تسريب امتحان الكيمياء للثانوية العامة 2025.. والتعليم ترد    وزيرة التخطيط: مصر نفذت نهجًا استباقيًا لتعزيز إدارة الديون عبر أدوات التمويل المبتكرة    استقرار أسعار الذهب اليوم والعقود تسجل 3364.4 دولار للأونصة    سعر الدولار اليوم الخميس 3 يوليو 2025 في البنوك    بن جفير: لا لصفقة غزة.. ويجب احتلال القطاع بالكامل وتشجيع الهجرة    وفاة 4 أشخاص وفقدان 38 آخرين إثر غرق عبارة في إندونيسيا    ضم الضفة.. 15 وزيرا ورئيس الكنيست يطلبون من نتنياهو التنفيذ    مواعيد مباريات الخميس 3 يوليو 2025.. انطلاق أمم أوروبا للسيدات    الزمالك يبحث تسويق سيف الدين الجزيري    الحماية المدنية بالمنوفية تسيطر على حريق نشب في شقه سكنية    آراء طلاب الثانوية الأزهرية بالفيوم بعد امتحان المطالعة والنصوص: "كله مقالي وصعب"    رئيس «الرعاية الصحية» يعلن اكتِمال المرحلة الأولى لمنظومة التأمين الصحي الشامل بأسوان    إبراهيم فايق يعلن بشرى سارة للجماهير العربية    السعودية تدشّن أول سرية من منظومة "ثاد"    انخفاض أسعار زيت عباد الشمس والعدس بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    حملات مكثفة لغلق 79 محلاً ومقهى وكافيه غير مرخص بأسوان    9 جنيهات لكيلو البطاطس.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    لاعبو الهلال السعودي يحتفلون بمولود جديدة لرئيس النادي (صور)    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 3 يوليو 2025    "الجزيرة" الكويتية تستأنف رحلاتها الجوية إلى سوريا بعد توقف أكثر من عقد    روسيا تُعلن إسقاط 69 مسيرة أوكرانية غربي البلاد    طقس حار في الكويت اليوم الخميس 3 يوليو 2025    اليوم، أصالة تطرح ألبومها الجديد "ضريبة البعد"    "أحيا فرحه".. إمام عاشور ينعى أحمد عامر بصورة    الأهلي يعلن ضم محمد شريف لمدة 5 سنوات    الأزهري يلتقي وزير الصحة الفلبيني لبحث التعاون في مجال التمريض والدواء    30 دقيقة تأخرًا في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 3 يوليو 2025    جثث الأطفال تفحمت.. الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين في حي الرمال ب غزة (فيديو)    احتفالية Car Of The Year Egypt تختتم فعاليات دورتها السابعة    جدل برلماني حول تعديل قانون التعليم.. النواب يطالبون بسحب المشروع (تفاصيل)    توزيع درجات امتحان الجغرافيا للصف الثالث الثانوي 2025    تغييرات جذرية في "وتر حساس 2".. غادة عادل بديلة لصبا مبارك وغياب أحمد جمال سعيد وجنا الأشقر    وجودك بيخلي اليوم مميز.. رسالة ليلى زاهر ل تامر حسني    سيراميكا يواصل مفاوضاته مع الأهلي لاستعارة رضا سليم    ملف يلا كورة.. الرمادي يكسر الصمت.. السعودية تستهدف إمام.. وشريف يعود للأهلي    حريق هائل بعقار سكني مكون من 5 طوابق بحلمية الزيتون والدفع ب 3 سيارات إطفاء للسيطرة    رؤساء النواب الأردني والبريطانى يؤكدون ضرورة وقف الحرب على غزة وإنفاذ المساعدات    40 حكما يجتازون اختبارات الانضمام لدورة الحصول على رخصة "VAR"    البلشي: لست مسؤولًا عن تظاهرات أحمد دومة على سلم نقابة الصحفيين    بعد 12 عامًا.. الإخوان ترفض الاعتراف بسقوطها الشعبي والسياسي    «الوطنية للانتخابات» تحدد قواعد اختيار رموز مرشحي «الشيوخ» على نظامي القوائم والفردي    عصام السباعي يكتب: مفاتيح المستقبل    طارق الشيخ يكشف كواليس صداقته مع أحمد عامر..