بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    بعد تراجع قواته، قائد الجيش الأوكراني يكشف الوضع في الجبهة    قيادي في حماس ينفي الرد على مقترح إسرائيلي خلال المفاوضات بشأن غزة    التهديد الإرهابي العالمي 2024.. داعش يتراجع.. واليمين المتطرف يهدد أمريكا وأوروبا    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي أمام دريمز الغاني    الزمالك: لا عقوبات على مصطفى شلبي.. كان يشعر بالضغط    صحة قنا: 4 حالات مازالوا تحت الملاحظة في حادث تسريب الغاز وحالتهم على ما يُرام    حار نهاراً ومائل للبرودة ليلاً.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم    مصرع 5 أشخاص في انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    أول تعليق من زاهي حواس على حملة الهجوم ضده في الإعلام العبري    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    تحرك عاجل من الخطيب ضد السولية والشحات.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    ميدو: لو أنا مسؤول في الأهلي هعرض عبد المنعم لأخصائي نفسي    بعد حركته البذيئة.. خالد الغندور يطالب بمعاقبة مصطفى شلبي لاعب الزمالك    عمرو أديب: أتمنى أن يحقق الزمالك البطولة ونعيش مرحلة جبر الخواطر    ميدو: سامسون أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    "بلومبرج": الولايات المتحدة تضغط من أجل هدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الإثنين 29 أبريل 2024    "بحبها ومش عاوزه ترجعلي".. مندوب مبيعات يشرع في قتل طليقته بالشيخ زايد    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين وتُحذر: ظاهرة جوية «خطيرة»    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    ملف يلا كورة.. الزمالك يتأهل لنهائي الكونفدرالية.. وطائرة الأهلي تتوّج بالرباعية    فيديو.. سامي مغاوري: أنا اتظلمت.. وجلينا مأخدش حقه    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    هل مشروبات الطاقة تزيد جلطات القلب والمخ؟ أستاذ مخ وأعصاب يجيب    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    فيصل مصطفى يكتب: عجلة التاريخ    معاداة الصهيونية.. انقسام جديد يهدد النواب الأمريكي    مصطفى عمار: الدولة خلال 2024 تضع على عاتقها فكرة التفكير في المستقبل    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    4 مليارات جنيه لاستكمال المرحلة الثانية من مبادرة حياة كريمة لعام 24/25    الاقتصاد الأمريكي يحتاج لعمال.. المهاجرون سيشكلون كل النمو السكاني بحلول 2040    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    على مدار نصف قرن.. سر استمرار الفنان سامي مغاوري في العمل بالفن    ندوة حول تطور أذواق المستهلكين بالمؤتمر الدولي للنشر بأبوظبي    حدث بالفن| وفاة والدة فنان وأزمة بين بسمة وهبة وفنانة شهيرة وإيران تمنع مسلسل مصري من العرض    نجوى كرم تشوق الجمهور لحفلها في دبي يوم 3 مايو    عمرو أديب يكشف تفاصيل إصابته ب جلطة في القلب    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    هل يؤثر تراجع الطلب على الأسماك في سعر الدواجن.. مسئول بالاتحاد العام للدواجن يجيب    مناطق روسية تتعرض لهجمات أوكرانية في مقاطعة كورسك    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    وظائف خالية ب الهيئة العامة للسلع التموينية (المستندات والشروط)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكيك الجيوش الوطنية.. بداية لإنهاء الأمة العربية
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 17 - 12 - 2013

هناك إصرار مريب من الدوائر الامبريالية الصهيونية علي تحطيم الجيوش العربية وإخراجها من المعادلات السياسية والأمنية وتوجيه حقد العصابات الإرهابية علي تلك الجيوش مع رسم معادلة جديدة تصبح فيها عملية القتل والذبح للجنود هي المقدمة الأولي للعمل الوطني وهو جواز السفر الذي يوصل المرتكبين إلي الجنة خاصة أن الفتاوي التكفيرية جاهزة عبر محطات الفتنة الطائفية والمذهبية وإذا كانت بداية الاستهداف قد حصلت في لبنان منذ ست سنوات عندما قام التكفيريون من جند الشام بذبح جنود لبنانيين بالقرب من مخيمّ نهر البارد فإن تلك الحادثة تبعتها حوادث كثيرة في لبنان وفي سوريا وفي مصر وقبل ذلك في العراق والجزائر، والآن انتقلت إلي تونس حيث تم ارتكاب مذبحة ذهب ضحيتها تسعة جنود في كمين نصبته لهم جماعة تكفيرية مسلحة في منطقة جبل الشعانبي المحاذي للجزائر في 30/7/2013 وفي تزامن مشبوه مع اغتيال المعارض التونسي محمد البراهمي.
