إلي متى يستمر هذا المسلسل القميء من فقد آثارنا وتاريخنا وحضارتنا، فالآثار المصرية القديمة تعاني منذ بداية العصر الحديث طمع الحاقدين والمغامرين فمنذ قدوم الحملة الفرنسية والتي أيقظت الوعي بالآثار المصرية القديمة مما جعل المغامرين يتهافتون علي مصر لجمع كنوزها الأثرية وإرسالها إلي أوروبا لتملئ متاحفهم الكثيرة، وللأسف كان يتم ذلك بموافقة حكام هذا العصر من العثمانيين وأسرة محمد علي حيث إنهم لم يشعر الكثير منهم بقيمة هذا التراث الحضاري المصري ومن ثم أهملوا في الحفاظ عليه وسمحوا بخروجه من مصر، كما أهدي هؤلاء الحكام آثارنا إلي نظرائهم مثلما أهدي محمد علي مسلة معبد الأقصر إلي فرنسا في مقابل الساعة التي مازالت تزين مسجده المشهور في القلعة. ويذكر التاريخ بمنتهي الحسرة والألم قصة إعجاب الأرشيدوق مكسميليان النمساوي بمجموعة الآثار المصرية التي كانت معروضة في قاعة بالقلعة وحينما عرف والي مصر عباس الأول ذلك فوجئ الضيف بهذا الوالي يصدر أمراً بإهداء هذه المجموعة كاملة إلي هذا الأمير النمساوي لتكون نواة متحف فيينا وهي حاليا من أشهر مجموعات الآثار المصرية، مما يعكس مدي استهانة هؤلاء الحكام بحضارة مصر. ونتيجة لهذا الإهمال خرجت كميات كبيرة من الآثار المختلفة مثل المسلات التي تزين الميادين المختلفة، والتماثيل واللوحات والحلي والتوابيت والفنون المختلفة التي تملئ المتاحف، بل واستولوا علي المومياوات التي كانت تنقل إلي أوروبا وبعض هذه المومياوات كانت تطحن وتستخدم كأدوية، وبعضها كان يستخدم كوقود. وحافظ بعض العلماء علي الآثار المصرية وكان العالم الفرنسي مارييت من أبرز هؤلاء العلماء حيث رفض حصول إمبراطورة فرنسا أوجيني علي مجموعة الآثار المصرية التي أعجبت بها بعد أن طلبتها من الخديوي إسماعيل نفسه وكانت علاقة هذه الامبراطورة بالخديوي إسماعيل قوية، ولقد كرمت مصر هذا العالم بعمل مقبرته في حديقة المتحف المصري بالتحرير لما بذله للمحافظة علي آثار مصر ولدعوته لإنشاء متحف يليق بهذه الحضارة الخالدة. ومازالت الآثار تعاني الإهمال من المصريين فأصبح الكثيرون يحفرون ويتاجرون بما يستخرجونه من تراثهما الحضاري وإرثهم القومي نظير المال في وضع يدعو إلي الرثاء، فكيف يبيع أحدنا حضارته التي نتباهى بها بين الأمم، لقد عانت الآثار الكثير من السرقات والتدمير منذ ثورة يناير أكثر مما كانت تعانيه قبل ذلك نظراً لما تعانيه مصر من انفلات أمني وإهمال المسئولين عن الآثار وأقرب مثال علي ذلك هو ما حدث من سرقة المتحف المصري في ثورة يناير وحتى الآن لا نعرف ما الذي حدث وهل تمت محاكمة المسئولين عن تأمين المتحف أم لا ومن المتورط في هذه السرقة مما يثير الكثير من علامات الاستفهام، وكذلك ما حدث من سرق آثار متحف ملوي الذي ترك بدون تأمين في حين كان المتحف المصري بالتحرير مؤمنا بطريقة كبيرة وكأن الآثار الموجودة في المتاحف الأخرى درجة ثانية، ولماذا لم تتم محاسبة المسئولين عن هذه الكارثة. وازدادت التعديات علي مناطق الآثار في كل ربوع مصر، أتساءل أين شرطة السياحة والآثار؟ وأين المسئولين؟ إنني أدعوا إلي محاسبة المقصرين في الحفاظ علي هذا التراث القومي من الشرطة ومن المسئولين عن إدارة الآثار من الوزير حتى الخفير قبل ضياع تاريخنا وحضارتنا وكفانا شوا إعلاميا ومنظرة. وعلي الجميع أن يدرك أننا مسئولون أمام الأجيال القادمة عن الحفاظ علي هذا التراث القومي وعلي العلماء والمثقفين في هذا الوطن نشر الوعي الأثري والحضاري بقيمة المحافظة علي هذا التراث الحضاري، وعلي المشرعين تغليظ عقوبة سرقة الآثار فهي سرقة وطن ومقدراته. رابط دائم :