تشغيل مركز العلاج الطبيعي والتأهيل بجامعة قناة السويس    مدبولي يستعرض استجابات منظومة الشكاوى الحكومية لعدد من الحالات بقطاعات مختلفة    انطلاق اللقاء التنشيطي للمجلس القومي لحقوق الإنسان بالإسكندرية (صور)    محافظ أسيوط يتفقد مبادرة إعادة تدوير رواكد الأخشاب إلى مقاعد دراسية    محافظ الدقهلية يتابع الحالة العامة للميادين والشوارع من خلال الشبكة الوطنية للطوائ..صور    "عجيبة للبترول" تنجح في وضع البئر "Arcadia-28" على الإنتاج    الخارجية الإيرانية: زيارة مرتقبة لوفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران في غضون أسبوعين    العراق: سقوط طائرة مسيّرة مفخخة بمحافظة أربيل دون تسجيل إصابات    مقتل 4 أشخاص جراء أمطار غزيرة وفيضانات في شمال الصين    20 نادي يشارك في القسم الثالث لكرة القدم النسائية في الموسم الجديد    النصر ورونالدو.. بوابة جواو فيليكس نحو كأس العالم    كشف ملابسات حقيقة ادعاء شخص تواطؤ رجال الشرطة مع زوجته بسبب محضر    "في حوار خاص منار غانم تكشف: لماذا ترتفع الحرارة في مصر بهذا الشكل الغير مسبوق؟ ومتى تنكسر الموجة الحارة؟"    جامعة جنوب الوادي تستعد لاستقبال طلاب المرحلة الأولى بمعامل التنسيق الإلكتروني وفقًا للحدود الدنيا    بالصور.. إيهاب توفيق يخطف الأنظار بدويتو "عامل عاملة" مع كنزي تركي فى إفتتاح المهرجان الصيفي للأوبرا    بخصم 25%.. 150 عنوانا ل «القومي للترجمة» في معرض الإسكندرية العاشر للكتاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 28-7-2025 في محافظة قنا    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    حكم استمرار الورثة في دفع ثمن شقة بالتقسيط بعد وفاة صاحبها.. المفتي يوضح    مصر الأولى عالميًا في القضاء على فيروس C.. إنجاز ذهبي تاريخي يشهد به العالم    تمرين ينظم نسبة السكر في الدم لدى مصابي السكري.. احرص عليه    "بطاقة لكل عبوة".. مصدر يكشف موعد تطبيق منظومة "التتبع الدوائي"    الصفاقسي: معلول سيتولى منصبا إداريا في النادي بعد الاعتزال وهذا موقف المثلوثي    البنك الأهلي يبدأ استعداداته الخميس المقبل لمواجهة غزل المحلة فى الدوري    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    نشاط مكثف لتحالف الأحزاب في انتخابات الشيوخ 2025    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاعتداء بمادة حارقة: واقعة قديمة أُعيد نشرها    رئيس الوزراء البريطاني سيحث ترامب على الضغط على إسرائيل لوقف الحرب فى غزة    وكيل الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في غزة مدمرة    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    لبنان يودع عبقرى الموسيقى والسياسة.. جنازة زياد الرحبانى اليوم فى بكفيا    الشرطة الألمانية: انهيار أرضي يُحتمل أن يكون السبب في حادث القطار المميت    رئيس وزراء السودان يصدر قرارا بتعيين 5 وزراء جدد    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة ورأس المال يربح 4,5 مليار جنيه    أمين الفتوى: الصلاة بالبنطلون أو "الفانلة الداخلية" صحيحة بشرط ستر العورة    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    انخفاض أرباح أودي بأكثر من الثلث في النصف الأول من 2025    المصري يستنكر بشدة ما حدث من تجاوزات في مباراة الترجي الودية    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    الصحة العالمية : مصر أول بلد بالعالم يحقق المستوى الذهبي للتخلص من فيروس C    طلاب الأزهر يؤدون امتحانات الدور الثاني في مواد الفرنساوي والجغرافيا والتاريخ    الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025 - 2026 «أيام الدراسة والإجازات»    الأرز والعدس.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الإثنين 28 يوليو 2025    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الإثنين 28-7-2025 بعد ارتفاعه الأخير في 5 بنوك    بالصور.. اصطدام قطار بجرار أثناء عبوره شريط السكة الحديد بالبحيرة    هدي المفتي تكشف علاقتها ب ويجز لأول مرة: "مش مقربين"    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    «اقعد على الدكة احتياطي؟».. رد حاسم من حسين الشحات    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 28 يوليو    «مكنتش بتاعتها».. بسمة بوسيل تفجر مفاجأة بشأن أغنية «مشاعر» ل شيرين عبدالوهاب.. ما القصة؟    السيطرة على حريق بشقة سكنية في البلينا وإصابة 3 بحالات اختناق    الاحتلال يقصف حَيَّيْ التفاح والشجاعية في مدينة غزة    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرطة البديلة
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 09 - 12 - 2013

كانت الأجواء في مصر مشوبة بالتوتر، كان الموقف السياسي يدعو إلي القلق، وباتت البلاد أمام حالة انقسام مجتمعي كبير، لم يكن القضاء فقط هو المستهدف، بل كانت الشرطة أيضًا هدفًا لجماعة الإخوان، خاصة بعد رفض اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية 'السابق' الاستجابة لمطلب الرئيس 'السابق' محمد مرسي بالصدام مع المتظاهرين والقبض علي عناصرهم الرئيسة.
كان أحمد جمال الدين واحدًا من الضباط الأكفاء في الشرطة المصرية، تولي منصب مدير الأمن العام في فترة صعبة وخطيرة، ونجح في مهمته إلي حد كبير، وهو ابن شقيق الراحل عبد الأحد جمال الدين زعيم الأغلبية البرلمانية لنواب الحزب الوطني 'المنحل'.