علي ضوء ما يجري في بعض الدول العربية، بات من الواضح أنه لا جدال في أن استنزاف وإشغال الجيوش العربية المركزية واستهلاكها وإضعافها إلي أكبر حد ممكن هي مسألة مخطط لها من الدوائر الأمريكية والغربية والإسرائيلية، وتشكل في الوقت نفسه هدفاً مرحلياً لهذه الدوائر، ولاسيما منها جيوش ما تسمي دول الطوق.
وهذا الهدف المرحلي يخدم بطبيعة الحال هدفاً إستراتيجياً للدوائر المذكورة يتمثل في تحويل بلدان هذه الجيوش أو دولها إلي دول 'فاشلة'، أو شبه فاشلة من الناحية العملية حتي من دون الاضطرار لتتويجها بهذا اللقب بفضل الفوضي العارمة التي 'ترفل' بها، وحالات عدم الاستقرار التي تعيشها علي المستوي الرسمي والشعبي وانعكاسات ذلك علي الاقتصاد والتنمية فيها.
لقد دارت دواليب المخطط التآمري المتعدد الأطراف والأهداف لتهميش دور العسكرية العربية، وإبعادها عن دورها المركزي والقومي في مقاتلة العدو الصهيوني الغاصب والدخيل، وإشغال بعضها بمهام وأدوار أخري بديلة، وإحالة البعض الآخر إلي التقاعد، حيث تم عزل الجيش المصري خلف أسوار معاهدة كامب ديفيد عام 1978، وإقحام الجيش السوري في معترك الحرب الأهلية اللبنانية بعد تفكك الجيش الطائفي هناك عام 1976، ثم توريط الجيش العراقي في الحرب مع إيران عام 1980 حيث تتابعت فصولها لأكثر من عشرة أعوام انتهت بخروج هذا الجيش من الكويت عام 1991.
وهو العام الذي شهد تقريباً بداية انغماس الجيش الجزائري في حرب أهلية مع جبهة الإنقاذ الإسلامية دامت قرابة عقد من الزمان، فيما انهمك الجيش اليمني في معركة الحفاظ علي وحدة البلاد التي حاول بعض قادة الجنوب العدني تقويضها عام 1994، في حين تعرض الجيشان المغربي والسوداني لحروب استنزاف مزمنة وطويلة المدي علي أيدي رجال البوليساريو وثوار جنوب السودان.
أما الجيش الأردني الذي شارك جزئياً، عبر الجبهة السورية، في حرب تشرين، فقد وجد نفسه عام 1994 أسير معاهدة وادي عربة التي وضعته خارج دائرة الصراع مع العدو، فيما تولي اتفاق أوسلو عام 1993 ليس تحييد غالبية جيش التحرير وفصائل المقاومة الفلسطينية فحسب، بل إخماد انتفاضة الحجارة أيضاً.
لقد صدق 'هنري كيسنجر'، الأب المعاصر للصهيونية يوم قال بعد حرب تشرين التحريرية 1973 بأنه سيجعل المنطقة تغرق في حروب عربية عربية لا يُعرف فيها القاتل من المقتول.. حيث يتم في هذه الحروب العربية المدعومة من حثالات الشعوب وأبالستها وثعابينها من القاعدة، ونصرة وتكفيريين، ووهابيين تحقيق الهدف الاستراتيجي الصهيوأمريكي، وهو استئصال خلايا الأمل من دماغ المواطن العربي وضميره، وذلك عبر القضاء علي ثلاثة جيوش عربية هي الهاجس الأكبر لدي أمريكا وإسرائيل وهي الجيش السوري والعراقي والمصري. وعندها تنام إسرائيل ملء جفونها، ويتحول جنرالاتها إلي صيادي سمك أو منقبين عن آثار سليمان في المنطقة!
لقد كان هدف أمريكا في حربها ضد العراق عام 2003 إسقاط الدولة العراقية، والجارة لسوريا ذات الصلات العشائرية والإنسان الواحد والشخوص الواحدة والحضارة الواحدة، والهدف من ذلك هو تدمير الجيش العراقي الباسل، وهو ما جعل 'كوندليزا رايس' وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة تقول 'لا نعول علي الجيش العراقي أن يقوم بعد الآن بعمل ضد إسرائيل››، وهذا القول ما جعل مشرعي مشروع الشرق الأوسط الكبير يطلقون بنود هذا المشروع علناً أمام العالم، فلم يعد بعد اليوم شيء خاف بعد تدمير العراق، وحرق الدولة الليبية، وتقسيم السودان، والفوضي في مصر، ونهب مياه العرب، في دجلة والفرات والنيل، والخطر الأكبر الذي يهدد الدول العربية اليوم، تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي مؤخراً 'أن هناك ميليشيات مدربة ومسلحة ستحل محل الجيوش العربية مستقبلاً..؟'.
ما قالته الوزيرة الأمريكية ينصب في جوهر المشكلة الحقيقي علي أن إسرائيل هي أول من شارك في وضع بنود مشروع الشرق الأوسط الجديد، إذ بعث 'شمعون بيريز' بثلاث رسائل إلي الصهاينة في البيت الأبيض الذين شاركوا في صياغة هذا المشروع.
أولاهما: التأكيد علي إنهاء تسمية الوجود القومي للأمة العربية وإلغاء دور الجيش العربي، لأن في ذلك تأجيج للوعي القومي ضد إسرائيل.
وثانيتهما: الرجوع إلي تصريحات وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر عام 1977، بخلق فوضي عارمة في الوطن العربي لمدة مائة عام، وهو ما يجري في دول عربية معينة كالعراق وليبيا وتونس والسودان ومصر وغيرها.
ثالثتهما: العمل علي خلخلة وتدمير العسكرية العربية بعدم مشاركة الغرب الأوروبي في تدريب الجنود العرب وفق مراحل التطور لجيوش العالم مع زيادة الدعم اللوجستي للمعارضة في الأقطار العربية والاستفادة من الميليشيات ودعمها بالمال والسلاح، لتحل فيما بعد محل الجيوش العربية مستقبلاً.
وعلي هذا الأساس منذ كان مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي انبثق من رحم ما يسمي بالربيع العربي يهدف إلي إسقاط العسكرية العربية أولاً، وثانياً: عودة الوطن العربي من المحيط إلي الخليج العربي إلي عهود الانتدابات دون مقاومة عربية، وثالثاً: السعي لقيام دويلات الطوائف التي انتهت في المشرق والمغرب وهي تجر أذيالها وجراحها النازفة جراء ضربات الهيمنة العثمانية والإنجليزية والفرنسية.
ويمكن للمراقب ملاحظة أنه في ظل هذه الفوضي يوجد عامل ممانعة إلي حد ما يملك فيما لو تكلم الكلمة الفصل التي تساعد علي ممانعة المشروع وإسقاطه، وتمثل هذا العامل ب'الجيوش الوطنية' لهذه البلدان، والتي باتت اليوم عنواناً للفصل الجديد من فصول أزمة منطقتنا.
وطبعاً هذا العنوان هو الناطق باسم رغبة وضمير الشعب الذي دخل قسم منه في حالة الفوضي، وبالتالي فإن تحول المشهد كتم صوت الشعب الحقيقي في لحظة التفاعل، وهنا كانت مسئولية الجيش.
في وقت مبكر، بدأت دراسة دور الجيش في مراكز تسويق خطة 'الفوضي الخلاقة' التي كان يفترض بها أن تنتهي بتعميم النموذج التركي وإيصال جماعة الإخوان المسلمين لرأس السلطة في الدول العربية.
وهنا يمكن للمراقب تصنيف مواقف الجيوش العربية خلال مراحل تطور الأزمة التي مرت في المنطقة في ثلاثة نماذج، طبعاً باستثناء ليبيا التي شهدت تدخلاً بحرب عسكرية مباشرة من قوات حلف شمال الأطلسي 'الناتو'.
أولاً: النموذج الحيادي: وظهر هذا النموذج في بداية انطلاق 'الموجة'، وبدا واضحاً في تونس ومصر عام 2011، وكانت الجيوش ميالة لحالة من الحياد أمام اندفاعات بشرية بداية المشروع وضبابية المشهد لدي البعض. ولم يتمكن الرئيس التونسي آنذاك 'زين العابدين بن علي' من الصمود مدة طويلة وغادر البلاد بينما أشيع أنه ركب الطائرة ولم يكن يدري أنها ستغادر تونس.
وبدا المشهد أكثر وضوحاً في مصر التي تملك أكبر جيوش المنطقة، ولم يصمد رئيسها 'حسني مبارك' ابن هذا الجيش سوي 18 يوماً من الاحتجاجات، ليخرج بيان التنحي، وما رشح أن موقف رئيس الأركان آنذاك الفريق 'سامي عنان' كان العامل الحاسم والمعبر عن موقف الجيش، إذ أبلغ 'مبارك' بأن الجيش سيكون علي الحياد، وبالتالي كان خيار 'مبارك' الوحيد هو الرحيل.
