لقد اضحت الحياه اليوميه في وطننا الحبيب فصولا من الملهاة , اذا تاملها الانسان بعمق وتعامل معها بجدية, فلابد ان يصاب بنوع من المرض النفسي او العقلي, لان ما يحدث داخل اروقة الوزارات والمصالح الحكوميه والهيئات العامه والقطاع العام لايمكن ان يصدقه او يستوعبه عقل بشر , ولقد دفعتني هذه التصرفات الي الايمان بضرورة خصصة كل شيء حتي ينصلح الحال, وانني اعترف امامكم جميعا ايها الساده القراء بما وقعت فيه من خطأ عندما اعتقدت ان الخصصه التي تمت لمقدرات هذا الشعب كانت في المسار الصحيح , وكانت من الحلول التي تقتضيها المصلحه العامه , وليس هذا عدولا مني عما اعتقدته من ايدلوجيه وسطيه مابين الرأسماليه المنفلته والاشتراكيه الجامده , ولكن تأييدي للخصصه ينبع عن سبب اخر لا اعتقد انه دار بخلد قادة الخصصه ومهندسيها , فلا تعجبوا ان قلت لكم انني اليوم ارفع شعار خصصة كل شيء يختص بالعمل التنفيذي للدوله بدءا من الوزارات وما في حكمها , وازعم اليوم انني اؤمن بأن الحل هو ان يكون هناك وزارات قطاع خاص وكذلك الهيئات العامه تصبح هيئات خاصه وقطاع الاعمال يصبح ايضا قطاع خاص , فاذا حدث ذلك فانني ازعم ايضا ان اغلب الموظفين الحاليين لن يكونوا صالحين للعمل بتلك الوزارات او الهيئات , وقد دفعني الي هذا الاعتقاد كثرة ما تعرضت له من مواقف مع الساده اصحاب الفخامه من موظفي القطاع الحكومي سواء كانت وزارات اوهيئات عامه او محليات , والكل يعرف انه ما تدخلت هذه الجهات في موضوع الا افسدته واحالته الي مصدر عذاب لكل من يقترب منه او تكون له صله به من قريب او بعيد , واذا شئت ان اذكر لك مئات بل الاف الحالات التي تحدث كل يوم ابطالها من موظفي هذه الجهات الحكوميه والعامه , معها الاف العذابات لكثير من المواطنين , والغريب في الامر الي من تشتكي ؟ واذا اشتكيت من يسمع شكواك؟ ومن ينصفك ويعيد لك حقك المسلوب علي يد الساديين من موظفي هذه الهيئات؟ تخبطات غريبه جدا ؟ فخذ علي سبيل المثال بأحد الهيئات الاساسيه المسئوله عن قطاع من اهم القطاعات , ثلاث ادارات داخل هذه الهيئه يتم التعامل معها في موضوع واحد ' تعديل عقد شركه' التأسيس والتعديل ثم الشئون القانونيه ثم التوثيق ' الثلاثه داخل هيئه واحده و في موضوع واحد وفيما يتعلق بالتوكيلات المحرره لوكيل اصحاب الشأن , كل واحد من الثلاث ادارات طلب شيئا مختلفا , فالاول قبل وكيل وكيل الشركاء والثاني اصر علي حضور الوكيل الاول والثالث رفض التوكيل برمته وطلب تغيير الصيغه , وكأن كل منهم لا ينتمي الي نفس الهيئه بل لا ينتمي الي نفس البلد , وقد كان من المقبول ان يكونوا موحدي الطلبات فاذا كان الثالث الذي طلب تغيير التوكيل علي صواب فيكون الاثنين السابقين عليه مخالفين للقانون , اما اذا كان الثاني علي صواب فيكون الاول قد خالف القانون ويكون الثالث قد تعنت في استخدام الحق , واذا كان الاول علي صواب يكون الثاني والثالث قد تعنتا في استخدام الحق , حيث يستحيل ان يكون الثلاثه علي حق , لاننا نتعامل في موضوع واحد هو التوكيل نفسه. فالي من يشكو المواطن ؟ والي من يذهب ؟ ومن الذي يحاسب المتعنتين؟ وما هو جزاءهم ؟ ان القانون يضع حرمه للموظف العمومي, وحيث ان مباديء العقد الاجتماعي تقضي بان الموظف الحكومي ايا كانت درجته ' سواء كان رئيسا او وزيرا اوخفيرا' ما هو الا اجير عند الشعب يتقاضي اجره من اموال هذا الشعب , فكيف اصبحت هناك حرمه للاجير ؟ وضاعت علي يد الاجير حرمة المالك , واضحي تحت تحكم وتجبر وتعنت الموظف الحكومي. والموظف الحكومي اضحي لا يخرج عن اثنتين الاولي خائف ومرتعب من الجهات الرقابيه خشية اتهامه بتضييع اموال الخزانه العامه , وهي التهمه الجاهزه والرسميه التي تلصقها الاجهزه الرقابيه بالموظف العمومي سواء اكانت اجهزه مركزيه او رقابيه او تفتيشيه , ولاأحد يحاسب هذه الاجهزه اذا اخطأت في حق الموظف العمومي ؟ ولا يرد له اعتباره وكرامته المهانه التي بعثرها جبروت الاجهزه الرقابيه ؟ والثانيه ان يكون من اصحاب العقد النفسيه فيمارس ساديته علي جمهور المتعاملين. وهما مصيبتان احلاهما مر, فقد اضحت دائره من العذاب يدور فيها كل يوم بل كل لحظه القاتل والمقتول , وهما في الهم سواء , وانني اتسائل الي متي يستمر هذا الجنون , وهذه المسرحية الهزلية العبثيه التي نشاهدها كل يوم حتي سئم منها السئم ذاته؟ انني لااريد ان استرسل في ضرب الامثله وسرد الوقائع , ويكفي ان اذكر ان التكنولوجيا اذا دخلت علي اي عمل في اي بلد من البلدان فأنها تعمل علي سرعة الانجاز وجودة الاداء, وخذ مثلا عندما كانت البطاقه الشخصيه تحرر يدويا كانت تستغرق اقل من اربع ساعات , وبعد ان اصبحت بالكمبيوتر اضحت تستغرق خمسة عشر يوما !! وكذلك كانت البطاقه الضريبيه يستغرق استخراجها اقل من ساعتين , بعد ان اصبحت بالكمبيوتر اصبحت ايضا تستخرج في خمسة عشر يوما بالقاهره , وتستغرق ثلاثون يوما في الاقاليم !!. وللتدليل علي صحة وجهة نظري فيما توصلت اليه من ضرورة الخصخصه للوزارات وما في حكمها , انظروا الي الهيئه التي كانت تسمي هيئة الاتصالات , عندما كانت هي الجهه الوحيده المنوط بها منح هذا الشعب التليفونات , استغرق منح خط تليفون للمواطن كاتب هذا المقال اكثر من ثماني سنوات ودفع في ذلك الخط " الجملي " الف ومائتين جنيه , اما اليوم وفي وجود ثلاث شركات اتصالات خاصه تغيرت شركات الاتصالات العامه - سبحان مغيرالاحوال - لتنافس شركات القطاع الخاص فأصبحت تنافسهم في سرعة تركيب الخطوط ' يوم واحد 'ومجانيتها وتوصيل العقود للمنازل . ايها الساده يجب ان نعيد نظرتنا للامور كلها ويجب ان يضع المسئولون الامور في نصابها الصحيح من خلال تقويم المعوج , وعدل المقلوب وتصحيح الأخطاء , وكفانا تعذيب للمواطن واهدارا لطاقات ومقدرات هذا الوطن , واعتقد ان هذا الامر سهلا ويسيرا ولا يحتاج الي قرار وزاري وانما يحتاج الي ضمائر حيه وهمما عاليه. * خبير بالمنظمه العربيه للتنميه الادارية