أكد د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن الاقتصاد يعني التوسط والاعتدال وعدم تجاوز الحد، وأننا معنِيُّون هنا بالاقتصاد في النفقات وصرف الأموال، وأن الاقتصاد فضيلة لا يجب علي المسلم أن يتخلي عنه إلي الطرف الآخر، وهو رذيلة الإسراف، وأورد فضيلته ٌقاعدة عامة تقول: إن الفضيلة دائمًا هي وسط بين رذيلتين، فمثلًا فضيلة الشجاعة، لو زادت يمينًا مثلا ستنقلب إلي تَهوُّر، وإذا نقصت يسارًا انقلبت إلي جُبن، والكرم فضيلة، لو زاد أصبح إسرافا وتبذيرا، وإذا نقص أصبح تقتيرًا، وهكذا الفضائل دائمًا في مركز وسط، إذا زادت تنقلب إلي رذيلة، وإذا نقصت تنقلب أيضًا إلي رذيلة، والاقتصاد نفس الشيء، إذا زاد يُسمَّي إسرافًا، وإذا نقص يُسمَّي تقتيرًا، فالمطلوب من المسلم التوسط والاعتدال بلا إسراف أو تقتير، قال تعالي: 'وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَي عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً' وأضاف الطيب، في بيان صادر عن مشيخة الأزهر، أن التجاوز في الإنفاق هو الإسراف، سواء كان كمًّا أو كيفًا، فمثلًا قد يحتاج الإنسان إلي سيارة، ونتيجة ثقافة معينة أو نتيجة أفكار ما تسود بأنه لابد من أن يكون للابن سيارة وأيضًا للبنت سيارة، هذا إسراف في التملك من ناحية الكم، والإنسان قد تكفيه سيارة من السيارات المتوسطة، ولكن لكي يتظاهر ويتفاخر فإنه يشتري سيارة من النوعية الغالية الثمن، هذا أيضًا إسراف في الإنفاق من ناحية الكيف، فالإسراف ينطبق علي ما يزيد علي حاجتك كمًّا أو كيفًا، ونفس الشيء يقال في الطعام، ويقال في الملابس، وفي السكن. وأكد أن الإنسان في النظرية الإسلامية لا يملك الحرية المطلقة في التصرف فيما يملك من المال، فمَنْ عنده متسع وفائض من المال، فعليه أن ينفقه في الموارد المعقولة التي يتقبلها العقل، وتتقبلها الحضارة، ويتقبلها الواقع، وبالتالي سيتقبلها الإسلام، فالإسلام لا يبيح التصرف في هذا المال بطريقة خاطئة، لأن الحفاظ علي المال من مقاصد الشريعة الإسلامية، فمن مقاصد الشريعة الإسلامية: أن تحفظ المال، ولذلك حرِّم الإسراف وحرَّم الربا، وأن تحفظ النفس، ولذلك حرَّم القتل، وأن تحفظ العقل، ولذلك حرَّم الخمر والمسكرات، وأن تحفظ العِرض ولذلك حرَّم الزنا، وأن تحفظ الدين، فالحفاظ علي المال يساوي الحفاظ علي النفس، ويساوي الحفاظ علي العقل... وإذا كنت لست حرًا في أن تغيب عقلك أو أن تقتل نفسك، فأنت لست حُرًّا أيضًا في إهدار مالك وإنفاقه بإسراف أو تبذير. وأوضح فضيلة شيخ الأزهر، أن التنعم الزائد عن الحد منهيٌ عنه، كما أن الإسراف منهيٌ عنه، وهذا ما أوصي به سيدنا رسول الله – صلي الله عليه وسلم – مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَي الْيَمَنِ، قَالَ له: 'إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ'، فالإنفاق الوسط متاح، أما ما نراه اليوم من إسراف في تملك المباني هنا وهناك والإنفاق ببذخ في بلد فقير وبين شعب فقير لا يمكن أن يتخيله الإسلام، فالإنسان في فلسفة الإسلام، مستخلف علي ماله الذي منحه الله إياه، والمستخلف تصرفه يختلف عن تصرف المالك لهذا المال ملكًا تامًا يجعله حُرًّا في تصرفاته، لأن المال مال الله، وهو وهبه إياه فيتحتم عليه أن ينفقه فيما يرضيه سبحانه، وفيما يعود بالنفع عليه وعلي المجتمع.