شهدت مصر وعلي مر العصور الكثير من عمليات السلب والنهب لأثارها المختلفة سواءا كان ذلك بأيدي الغزاه الذين توافدوا علي مصر أو بأيدي أبنائها، ورغم ذلك فقد تبقي بمصر بقايا من بقايا كنوزها الأثرية المكتشفة والتي لم يتم اكتشافها بعد وبم حباها الله بها وقد شهدت مصر خلال نظام مبارك ونظام مرسي من بعده هجمة شرسة من بعض من أبنائها المحسوبين عليها والذين بدءوا مفاسدهم بسرقة أراضيها وشواطئها ومصانعها وثرواتها وباعوها بأبخس الأثمان، ولما لم يتبقي شيء اتجهوا إلي الآثار وتفننوا في سرقتها والتنقيب عنها ونقلها لجهات خارجية وبيعها كما يباع العرض والشرف وهم بذلك لا يدرون أنهم يبيعون الوطن ببيعهم لكنوزا أثرية لا تقدر بثمن ولا يعرفون أنهم يبيعون مفاتيح الحضارة، مفاتيح مصر وحقب تاريخية متعاقبة مليئة بكل أسرار العالم بل بقصة الحضارة ومهد مصر التي تعتبر أم العالم. لقد ظهرت تلك السرقات بشكل اكبر في وقت كانت تمر فيه مصر بأصعب لحظاتها الحرجة عندما أوقف أبناؤها التاريخ وقاموا بثورة 25 يناير المجيدة من أجل تطهير الفساد وإبطال مشروع التوريث والتخلص من هؤلاء الذين أفسدوا مصر ونهبوها وأخروا نهضتها، وبدلا من أن تكون تلك اللحظة التاريخية فرصة لهؤلاء الخونة للتوبة والندم وتلبية نداء الوطن والحفاظ عليه كانت تلك اللحظة بالنسبة لهم بمثابة الفرصة السانحة لسرقة الكثير من القطع الفنية من مختلف الأماكن الأثرية وخاص من المتاحف المصرية المنتشرة في ربوع الوطن بمصر مستغلين في ذلك ما كانت تمر به مصر من انفلات امني وأحداث سياسية متعاقبة لتحقيق أهداف الثورة، كما أن البعض منهم قام بالتنسيق مع بعض المتورطين من العاملين بالآثار وبخطة مسبقة لسرقة قطع بذاتها وهي القطع الأغلي في العالم لما تمثله من قيمة فنية وحضارية ومادية ويشكل بعضها مفاتيح لقراءة التاريخ، فهل يستحق هؤلاء من منعدمي الشرف والأمانة والغدر والخسة أن تهبهم مصر مصريتهم؟0 إن تلك المأساة تنبع من وجود أناس كهؤلاء في بلد حضاري كمصر بهذا التدني الأخلاقي الذي لا نظير له حتي في بلاد العالم الأشد فقرا وتخلفا ، لقد تساءل شرفاء الوطن في حينه كيف يقوم شعب مصر بثورة وهناك أناس يسرقون آثار بلدهم لبيعها بثمن بخس إلي مجهول يعبث بها ويستغلها استغلال لا نعلمه فياله من عار وأي عار من وجود هؤلاء بيننا، ولم تكن تلك السرقات في مكان بعينه بل شملت معظم الأماكن الأثرية بمصر المأمن منها وغير المأمن من جانب السلطات الأمنية، فعلي سبيل المثال وفي محافظة الشرقية تم سرقة أكثر من 82 قطعة أثرية بها، كما ثبت فقدان الكثير من آثار السجلات عبر سنوات طويلة من مخازن عشوائية ولا ندري حتي الآن من المسئول عن تلك السرقات للآثار بمحافظة الشرقية و بخاصة منطقة تل بسطة المهملة وأيضا منطقة صان الحجر, و التعدي المتكرر علي منطقة رشيد و في الاسماعلية أيضا وكذلك سرقة 176 قطعة أثرية من مخازن الهرم وسقارة وكذلك من المتحف المصري في بدايات الثورة ومن قبلها سرقة لوحة