ماذا قال؟    مي عمر أنيقة ونسرين طافش بفستان قصير على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    هل الجنة والنار موجودتان الآن؟.. أمين الفتوى يجيب    "القائمة الوطنية من أجل مصر" لانتخابات الشيوخ.. تضم 13 حزبًا وتجمعًا سياسيًا    تريلا تدهس 7 سيارات أعلى الطريق الدائري بالمعادي.. صور    يكفر ذنوب عام كامل.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة    الأعداد المقرر قبولها ب الجامعات الحكومية من حملة شهادات الدبلومات الفنية 2025    تعرَّف علي قيمة بدل المعلم والاعتماد ب مشروع تعديل قانون التعليم (الفئات المستحقة)    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    مملكة الحرير" يحقق رقمًا قياسيًا على يانغو بلاي ويتصدر الترند لليوم الثالث على التوالي    3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    مستشفى الأطفال بجامعة أسيوط تنظم يوم علمي حول أمراض الكلى لدى الأطفال    فريق طبي ينجح في إنقاذ طفلة مولودة في عمر رحمي بمستشفى في الإسكندرية    ما هي الأنماط الغذائية الصحية لمصابين بالأمراض الجلدية؟.. "الصحة" تجيب    هل "الدروب شيبنج" جائز شرعًا؟ أمين الفتوى يجيب    «الإفتاء» توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصادر تكوين القيم في الإسلام
نشر في المصريون يوم 07 - 07 - 2010

يرى الكثير من الباحثين أن العامل الحاسم الذي له دور كبير في توجيه السلوك إنما هو المكون الثقافي، والذي هو الناتج الطبيعي والثمرة المرَّة أو الحلوة للمكون العقدي.
وعلماء التربية وعلماء النفس وعلماء الاجتماع يقررون بأن رؤية الإنسان لذاته ودوره ورسالته، ورؤيته للبيئة المحيطة، وكذلك رؤيته للكون والحياة، تتشكل من خلال مصدرين اثنين، هما:
1. العقيدة التي يعتقدها الإنسان ويدين بها.
2. الثقافة التي تربى عليها، وتَكوَّن عقلُه ووجدانُه من خلالها.
ولنا مع المصدر الأول والذي هو العقيدة وقفة تأمل وتحليل..
فمن المعروف علميًّا أن القيمة عندما تستمد قداستها من العمق الديني، فإن حرية ممارستها تنبعث من أقوى المشاعر تأثيرًا في حياة الإنسان، فمن حيث التوصيف والرصد: تشكل العقيدة الدينية مكونا أساسيا في خلقة الإنسان وجبلته، يعبر عنها بأنها فطرة أصلية في النفوس البشرية، لا يغني عنها قانون ولا فلسفة ولا تثقيف.
ومهما قيل عن أثر الإيمان بمبدأ ما أو بعقيدة ما في حياة الإنسان ولو كانت من وضع البشر ومن بنات أفكارهم، إلا أن عقيدة الإسلام تختص عما دونها من العقائد بما لها من آثار جليلة الوقائع، كبيرة النفع في الحياة بجوانبها المتعددة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ذلك لأن العنصر البشري يبقى قبل كل العناصر وبعدها هو الأساس في بناء الحضارات ورقي الأمم وسيادة القيم، وذلك بنمط السلوك الذي يسلكه وفق ما يعتقده من عقيدة يدين بها التزامًا، ويدين لها في تقدمه أو تأخره، في علمه أو جهله، وحتى في سموه، أو هبوطه وتدنيه.
ومن حيث التحليل والتعليل:
لا توجد عقيدة ربطت بين الدنيا والآخرة، ومزجت بين عالم الغيب وعالم الشهادة، ونظمت علاقات الأفراد والمجتمعات والأمم، مثلما فعلت عقيدة الإسلام في حياة المؤمنين، وقد يتبادر إلى الأذهان أن الدين كله شيء واحد وأنه مجرد تصور غيبي يفلسف الوجود، وأن آثاره في واقع الحياة واحدة رغم تباين أشكال الشعائر وأنواع التعاليم.