ثانياً: النموذج المنقسم: وبدا في اليمن التي شهدت خلال فترة أزمتها الطويلة نسبياً بالنسبة لمصر وتونس، انشقاقاً داخلياً في الجيش بعد انشقاق فرقة مدرعة كاملة هي الفرقة الأولي بقيادة اللواء 'علي محسن الأحمر'، وكان ذلك من أهم العوامل التي أجبرت الرئيس اليمني 'علي عبد الله صالح' علي قبول المبادرة الخليجية وتسليم السلطة لنائبه 'عبد ربه منصور هادي'.
ثالثاً: النموذج الممانع: وينطبق علي حالتين الأولي في الجيش العربي السوري منذ انطلاق الأزمة في سوريا وحتي يومنا هذا، والثانية في الجيش المصري منذ 30 يونية الماضي.
والآن، نأتي إلي بعض التفاصيل حول هذا الأمر كشواهد حية علي ما جاء أعلاه:
فالجيش السوري أصبح استنزافه وتدميره وبخاصة سلاح الجوية، هو الهدف الأول للمجموعات المسلحة الممولة والمدربة من الولايات المتحدة وحلفائها وأذنابها من أطلسيين وعرب، وقد كان هذا الاستهداف واضحاً منذ الأيام الأولي لبدء الحراك في سوريا، حيث دارت نقاشات واسعة بين أطراف المعارضة الخارجية في العواصم الغربية والإقليمية حول هذا الأمر، وحول ضرورة طلب التدخل الخارجي العسكري لتدمير هذا الجيش، ثم استبدل هذا المطلب الذي تعذر تنفيذه بسبب الموقف الروسي الصيني بطلب التسليح وفتح الحدود أمام المتطرفين والتكفيريين وعناصر القاعدة، وتوجيهها بعد تدريبها وتسليحها إلي العمل لتحقيق هدفين اثنين أساسيين أولهما: استنزاف الجيش، والثاني تدمير المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية في سوريا.
أما الجيش المصري، فمنذ مطلع عام 2011 تجري علي قدم وساق محاولات لجرجرته للخوض في مستنقع حرب عصابات علي الجماعات الإرهابية المتحصنة في سيناء، التي راحت تشن هجمات يومية 'منظمة' علي منشآت وقواعد القوات المسلحة المصرية منذ الضربة التي تلقاها الإخوان المسلمون بإبعادهم عن السلطة وعزل رئيسهم 'محمد مرسي' عن سدة الحكم من الجماهير المصرية التي عانت الأمرين من قمع وتسلط جماعة الإخوان ومن إحكام قبضتهم علي السلطة، بل احتكارها.
هذا إلي جانب الاتهامات الموجهة إلي الجيش المصري بأنه نفذ انقلاباً غير شرعي علي الرئيس 'مرسي'، علماً بأن مثل هذا الاتهام عار من الصحة، لأن الجيش المصري لم يتدخل في بداية الأمر، بل اضطر إلي درء خطر حرب أهلية كادت تبدأ، مستجيباً لرغبة عشرات الملايين من الشعب المصري خرجت إلي الشوارع والميادين، رافضة لحكم الإخوان المسلمين ومطالبة بإسقاط رموزه بعد أن عاثوا فساداً في مصر طوال عام كامل من حكمهم، وما زالت المحاولات مستمرة من الإخوان المسلحين وأسيادهم لضرب وحدة الجيش المصري وإحداث انشقاقات في صفوفه عبر الدعوات المغرضة لتشكيل الجيش الحر في مصر علي غرار ما جري في سورية، عندما أوجدوا ما يُسمي الجيش الحر الذي تقاتل باسمه عشرات المنظمات والجبهات المستوردة من الخارج وتنظيم القاعدة وغيره.
أما في لبنان، فتجري محاولات مستميتة ومتواصلة لتوريط الجيش اللبناني في التجاذبات المُندلعة بين المكونات السياسية اللبنانية، وما يتخللها من حوادث أمنية تجري في مختلف المناطق اللبنانية بتدبيرٍ خارجي، والزج به في نزاعاتٍ وحروب مناطقية مُتنقلة ومُفتعلة. فأحداث طرابلس التي تجري بين فترة وأخري أكبر دليل علي ذلك.
