود الدرع الواقية والركن الشديد الذي تأوي إليه شقيقاتها وجاراتها، خاصة بعد نجاح ثورتيها في 25 يناير و30 يونية، وتخلصها من نظام مبارك الاستبدادي الفاسد، ونظام الإخوان المسلمين، الذي زاد علي الفساد والاستبداد التآمر علي الوطن والعبث بهويته الثقافية، وبعد نجاحها في تعطيل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أرادته أمريكا وعملاؤها، ضعيفًا مفتتًا مشرذمًا، يتقاتل أبناؤه، وينقسمون علي أنفسهم شيعًا وطوائف، فينهار من داخله، ثمرة لما سمي بحروب الجيل الرابع. وما لبثت مصر، بعد تعافيها ونهضتها، أن عملت بهمة عالية وعزم صادق أكيد، علي تعويم القضية الفلسطينية من جديد، ويبدو أنها الجولة الأخيرة الظافرة في هذه القضية التي طالت وتشابكت تعقيداتها حتي صارت كالقدر الذي لا مهرب منه. بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي في طرح القضية الفلسطينية بقوة في المحافل الدولية، خلال زياراته الأوربية الأخيرة، في الأممالمتحدة وإيطاليا وفرنسا، بالتزامن مع تحركات الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن. وقد ربط الرئيس السيسي بين حل القضية الفلسطينية والقضاء علي كثير من أسباب الإرهاب وذرائعه وانحرافاته. فتحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة غير المنقوصة للفلسطينيين سيقطع الطريق أمام دعاوي الجهاد الزائفة المنحرفة. وقد سمعنا ورأينا من الإرهابيين من يقول: إن تحرير المسجد الأقصي يبدأ بالقضاء علي الجيش المصري!! إن إقامة الدولة الفلسطينية علي حدود الرابع من يونية 1967، وعاصمتها القدسالشرقية سوف يزرع الأمل في نفوس الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية، التي لن يهدأ لها بال إلا باقتلاع آخر احتلال ماديّ بغيض في العالم. ليس سوي مصر لهذه المهمة المقدسة، فمصر إذا أرادت فعلت. مصر الصخرة التي تتحطم عليها أحلام اليهود في التوسع والتهام الأراضي العربية. ليس سوي مصر واسألوا التاريخ وحوادثه. اسألوا اليهود عن مصر الفراعنة، وعن مصر حين كانت الحاضنة لهم وعاملتهم كأكرم ما تكون المعاملة. لا نريد للحماس أن ينطفئ، بعد أن أثمرت الجهود وبادرت كثير من الدول بالاعتراف بدولة فلسطين. اعترفت دولة السويد في الثلاثين من أكتوبر الماضي لتصبح أول بلد غربي عضو في الاتحاد الأوربي يتخذ قرارًا شجاعًا من هذا النوع. ودعا البرلمان البريطاني والبرلمان الإسباني حكومتي دولتيهما إلي القيام بمثل ما فعلت السويد.كما قرر النواب الفرنسيون التصويت علي قرار بهذا الشأن نفسه في الثاني من ديسمبر وإن كان التصويت غير ملزم.. إضافة إلي سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوربي، وإن اعترفت بالدولة الفلسطينية قبل دخولها الاتحاد الأوربي وهي: التشيك والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا ومالطا وقبرص. إن استعادة دولة فلسطين المستقلة هي هدية مصر إلي أمتها العربية. وهي آية زعامتها التاريخية، وتتويج لجهودها الدءوبة المتواصلة الصادقة. وهي الضامن لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بكاملها، بالقضاء علي الإرهاب. الذي جعل منها ومن أقصاها حصان طروادة الذي يحمل بداخله الفساد والدمار والترويع.. فهل تفعل مصر؟! إنها قادرة وقوية وستفعل إن شاء لله!!