زهرة الخشخاش العالمية النادرة من متحف محمد محمود وغيرها من التعديات علي الكثير من المتاحف والقصور المصرية التاريخية، وكذلك محافظة الفيوم والكثير من محافظات الوجه القبلي والتي شهدت الاعتداء علي مخازن الآثار والمواقع الأثرية. وفي عهد حكم الإخوان وما تلاه من أحداث بعد خلعهم ورئيسهم من الحكم وما شهدته البلاد من اعتداءات و نشر للفوضي والخراب من جانب هذا التنظيم بالبلاد منه ما يتعلق بزيادة الاعتداء علي الأماكن الأثرية منه علي سبيل المثال سرقة متحف ملوي بمحافظة المنيا بصعيد مصر. لقد عاش شعبنا خلال فترة طويلة وهو في خداع من أمره عندما ظن أن مواقعه ومتاحفه الأثرية محمية ومأمن عليها من السرقات ولكن خاب ظنه عندما اكتشف أن تلك الكنوز والنفائس والدرر في أيد غير أمينة وغير مؤمنة وفي مهب الريح، عندما اكتشف بسبب تلك المحنة التعدي المتعمد والإهمال الجسيم لكل مواقعنا الأثرية ، واكتشف شرفاء الوطن أن هناك تعديات علي آلاف الأفدنة حول وفوق المواقع الأثرية وما يمكن أن تحويه تلك المواقع من كنوز كان يمكن تكشف لنا حقب التاريخ والمرتبطة ببعضها بعضا، كما اكتشف أيضا الإهمال الجسيم لكثير من الآثار المكتشفة والتي تم تشوينها بطرق غير علمية أو تلك التي تم نقلها بعيدا عن أماكنها الأصلية ومنها ما دمر وتم تشويهه بسبب تلك الأيادي الجاهلة والغير متخصصة في مهارة وخبرة التعامل العلمي مع تلك النفائس، ومنها ما تم البناء عليه، ومنها ما سرق، ومنها ما تم اكتشافه ولم يتم تدوينه وعرضه والي الآن في كثير من محافظات مصر. إن الغريب في هذا الأمر ورغم وجود شرطة الآثار والعاملين بتلك المواقع من موظفي المجلس الأعلي للآثار كثرة التعديات والسرقات التي يتم فيها استخدام الأسلحة وآلات الكسر وكثير من الحيل ومنها الحفر والتنقيب عن القطع الأثرية في مواقع متعددة ودون رقيب، فلا حماية أمنية واضحة المعالم ولا أبواب الكترونية وآلات حديثة لحماية ومراقبة المواقع الأثرية، إن الأمر في غاية الخطورة ويستوجب علينا الآن وفورا قيامنا بخطة قومية عاجلة للارتقاء والحفاظ علي آثارنا وصيانة المواقع الأثرية وحسن استغلالها وعرضها، ولكي نحقق تلك الخطة يجب أن تتوافر لها أولا مجموعة من العوامل أهمها :- 1- القيام بحملات توعية مكثفة عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتشديد علي دور الأسرة، ودور العبادة التي من شأنها أن توضح فداحة هذا الجرم في حق الوطن، و أيضا تشديد العقوبة علي مرتكبيها، وتعمل أيضا تلك التوعية علي اتخاذ المواطن السلوك الطيب للحفاظ علي الأماكن الأثرية وعدم تعريضها للإهمال وجمهرة الباعة الجائلين من حولها. 2- تكوين كوادر أمنية متخصصة من القوات المسلحة تعمل بالتنسيق مع مجلس نزيه للآثار وأجهزة وكوادر متخصصة من الشرطة مخصصة لحماية وتأمين الآثار فقط، مع توظيف أهل الخبرة والكفاءات من الشباب الواجب إشراكه وبقوة في هذا المشروع والاستفادة من طاقاته لإنجاح هذا المشروع القومي. 