تأكدت مشاركة المصريين في مهرجان الفيلم العربي بوهران في طبعته الرابعة بعد أن أسالت الكثير من الحبر وفي ظل تأجيل هذه التظاهرة السنيمائية الكبيرة، وتأكد للمرة الألف بأنّ العلاقات بين البلدين الشقيقين الجزائر ومصر، أكبر بكثير من أن تختصر في مباراة لكرة القدم تأهل علي إثرها الفريق الجزائري لنهائيات جنوب إفريقيا، بل ليس لها وصف أو تقدير لكي تتوقف عند ملعب أم درمان في السودان.. وعليه فإن مشاركة الأشقاء المصريين في مهرجان وهران، يعتبر في حد ذاته مؤشرا صحيا علي عودة الدفء لهذه العلاقات وأجمل أن يبدأ بالفن السابع، بالنخبة الطلائعية للمجتمع ونقصد بذلك المثقفين والمفكرين، ولأننا لا نشك أبدا أنّ ما أفسدته الكرة سيصلحه حتما العقل، ولو أنه لا يجب أن نجافي الحقيقة بأنّ ما حدث ليس بالأمر الهين تجاوزه بمثل هذه السهولة والبساطة، لكن التاريخ سيسجل كل ما وقع بخلفيات شتي وتوظيف لم يكن اعتباطيا لتحقيق أهداف مهما كان حجمها ووزنها بالتأكيد لم تتمكن من العصف بما يربط الشعبين الجزائري والمصري منذ عقود وأكثر من ذلك لم يكن بيننا خبز وملح فحسب يل جهاد واختلطت دماء الشعبين في مواجهة الإستدمار الفرنسي والغزو الصهيوني وليس ذلك ببعيد. مرت أكثر من عام عن مقابلة أم درمان، وجاء مهرجان وهران ليقلب الصفحة التي أثرت سلبا وكثيرا ليس فقط علي العلاقات بين مصر والجزائر ولو أنّها بفضل حنكة الدبلوماسية في البلدين لم تصل إلي النفق المسدود الذي كان العدو اللدود المشترك إسرائيل ينتظر ذلك بفارغ الصبر لكنها عاد بخفي حنين مدحورا، وكان لزاما من فترة قيل بشأنها الكثير لكن الأهم أنها بعد عام أصبحت مجرد زوبعة في فنجان، والفضل يعود أيضا إلي كل المفكرين والكتاب والفنانين والصحفيين والوطنيين في كلا البلدين الذين ظلوا ينادون بتحكيم العقل وتغليب المصلحة العليا للبلدين وقطع رؤوس الفتنة ولم يدخروا في ذلك جهدا وتحملوا ما تحملوه من نعوت وشتائم من طرف حتي من يقاسمونهم رغيف الفكر والمعرفة، فلم يستسلموا لأنهم كانوا يحملون القضية المشتركة في قلوبهم وعقولهم وبكل جوارحهم وليس سجلا تجاريا أو صكا من صكوك الغفران. أعرف مسبقا بأنّ هذا الكلام قد لا يعجب البعض الذين يضعون أصابعهم في آذانهم، تحت حجج قيل في شأنها الكثير حتي طفح الكيل ولو أنّ لكل سؤالهم ألف جواب وأننا نحمل نفس الخطاب منذ أكثر من عام، إيمانا منا بقداسة القلم ونبل العلاقات التي تجمع بين البلدين، وعليه سيظل "كلامنا لفظ مفيد كاستقم" علي خطي ألفية ابن مالك، وإنني أيضا في هذا المقام المتواضع أحيي وزارة الثقافة في الجزائر علي اتخاذ زمام المبادرة وتوجيه الدعوة إلي الأشقاء المصريين للمشاركة في المهرجان العربي بوهران وتلبيتهم لها بصدر رحب ولو بفيلمين فقط وهما "مايكروفون" و"أحمر باهت"، ولنا وقفة تقدير واحترام للفنان المصري خالد أبو النجا الذي لبي الدعوة وقال بالحرف الواحد بعد أن أقسم " أنه ذاهب للجزائر، في محاولة منه لنفي الشائعات وقطع الطريق أمام أي محاولة لإشعال الأزمة بين مصر والجزائر مجددا". وأشار في السياق ذاته "الإعلام ساهم في توليد الكراهية بين جمهور البلدين، ويجب عليه الآن أن يصلح خطأه، لأن الإعلام إذا كان من الممكن أن يفرق بين شعبين، فان الفنون لها دور كبير في تجميع الشعبين حول عمل واحد". رسالة الفنان خالد أبو النجا وجدت صدي كبيرا لدي الجمهور الوهراني باعتباره عينة من الشعب الجزائري وسيتأكد لمن يراوده أدني شك، بأنّ هذا الجمهور الذي احتضن كل الفنانين والفنانات من مصر خلال الطبعات الثلاث الماضية، سيجد أبو النجا نفس الجمهور مضيافا وكريما ومحبا لضيوفه، ويفرش له الزمارق وهذا ليس علي نوارس المهرجان بعزيز. رامي الحاج - الجزائر