شخص غامض جدًا.. هادئ الطبع.. ملتو.. يتحدث ببطء شديد.. لا يجيب عن الأسئلة المطروحة عليه بسهولة.. أحيانًا يتحدث في موضوع ، وهو يجهز نفسه للتفكير في موضوع آخر.. يستطيع أن يناور أي محقق.. عندما تسأله عن اسمه يستغرق وقتًا طويلاً في الرد.. كلمة كلمة.. وحرفا حرفا.. شخصية مدربة علي أسلوب التحقيق.. من النواحي الفنية.. والعلمية.. كان يأخذ وقته كي يفكر قبل أن يرد علي السؤال لمدة 3 أو 4 دقائق، ويجاوب فلا يقول شيئًا وإن قال ففي أشياء أخري بعيدة تمامًا.. هذا هو رأي أجهزة أمن الدولة في 'مصطفي مشهور' الذي ولد في 14 سبتمبر 1921 في قرية السعديين مركز منيا القمح بالشرقية.. وتوفي يوم 29 أكتوبر 2002 عن 81 عامًا، قضي منها 66 عامًا داخل الإخوان، منها 16 سنة داخل السجون، و6 سنوات مرشدًا عامًا للإخوان، خلفًا لأربعة مرشدين هم: حسن البنا، حسن الهضيبي، عمر التلمساني ومحمد حامد أبوالنصر.. فكان مصطفي مشهور المرشد الخامس للإخوان. تقول سيرته الذاتية إنه تعرف علي الإخوان.. وانتسب إليهم عام 1936 وعمره لم يتجاوز الخامسة عشرة.. وتخرج في جامعة القاهرة عام 1942 يحمل بكالوريوس كلية العلوم.. ليشغل وظيفة 'متنبئ جوي' في مصلحة الارصاد الجوية. في مذكراته 'الإخوان.. وأنا' كتب اللواء فؤاد علام أشهر من عمل في جهاز أمن الدولة يقول: 'لعب مصطفي مشهور في كل الأوقات دور الحبل السري الذي ينقل عصارة العنف إلي جسد الإخوان.. ولم يتغير منهجه سواء وهو في العشرين، أو بعد أن تجاوز الثمانين.. لا يؤمن بغير الصدام.. ولا يري بديلاً إلا التسلل إلي الشرطة والقوات المسلحة.. لأن الدولة الاسلامية في رأيه لن تقوم إلا علي أصوات 'فرقعة' القنابل و'طرقعة الرصاص'.. وقد أصبحت هذه الفقرة من كتاب اللواء فؤاد علام بمثابة العلاقة الدالة والاشارة الثابتة: 'مصطفي مشهور' يستخدمها كل من كتب عن الرجل أو تعرض لسيرته.. وكأنها تنكأ جرحًا.. أو تلمس عصبًا عاريًا. والحقيقة الواضحة أن ذكر مصطفي مشهور لم يرد مرة واحدة في مجال الخلافات الفكرية.. والقضايا الفقهية.. وما يتصل بالعقائد.. رغم أن هناك حوالي العشرين مؤلفًا تحمل اسمه.. بينها كتاب في جزءين عن 'فقه الدعوة'.. وإن كان أكثر كتبه يتحدث عن أمور تنظيمية، وخطط عملية.. رؤي خاصة عن القيادة، والجهاد، والقوة، ومقومات رجل العقيدة علي طريق الدعوة.. بل إن أحد كتبه قد حمل اسم 'الاسلام هو الحل' الذي ظل شعارًا للإخوان علي مدي عقدين من الزمان بعد أن توارت كل الشعارات التي أطلقت في زمن حسن البنا المرشد الأول وظلت قائمة وسارية لما يقارب الستين عامًا.. وعلي رأسها 'الله أكبر.. ولله الحمد' ثم 'القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمي أمانينا'.. ويمكن القول إن مصطفي مشهور لم يكن 'مشهورا' خارج جماعة الإخوان، ولم يكن زعيمًا جماهيريًا أو شخصًا لامعًا.. فقد كان هناك نجوم من مختلف الأجيال حول حسن البنا وحسن الهضيبي والتلمساني.. كان هناك من الرعيل الأول: أحمد السكري، البهي الخولي، سيد سابق، محمد الغزالي، صالح عشماوي، عبد الرحمن السندي، صلاح شادي، الباقوري شاعر الإخوان، فريد عبد الخالق، سيد قطب، عبد العزيز كامل.. وكان هناك مصطفي مؤمن الذي عرفه الناس ك 'أول من اعتقل وآخر من أفرج عنه'، وكان هناك سعيد رمضان الخطيب المفوه الذي تزوج ابنة حسن البنا، وكان هناك حسن دوح زعيم الطلبة، ومن حوله أكثر من ثلاثين طالبًا أصبحوا من قادة الجماعة المعروفين.. أما مصطفي مشهور الذي التحق بالإخوان في سن 15 سنة فلم يعرف اسمه ولم يسجل له موقف خلال دراسته الجامعية وحتي بلغ السابعة والعشرين من عمره عندما ظهر اسمه لأول مرة زاعقًا في قضية 'سيارة الجيب' الشهيرة في 15 نوفمبر 1948، والتي بلغ عدد المتهمين فيها 32 من أعضاء الجهاز السري المسلح كان أبرزهم عبد الرحمن السندي ومصطفي مشهور وأحمد عادل كمال ومحمد فرغلي.. وقد حكم علي مصطفي مشهور بالسجن ثلاث سنوات ومعه أربعة آخرون.. وتدرجت الأحكام بعد ذلك علي الآخرين.. ومع ذلك ظل مصطفي مشهور غير 'مشهور' كأنه كان يتعمد التخفي وعدم الظهور.. فلم يُذكر عنه أنه قام خطيبًا في مؤتمر.. أو شارك بالرأي في مناسبة عامة.. أو كتب مقالاً هامًا في صحف الإخوان.. وقد اكتمل نسيانه بعد قضية 'سيارة الجيب' حيث كان يقضي العقوبة حتي قررت ثورة 23 يوليو 1952 الافراج عن سجناء الإخوان وبينهم بالطبع مصطفي مشهور الذي اختفي تمامًا، ولم يظهر اسمه ثانية إلا في قضية محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية 26 أكتوبر 1954 حيث حكم عليه بالسجن عشر سنوات ومعه سيد قطب وكمال السنانيري وآخرون ممن أطلق عليهم 'مجموعة العشرات' في أدبيات الإخوان.. وقد أفرج عنهم أوائل عام 1965، وأعيد اعتقالهم أواخر العام كمتهمين في قضية 'تنظيم 1965' الذي أنشأة وترأسه سيد قطب.. وخلال تداول القضية تفجرت قضية ترسانة أسلحة الإخوان التي اختفت عام 1954.. حيث قام مصطفي مشهور بتوزيعها في مخابئ أعدت لذلك بالاسماعيلية، وبلدة الهضيبي 'قرية عرب جهينة'، ومحافظة الشرقة، والمقطم، وشمال حلوان.. وقد تم ضبط كميات ضخمة من الأسلحة.. ولكن كما تقول تقارير الأمن كانت هناك دائمًا حلقة مفقودة أدت إلي ضياع الأثر الذي يربط بين مصطفي مشهور وتلك الجرائم.. فتعذر تقديمه للمحاكمة.. ولكنه تعرض للاعتقال من جديد عام 1969 علي ذمة قضية أحمد سيف الاسلام ابن الشيخ حسن البنا، عندما أرسل له سعيد رمضان القيادي الإخواني الهارب وزوج شقيقته مبلغًا من المال وخطة لإعادة الاتصال بالإخوان وتنظيمهم وإحياء نشاطهم بواسطة 'مصطفي مشهور'.. وقد توقف كل شيء عقب قرار السادات بالافراج عن قادة الإخوان عام 1971 حيث برز دور مصطفي مشهور لأول مرة كأحد القيادات الكبيرة التي أدارت مكتب الارشاد في فترة شهر العسل بين السادات وعمر التلمساني.. ومازلنا مع أخطر قادة الإخوان.. المرشد الخامس: مصطفي مشهور.