يقول الدكتور حسن الترابي في كتابه الإيمان: والحق أن رسالات الله كلها يجمعها نوع من التوافق العام في الأصول الأولى، وأن المرسلين جميعًا أخوة عقيدة واحدة، انبعثت من مشكاة واحدة، يصدق بعضها بعضا، ولكن عوامل الوضع وتقادم الزمان اخترقت أصول العقيدة الصحيحة فتلاشت معانيها واختلط وحي السماء بتعاليم البشر بفضل الوضاعين، ولم يبق من أصل الدين إلا بقية انقطعت صلتها بالسماء وأضحت نوعًا من التقاليد الموروثة تتغير وتتبدل بعوامل الابتداع وفق ما يراه كهانه، ومن هنا يتضح لنا أن الحديث عن الدين لابد أن يقيد بوصف الإسلام، ولا يساق على سبيل الإطلاق، لأن الإطلاق يحدث خلطًا بين ما هو صحيح من الدين وبين ما هو من وضع البشر بفعل التغيير والتبديل نتيجة المنافع والأهواء، كما جاء في النص الكريم (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79].
ولما كانت عقيدة الإسلام تحدث في النفس البشرية مجموعة من القيم، تتضمن تصورًا شاملا للدنيا والآخرة والحياة والموت، ويتسع هذا التصور ليدخل فيه أنواع النشاط الإنساني وتحديد العلاقات، من خلال الحق والواجب بين كل من الأطراف بما يضمن سلامة الفرد والمجتمع وما يتحقق من وفاق بين حاجات الفرد وحاجات المجتمع، مما يكون له أبلغ الأثر في تحقيق قدرة الإنسان على أداء دوره ورسالته.
ولئن كان الحديث عن أثر العقيدة في تحقيق منظومة القيم يتطلب الإشارة إلى شعب الإيمان وما لها من تأثير فعال في تزكية النفس وتطهير المجتمع، إلا أن الحديث هنا يتطلب الإيجاز ويكتفى فيه بإشارات لبعض هذه الشعب اختصارًا للوقت وحتى لا تضيع منا معالم الأمور.
فالعقيدة الدينية تعتمد الحقائق الثابتة وتعطي للإنسان التصور الشامل الكلي الذي يربطه بقوى الكون من حوله ظاهره وباطنه، فيتولد لديه شعور بالعبودية لرب هذا الكون، ويشعر بنوع من المؤاخاة بينه وبين هذه القوى الكونية الكبرى، فيزداد طمأنينة وأمنًا، حيث يشعر أنه وهذه القوى يسيران في مسرى واحد ويتجهان لرب واحد، فلا يخاف غيره ولا يخشى سواه، ومن ثم يتحقق التوازن المطلوب في مضمون القيم، وتنتفي منه روح الصراع وأسبابه تلك التي تغلب على قيم المدارس الوضعية التى نشأت في ظل الانفصال عن الدين والتنكر لآثاره في تكوين والمجتمع.
يقول الأستاذ سيد قطب: "وقوة الثقة في الله، وهي العقيدة تفسر للفرد علاقاته بما حوله من الناس والأحداث والأشياء، وتوضح له غايته واتجاهه وطريقه وتجمع طاقاته وقواه كلها وتدفعها في اتجاه، كذلك قوتها قوة تجميع القوى والطاقات حول محور واحد وتوجيهها في اتجاه واحد تمضي إليه مستنيرة الهدف في قوة وثقة ويقين. والشخصية الإنسانية السوية وحدة متماسكة فهي في حاجة إلى عقيدة موحدة تصدر عنها في كل اتجاه، وتستلهمها في الشعور والسلوك وتستهديها في مواجهة الكون والحياة، وترجع إليها في كل صغيرة وكبيرة؛ لتكون نقطة ارتكاز تتجمع إليها خيوط حياتها ونشاطها فلا تتمزق ولا تتبعثر ولا يدركها القلق والحيرة والاضطراب، وكلما قويت هذه النقطة واشتدت صلاتها بالخيوط المنبثة هنا وهناك في حياة الفرد ونشاطه كانت شخصية أقوى؛ لأنها أكثر تجمعًا، وكانت خطواتها أهدى لأنها أوحد طريقًا".
