حدثني صديقي الجزائري ونحن نتوجه إلي قصر الأمم بنادي الصنوبر في العاصمة الجزائرية وهو ينظر بسرور إلي السماء الصافية بعد أيام عاصفة خاف معها الجزائريون وقوع سيول وفيضانات، كما كان الأمر في المغرب ودول أخري، فقال: سبحان الله أنظر كيف عادت الشمس تتوهج في سماء الجزائر، جنباً إلي جنب مع وهج فلسطين وشهدائها وأسراها في ملتقي نصرة الأسري لدي سجون الاحتلال، وقد حجبت أيام العنف في الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد عن دورها التاريخي في نصرة فلسطين لسنوات عدة. وأضاف قائلاً بالحماسة الجزائرية المعهودة: لقد أرادوا أن يبعدوا الجزائر عن تراثها ودورها من خلال عنف متفجر دام، ليس الآن وقت تحديد ظروفه وأسبابه، بل أن ينتقموا من الجزائر وثورتها – النموذج لكل ثورات التحرير، ومن ارتباطها العريق بفلسطين عبر شلالات دم انهمرت في شوارعها ودساكرها وقراها علي مدي سنوات، ولكن ملتقانا اليوم، بمئات الشخصيات الذين حضروا، يتصدرهم أسري محررون في فلسطين والعراق، وذوو أسري، أكد لهم أن الجزائر علي العهد باقية، عهد فلسطين والعراق، عهد العروبة والإسلام، عهد الكفاح والتحرير. وفي قاعة الاجتماعات الكبري في قصر الأمم قال لي صديقي الفلسطيني والدمعة تلمع في عينيه: هل تعلم أنه في هذه القاعة انعقد عام 1986 المجلس الوطني الفلسطيني ليعيد ترميم الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تصدعت في أواخر عام 1983، وهل تعلم أنه في هذه القاعة أيضاً أعلن الرئيس الشهيد أبو عمار استقلال فلسطين، وأردف صديقي الذي حضر الاجتماعين قبل أكثر من عقدين ونيف قائلاً: "لم أكن أصدق أننا سنعود للاجتماع في هذه القاعة بعد كل الذي مرّ علي العمل الوطني الفلسطيني من محن وانقسامات واحتراب". صديقي من تونس أتي إليّ مهنئاً: بارك الله كل من خطط وعمل واتصل ونظم من أجل إنجاح هذا الملتقي الذي جمع كل فصائل العمل الفلسطيني والذين لم يكن ممكناً لأحد منا أن يميز تنظيم هذا المتحدث أو ذاك من خلال كلامه، فالخطاب كان واحداً حول الأسري والمعتقلين، وطيف وثيقة الوفاق الوطني التي أعدها الأسري والمعتقلون في معتقلاتهم والسجون كانت مرجعية الجميع، والمقاومة الفلسطينية تلاقت بكل قواها مع المقاومة العراقية واللبنانية، ومع الممانعة السورية والسودانية، التركية والإيرانية، العربية والإسلامية والعالمية تحت شعار: الاقتراب من فلسطين يوحد والابتعاد عنها يفرّق ويشتت ويمزق، وقضية الأسري ليست قضية إنسانية فقط، بل أنها قضية سياسية بالدرجة الأولي، قضية وطنية وقومية وعالمية، لذلك اجتمع في ظلها متضامنون من كل القارات، من كل الديانات، من كل الدول، من كل التيارات، من كل الأحزاب والقوي والشخصيات والرموز. أما جورج غالاواي أحد أبرز رموز الحركة العالمية المناصرة لقضايا العرب، ومعه المحامي الأمريكي الذائع الصيت ستانلي كوهين، فقد قالا معاً علي طاولة عشاء أقامته جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي احتضنت الملتقي وبذلت جهوداً فائقة لإنجاحه: "بعد ملتقانا في اسطنبول حول القدس قبل ثلاث سنوات حول حق العودة في دمشق قبل عامين، وحول الجولان في القنيطرة، وحول وحدة السودان في الخرطوم، وحول دعم المقاومة وحول ملاحقة جرائم الحرب الأمريكية في العراق في بيروت، من كان يصدق أننا سنلتقي في الجزائر حول الأسري والمعتقلين في فلسطين ومعهم إخوانهم في سجون الاحتلال الأمريكي السرية والعلنية. "أنها بالفعل حركة تواصل وتضامن أممية" كما قال لي صديقي الهندي مانيك موخرجي نائب رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي السابق ورئيس المنتدي العالمي لمناهضة الإمبريالية والعنصرية 'الذي شارك في الملتقي برسالة جميلة وقوية ومعبّرة'، "حركة تعكس تحولاً في أسلوب العمل العربي والإسلامي وفي المزاج الغربي والإسلامي... حركة لم تعبر عن نفسها في مؤتمرات وملتقيات فقط، بل أيضاً في قوافل وأساطيل وسفن لكسر الحصار علي غزة، وفي مئات المتضامنين الأجانب الذين يتوجهون إلي فلسطينالمحتلة لمشاركة أهلها نضالهم ضد الاستيطان والجدار العنصري والاحتلال". وسألني أخٌ عزيزٌ من العراق ومعه كثيرون: لماذا لا يكون هناك أيضاً تحرك من أجل الأسري والمعتقلين في العراق، فكان الجواب حاضراً عند الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي خالد السفياني "سيكون هناك مؤتمر قانوني كبير حول كل جرائم الاحتلال في العراق في الذكري الثامنة للغزو، كما سنسعي ليكون هناك بإذن الله ملتقي دولي لمناهضة العنصرية في مدينة دوربان في جنوب أفريقيا، وفي الذكري العاشرة بالذات لملتقي دوربان الشهير الذي أجهضت نتائجه الهامة أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. وحين استحضر رئيس اللجنة التحضيرية للملتقي أمين عام المؤتمر العام للأحزاب العربية عبد العزيز السيد في كلمته الافتتاحية كلاماً قاله رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة في القدس عام 1964 'وكان وزيراً للخارجية آنذاك' بأن "استقلال الجزائر لن يكتمل إلا باستقلال فلسطين" علق كثيرون: "وكذلك لن يكتمل استقلال أي بلد عربي أو إسلامي إلا باستقلال فلسطين، بل لن يكتمل استقرار العالم وحريته إلا بهزيمة آخر وأخطر قلعة عنصرية في العالم وهي النظام العنصري المحتل في فلسطين". الجميع وبعد أن صوت بالإجماع علي "إعلان الجزائر" وتوصيات الملتقي في مبادرة ديمقراطية لافتة أقدم عليها رئيس الجلسة الختامية أمين عام جبهة التحرير الجزائرية عبد العزيز بالخادم حين عرض الإعلان والتوصيات علي التصويت، خرج الجميع يردد "ماذا بعد الملتقي؟ هل ستكون هناك خطوات لاحقة؟" وهنا اقترحت آن ماري ليزين رئيسة مجلس النواب البلجيكي السابقة جملة أفكار قابلة للتنفيذ من قبل الملتقي. مديرة عام الملتقي، مديرة عام المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن رحاب مكحل كانت تجيب المتسائلين: حين يكون العزم جزائرياً، والقضية فلسطينية، والإرادة عربية شعبية فإن ما جري هو خطوة ستتلوها خطوات علي الطريق الصحيح، فالتواصلية كما كتب المفكر اللبناني العربي الكبير منح الصلح هي بنت الوحدوية ولغتها العصرية. *رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن