رغم الاستعدادات القوية التي تجريها الدول الراعية لإقامة مؤتمر جنيف '2' المتعلق بالأزمة السورية إلا أن المؤتمر المقرر انعقاده في الفترة ما بين 20: 22 من يناير الجاري تواجهه الكثير من التحديات التي يمكن أن تنعكس سلبا علي نتائجه في حالة انعقاده، فالأممالمتحدة وحتي اللحظة لم تعلن عن أسماء الدول المشاركة رغم أن بان كي مون كان قد أعلن عن وصول الدعوات قبل نهاية العام المنصرم 2013 وهو ما لم يحدث إلي الآن، هذا بالإضافة إلي عدم إعلان الأطراف السورية كافة عن مشاركتها في المؤتمر من عدمه برغم الآمال المعقودة علي جنيف '2'، وبخصوص هذا الصدد فإن المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي قد بذل ولا يزال مجهودا كبيرا لإنجاح انعقاد المؤتمر، وكان قد أعلن خلال مشاوراته الأخيرة عن توجيه الدعوة إلي 26 دولة بالإضافة إلي الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية بالإضافة إلي الأطراف المتنازعة. كما يري الأخضر الإبراهيمي من خلال رؤاه الخاصة لحل الأزمة السورية توافر حضور سبعة أطراف هامة وهي النظام والمعارضة وروسياوأمريكا وفرنسا، والسعودية وإيران، فهذه الدول وكما يري هو ضرورية لفتح آفاق جديدة والتفاهم حول إيجاد أرضية مشتركة تبدأ بوقف نزيف الدم علي الأراضي السورية، وبعدها يمكن أن يتم وضع خريطة طريق بشرط أن يتنازل كل طرف عن شروطه ومصالحه الخاصة لصالح الشعب السوري، كما يري في روسيا شريكا هاما للضغط علي النظام السوري لا يقل أهمية عن الوجود الإيراني الحليف الاستراتيجي لسوريا للمساندة في حل الأزمة، ويري الإبراهيمي الذي تدعمه بلده الجزائر بقوة أهمية أن تدرك السعودية الآن أهمية التهدئة مع إيران كطريق أمثل لتجاوز الملفات الساخنة ومنها الملف السوري، والملف النووي وهو ما يراه إجمالا لحل الأزمة، وعلي أرض الواقع فمازالت تلك الأماني غير محققة لتشنج معظم الأطراف، فالحكومة السورية وعلي رأسها بشار الأسد ترفض مشاركة السعودية باعتبارها دولة مساندة للمعارضة وداعمة للجماعات الإرهابية من أجل إسقاط نظام بشار الأسد، هذا في الوقت الذي ترفض فيه السعودية مشاركة إيران باعتبارها المساندة الأولي لنظام بشار الأسد، كما أن السعودية لا تخفي مخاوفها المتزايدة بعد التقارب الأمريكي الإيراني مؤخرا وتراجع أمريكا في توجيه ضربة عسكرية لسوريا بعد تسليم الأسد لأسلحته الكيميائية وإبداء رغبته في الحوار وإصراره علي إشراك إيران في المؤتمر. وقد شهدت الأزمة السورية تغييرا كبيرا في المواقف الدولية بعد أن شعرت الدبلوماسية الغربية بخطورة ونشاط الجماعات الإرهابية في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط وغيرها من الدول، وبخاصة بعد سيطرة جماعة النصرة وداغش بالاستيلاء علي مخازن الأسلحة التابعة للجيش السوري الحر، ولذلك سعت الدول الداعمة وعلي رأسها أمريكا وبريطانيا للتوقف عن مد المعارضة السورية بالأسلحة وبخاصة في المنطقة الحدودية الواقعة بين سورياوتركيا، وهو ما حذر منه الرئيس الروسي بوتين من قبل وبما تواجهه بلاده الآن من عمليات إرهابية، وقد استغل بشار الأسد هذا التحول لصالحه ونجح في أن يروج بالأدلة ما تتعرض له بلاده والبلاد المجاورة لها من خطورة الجماعات الإرهابية الساعية إلي إقامة مشروعها الإسلامي في المنطقة بعد أن تفوقت علي أطراف المعارضة السورية بما فيها الجيش الحر، وقد أدي ذلك إلي انقسام المواقف الدولية والإقليمية تجاه الأزمة، فالبعض يرفض الحل العسكري لعدم جدواه في الدول المماثلة ويفضل الحل السياسي من خلال التعويل علي المعارضة السورية شريطة أن تغير مواقفها وتعمل لصالح الشعب السوري وإلا فقدت مصداقيتها ومعه فسوف تتوقف تلك الدول عن مساندتها، والبعض الآخر يري استمرار بقاء الأسد لحفظ الأمن والنظام بدلا من استيلاء الجماعات الإرهابية علي الحكم وهو ما تخشاه روسياوأمريكا، ولهذا فان أبو محمد الجولاني أحد قيادات جبهة النصرة قد تدارك التقارب الدولي بخصوص بقاء بشار في السلطة فأعلن عن غضبه وبالتالي إعلانه عدم حضوره إلي جنيف '2' واتهامه للدول الراعية بالخداع والخيانة لصالح النظام السوري، وفي المقابل أقر رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا بقلق المعارضة وتخوفها من التقارب الإيراني وإمكانية أن يؤدي هذا التقارب إلي تقويض دور المعارضة مقابل الإبقاء علي النظام السوري والدليل علي ذلك قطع الدول لمساعدتها العسكرية لفصائل المعارضة، ورغم طمأنة وزير الخارجية الأمريكي للجربا بعدم وجود مستقبل في سوريا للنظام السوري إلا أن المعارضة مستاءة وقلقة لذلك، أما النظام السوري فقد أعلن عن مشاركته في المؤتمر لقائمة من تسعه من الكوادر الدبلوماسية السورية علي رأسها وليد المعلم المعروف بحنكته السياسية، وقد لخص وزير الإعلام السوري الزغبي أطروحات الوفد السوري في المؤتمر ومنها الإعلان عن خطورة الجماعات الإرهابية علي سوريا والعالم، كما أن الوفد لن يتفاوض بشأن المساس بالنظام السوري وثوابته الوطنية بل عن كيفية إعادة الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب وهو نفس الشعار الذي ترفعه الأممالمتحدة للمؤتمر، كما يوضح الزغبي أن المعارضة السورية تعمل لمصالحها ولا تعمل لصالح الشعب السوري، وهي أيضا لا تملك مشروعا سياسياً قويا ولا تملك الشخص القوي لتحقيقه، ولهذا وكما يري لن يذهب الوفد السوري ليسلم السلطة إلي المعارضة أو الجيش الحر أو لجبهة النصرة أو داغش أو لممثلي قطر أو تركيا أو أمريكا وإسرائيل علي حد قوله. وبعد مرور '34' شهرًا من تفاقم تلك الأزمة التي ترخي بسدولها علي الشعب السوري وزيادة لاجئيه ومعاناته في الدول المجاورة فما زالت المعارضة السورية تعمل لمصالحها، هذا في الوقت الذي تنشط فيه الجماعات الإرهابية في المنطقة للاستيلاء علي السلطة وإقامة مشروعها الإسلامي، ثم سعي بشار الأسد الآن ليصور للعالم براءته من جراء تلك الأزمة ويجعل من نفسه مع الشعب السوري ضحية المؤامرات الخارجية ومسئولية المعارضة السورية عن تلك الأحداث، كما أن الدول الإقليمية مختلفة بشأن الأزمة وفقاً لمصالحها مع سوريا، مما يجعل الدول العظمي في حيرة من أمرها ولا تدري الآن إلي من تنحاز وإلي من تساند وبخاصة بعد أن أجبرتها المتغيرات السياسية وقراءة الموقف عن كسب من تراجع حدتها مع بشار الأسد ولربما يشعر البعض الآن من عدم جدوي جنيف '2' لحل الأزمة ولربما أعقبه جنيف آخر، يحدث ذلك والشعب السوري وحده يدفع الثمن غالياً ويعيش أبنائه علي الحدود في ظروف إنسانية صعبة دون أن يرحمه أحد.