ويؤكد الترابي أن منظومة القيم المتولدة من تلك العقيدة والصادرة عنها توضح للإنسان غايته، وتوضح له اتجاهه، وتفجر طاقاته وقدراته، وتوجهها وجهة تفيد ولا تضر وتعمر ولا تخرب وتبني ولا تهدم، "فلا جرم أن أصدق الحديث عن منظومة القيم ما كان منسوبًا إلى الإسلام؛ لأنه الدين الخالص ذو الأصول المحفوظة، ولأن سائر الأديان قد تبدلت عقائدها وشرائعها بما شابها من بدع شتى، ما أنزل الله بها من سلطان، فالحديث في شأن الدين ينبغي ألا يساق على سبيل الإطلاق"
فالدين واحد في معانيه، تتكامل فيه ثلاثية العقيدة، والشريعة، ومكارم الأخلاق، وكل جانب من هذه الجوانب يؤدي وظيفة حيوية، وكأنه رافد يصب في مجرى نهر عام تلتقي كلها عند مصب عام، هو صياغة الإنسان الرباني وتشكيله وتزويده بالعقل المبدع الخلاق الذي يأبى الخرافة، وينأى عن السلوك وانحراف الأداء، كما تزوده بطهارة الخلق وتزكية النفس وتربي فيه القلب الكبير الذي يمتلئ بالمحبة ويعلو على الأهواء.
"فالعقيدة تدفع المؤمن لصالح الأعمال وتضبطه عن سيئاتها وتخط له معالم الخير والشر في الحياة. والشريعة بمبادئها العامة وأحكامها الفرعية هي دليل العمل ونظامه تبين اتجاهاته وأشكاله وترسم علاقاته وحدوده. فبالإيمان يستمد المرء قوته ويهتدي إلى وجهته في الحياة، وبالشريعة يتعلم أي نحو مفصل ينحو بعمله في واقع أحواله المعنية، كما يتعرف دقائق نظم السلوك وضوابطه. وما دام الإيمان واتباع الشريعة وجهين للدين متلازمين متكاملين، فإن الآثار الخيرة الناتجة عنهما في الحياة الدنيا يمكن أن ترد بحق لأي منهما. فالإيمان سبب في منافع الدنيا ومتاعها، لأنه معراج الروح وانشراح النفس أمام مسؤولياتها الضخمة في الحياة، فمن عمَّر قلبه بالإيمان بالله صفت نفسه واطمأنت وسمت عواطفها الإنسانية، وسارع إلى الخير وسابق إليه، وكان مشعل النور والهداية حيثما حل، مستقيمًا في الحق بعيدًا عن الهوى والأنانية والشح، فلا وجل ولا خيانة ولا غش ولا احتكار ولا أمعية ولا هدر للعقل ولا تقليد أعمى ولا امتهان للفكر ليسير وراء كل ناعق أو يتزلف لكل سيد، وإنما هو قلب خاشع ولسان ذاكر وعقل واع، يستوعب هداية الله وينطلق في ملكوت الله؛ ليكشف قوانينه فيه، ويسخره لعباده ليعمر الأرض، كما ينطلق في المجتمع الإنساني ليقيمه آمنًا مطمئنًا صافيًا نقيًّا مما يهدم الحياة ويروع الأحياء أو يخدرهم كما أكد ذلك الأستاذ عابد توفيق الهاشمي. قال تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس: 98]. وبذلك تكون العقيدة الصحيحة -لا نقيضها- هي النبع والمصدر الأول للقيم الأخلاقية وللشعور بالالتزام بممارستها وتحويلها إلى نماذج تطبيقية متحركة ومتحققة في حياة الأمة أفرادًا وجماعات. ومن نافلة القول تكرار الحقيقة المعروفة لدى كل علماء النفس وعلماء الاجتماع أن أقوى أنواع الضبط للسلوك الإنساني هو الضبط الإرادي، وهذا الضبط لا يمكن أن ينتج إلا من الأخلاق التي ترتبط بقيم يدعمها الإيمان الجامع بها، وهي أخلاق لا تتبدل حسب الطلب، وإنما تبقى ثابتة، لأنها هي التي تحفظ للجماعة الحد الأدنى من التوازن، كما أنها تمد المجتمع بالقواعد التي تضبط سلوك الناس وتوجه ممارساتهم. تلك هي المصادر الأولية لكل قيم الحق والخير والجمال وتلك هي المؤثرات الأساسية التي تقف من خلفها في العقل والقلب والوجدان أولا، ثم تدفع بها إلى مجالات السلوك والممارسة، لتتحول واقعا معاشا في حياة الناس ثانيا.
• رئيس مجلس إدارة المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية - أستراليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.