3 - تعيين عمال للنظافة يكونوا متخصصين في عمليات التنظيف في كل المواقع الأثرية شريطة أن يتحلوا بالأمانة والإخلاص في عملهم. 4 تكليف بعض الجهات الأمنية والقضائية والفنية من ذوي الكفاءات لاتخاذ الإجراءات القانونية القوية والرادعة للتحقيق في كل تلك السرقات والتعديات وملاحقة المجرمين والمفسدين في الداخل والخارج فورا مع التعجيل بالأحكام وسرعة تنفيذها، والتبليغ محليا ودوليا عن كل القطع المسروقة والمفقودة مصحوبة بكل البيانات المتوفرة عنها والعمل علي استرجاعها وعندها ستقوم الدول وكما نلاحظ الآن من قيامه باسترجاع القطع المسروقة والمبلغ عنها علي غرار القطع التي تم استردادها من ألمانيا وانجلترا ثم استرداد الثماني قطع الأخيرة من الدنمارك مؤخرا. 5- التنسيق مع وزارة الثقافة والدفاع والشرطة والأمن العام والمخابرات لوضع خطة أمنية متطورة للتصدي لسرقة الآثار وتهريبها خارج الحدود المصرية، وسن القوانين الصارمة والرادعة لهذا الجرم تصل إلي سحب الجنسية من فاعله وحرمانه وذويه من حقوقه. 6- إقامة أسوار شائكة وممتدة حول المواقع الأثرية شريطة أن يراعي فيها الشكل الجمالي وحماية المواقع. 7- إنشاء التجهيزات والمعدات التكنولوجية والمراقبة لسد ثغرات الضعف في حماية المواقع الأثرية من جهة، والعمل علي تقوية وتحديث طرق الحماية لحدودنا البرية والبحرية والجوية من جهة أخري 0 8- تدريب متطور لسلاح خفر السواحل علي استخدام أحدث التقنيات وإقامة الدوريات المتعاقبة علي المسافات الحدودية وبخاصة الأماكن الهامة التي يتم التهريب من خلالها، وإنشاء المواقع الثابتة، والدوريات المتحركة وإقامة الأبراج المجهزة بأحدث أجهزة الاتصالات مصحوبة بآليات متحركة لفرض الأمن والسيطرة علي حدودنا. 9- استخدام أجهزة حديثة في كافة الموانئ للقضاء علي كل أشكال التهريب 0 10- توفير جهاز أمني ومدني خاص مزود بأحدث الآليات لحماية السائحين أثناء زياراتهم للمواقع الأثرية وكافة تنقلاتهم داخل مصر. 11- إشراك اليونسكو وبعض الجهات المهتمة بالتراث بالعالم والمؤسسات الثقافية والعلمية لتدعيم هذا المشروع 0 12- عمل اتفاقات أمنية مكملة لتبادل المعلوماتية حول ما يتعلق بالآثار المصرية مع كل دول العالم 0 إن التراث الإنساني ملكا للإنسانية جمعاء ولابد وبعد ثورة 25 يناير وثورة الثلاثين من يوليو وتحت قيادة رئيسها الحالي السيسي أن تستعيد مصر دورها الثقافي والحضاري في العالم ولن يتم ذلك إلا من خلال خطة قومية طموحة من شأنها أن تحافظ علي مقدرات وارث الوطن الحضاري، وما إن يكتب لها النجاح فإنها سترفع من شأن مصر العلمي والثقافي عاليا وستعمل علي زيادة الدخل القومي، وسوف تقلص من البطالة عندما تزدهر السياحة بمصر وتعود لسابق أمجادها، إن هذا المشروع العملاق ما إن تبنته الدولة فانه سيكتب نجاحه باسم شباب ثورة 25 يناير وثورة الثلاثين من يونيو، وعندها سيتربع علي كل مشاريع العالم وسيحظي باحترام الشعوب ومثقفيها من محبي الحضارة والثقافة والفنون.