وما الهدنة السائدة الآن هناك إلا غطاء سياسي مؤقت لصراعٍ ساخنٍ قد ينفجر في أي لحظة، ولاسيما أن عمليات الشحن الطائفي من تيار المستقبل وغيره جارية علي قدم وساق، كذلك جرت محاولات مُماثلة في البقاع وغيرها من المناطق، هدفها كما أشرنا جرّ الجيش اللبناني إلي وحول نزاعات طائفية تُضعفه وتستنزف قدراته وإمكاناته، علماً بأن هذا الجيش ترفَّع دائماً عن الانجرار وراء مثل هذه النزاعات.
أما في اليمن فقد وجد الجيش اليمني نفسه بشكل مفاجئ يخوض غمار حرب ضارية علي عناصر ميليشيات تنظيم القاعدة التي راحت تشن بأسلوب حرب العصابات هجماتٍ منسقةً علي قيادات وقواعد الجيش اليمني وقواه الأمنية، علي غرار حرب العصابات التي يشنها فرع تنظيم القاعدة في مصر علي الجيش المصري.
أما في السودان فهناك الحرب الأهلية التي ما انفك الجيش السوداني يغوص في أوحالها، حتي بعد خضوع السودان للضغوط الأمريكية والأوروبية الهائلة التي مورست عليه وموافقته علي التخلي عن أراضيه الجنوبية لمتمردي جنوب السودان وإقامة دولة مستقلة هناك، رغم ذلك لم يترك السودان يلملم جراحه، بل تستمر محاولات إشغال جيشه في الجنوب نفسه وفي دارفور وغيرهما من المناطق بهدف المزيد من استنزافه وإضعافه.
وهذا يعني أن الاستهداف الممنهج للجيوش في الدول العربية لا علاقة له بالشعارات البراقة لما يسمي الربيع العربي، أو الديمقراطية أو حتي استجابة لظروف أمنية وسياسية طارئة، وإنما هو لإكمال المؤامرة الكبري علي الدول العربية وعلي دول العالم الثالث وإضعاف جهازها المناعي المتمثل بالجيش وبالقوي الأمنية بغية إشاعة الفوضي 'الخلاقة' وتفكيك تلك الدول لإعادة تركيبها من جديد وبما يخدم المصالح الأمريكية الإسرائيلية..
إن ما تواجهه الجيوش العربية في سوريا ولبنان ومصر والعراق والجزائر وتونس، من استهدافات لا تتعلق بظروف محلية طارئة وإنما تنفيذاً لمخططات كبري لا يستفيد منها إلا أمريكا و'إسرائيل' والقوي المرتبطة بهما. وري بنا نحن العرب أن نحافظ علي وجودنا القومي من مؤامرة تريد طمس معالم الهوية العربية، وإذا كان الصهاينة الأمريكان الذين وضعوا تشريعات ومبادئ مشروع الشرق الأوسط الكبير مصرين علي حل الجيوش العربية بين عشية وضحاها، لإنهاء قوة العرب في العالم، فإن ولادة هذه الجيوش ليست كولادة الجيوش الأمريكية التي ما تأسست إلا من خلال عبور اللصوص والقتلة من خلال تلك الأدغال والمستنقعات المائية ليطردوا الهنود الحمر من وطنهم الأصلي، فكوّنوا جيشًا لقيطًا من هؤلاء العابرين والمحتلين الجدد، ومثلهم كمثلْ جيش الكيان الصهيوني اللقيط الذي تأسس من كل سفلة وسفاحي دماء الشعوب في العالم، فالجيوش العربية هي امتداد لشريعة حمورابي وجيش محمد وفتوحات بني أمية، وفيالق الرشيد المتآلفة مجداً وكبرياءً.
فإلي بواسل الجيوش العربية العقائدية البطلة تتوجه اليوم فعاليات المجتمع السياسي الوطني والعروبي بالعالم الحر، بالتحية والتقدير وهي تعلن كما نشهد في وسائل الإعلام والتواصل أننا مقاتلون سياسيون وعسكريون.. ، ولا ضير في العسكرتاريا التي تضفي الطابع العسكري علي أغلب مظاهر الحياة العامة في أغلب بلدان العالم المعاصر حين تهزم السياسات الغاشمة التي تنزع إليها قوي الهيمنة والاحتكار والرجعية والإرهاب. لأن العسكرتاريا أدري بقيمة الحياة، وبمخاطر ويلات الحروب، وبالكوارث الناجمة عن مشهد التغيير السياسي العربي الراهن الذي يخدم مجاناً الأحلام العسكرية وغيرها لإسرائيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.