بعد إقالة حكومة د.كمال الجنزوري وتكليف حكومة هشام قنديل في 24 يوليو 2012، تم اختيار اللواء أحمد جمال الدين وزيرًا للداخلية خلفًا للوزير محمد إبراهيم الذي كان الإخوان يناصبونه العداء بسبب شجاعته وكفاءته وإصراره علي استقلالية وحيادية جهاز الشرطة المصرية بعيدًا عن جماعة الإخوان ومؤسساتها.
جاء الوزير أحمد جمال الدين وأمامه تجارب متعددة، قال إنه سيمضي في استكمال الطريق الذي بدأه اللواء محمد إبراهيم، وقال كلمة نالت استحسانًا واسعًا داخل أوساط الضباط والجنود: 'لقد استوعبت الشرطة الدرس، ولا عداوة بينها وبين أي فرد من أفراد المجتمع، سأكون في ظهر كل ضابط وفرد يعمل، طالما يؤدي عمله بضمير'.
ومنذ اليوم الأول، ترك الوزير مكتبه، انطلق إلي الشوارع وأقسام الشرطة، يتابع علي الطبيعة، ويتخذ القرارات الحاسمة، واجه بؤر الجريمة في المنزلة وغيرها، راح يطارد البلطجية ويحاصر قطَّاع الطرق، ويقبض علي تجار الأسلحة والمهربين، حقق انتصارات كبيرة في مواجهة الجريمة، سقط المئات من الشهداء والمصابين من رجال الشرطة، لكنه كان دومًا يبث فيهم الحماس، ويسابق الزمن لإعادة الأمن والاستقرار إلي البلاد، كان يؤمن بأنه في تحدٍ مع الوقت، لأنه كان يعلم بحقائق الوضع الاقتصادي، ويعرف أن عودة الأمن ستفتح الطريق لإنهاء الأزمة وعودة السياحة والاستثمارات.
لم تكن التطورات التي شهدتها البلاد في صالح خطته، فبعد أحداث السفارة الأمريكية في سبتمبر 2012، التي جاءت علي خلفية صدور كتاب يسيء للرسول الكريم 'صلي الله عليه وسلم'، بدأت حالة الاحتقان تعود من جديد، رفض الوزير إطلاق الرصاص وتكرار السيناريو السابق مجددًا، حاول رجاله المواجهة بقنابل الغاز المسيل للدموع، لم يتمكنوا من الردع مما تسبب في وصول أعداد من المتظاهرين إلي مبني السفارة واعتلاء أسوارها ورفع علم القاعدة علي مبناها.
لقد أثار هذا الحادث ردود فعل سلبية داخل أوساط الإدارة الأمريكية، مما دفع أوباما إلي وصف مصر بأنها 'دولة ليست بصديق وليست بعدو'، إلا أن المهندس خيرت الشاطر مهندس العلاقة مع الأمريكان راح يتهم وزارة الداخلية المصرية ويحمّلها مسئولية وصول المتظاهرين إلي مبني السفارة الأمريكية، وقال إن هذا الأمر لن يمر دون تحقيق!!
كان التصريح صادمًا، يومها تساءل الكثيرون عن الصلاحيات الحقيقية لخيرت الشاطر التي تدفعه إلي إصدار هذا التصريح، غير أن الكثيرين كانوا يعرفون أن خيرت الشاطر هو الآمر الناهي داخل الجماعة.
منذ هذا الوقت جرت محاولات التربص بالوزير أحمد جمال الدين، وتتابعت الأحداث سريعًا، بعد تفاقم الأزمة التي نجمت عن صدور الإعلان الدستوري الرئاسي في 21 نوفمبر 2012، و تصاعد حدة الأحداث والمظاهرات والاحتجاجات.
أدرك الوزير أن البلاد مقبلة علي صدام عنيف، كان قراره منذ البداية: سوف نتحاشي الصدام قدر ما نستطيع. ومع بداية التهديدات بحرق مقرات الإخوان وحزب الحرية والعدالة بالمحافظات، أرسل الوزير وفدًا أمنيًا عاليًا إلي مكتب الإرشاد بمقر المقطم لبحث كيفية حماية المقرات، تم الاتفاق، إلا أن القوات لم تتمكن من التصدي لعمليات الاعتداء علي العديد من المقرات، لم يكن باستطاعة القوات إطلاق الرصاص، غير أنها بذلت الجهود علي قدر المستطاع، وهو نفس ما تكرر مع الهجوم الذي وقع علي مقر حزب الوفد من أنصار الشيخ حازم أبوإسماعيل، بل إن قوات الأمن عجزت عن فضِّ حصار المحكمة الدستورية، وتمكين قضاتها من الدخول إلي ساحة المحكمة، وهو أيضًا أمر تكرر أمام مدينة الإنتاج الإعلامي وفي حصار مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
رغم كل ذلك اعتبر الإخوان أن الشرطة تآمرت علي مقراتها، وأن الوزير طلب من رجاله عدم الصدام مع المهاجمين، والتزام سياسة الحياد.. وتم تجاهل بقية المواقف!!
كان الوزير يقول لرجاله: 'نحن نلتزم بالحياد مع الجميع، لو اصطدمنا مع المهاجمين لمقرات الإخوان سيكون ذلك حلالاً لدي الجماعة نكافأ عليه، ولو حاولنا فض حصار المحكمة الدستورية أو مدينة الإنتاج أو تصدينا للمهاجمين لحزب الوفد، فسيكون ذلك حرامًا يستوجب العقاب، سياستنا هي الحياد مع الجميع'!!
كانت أحداث قصر الاتحادية وما بعدها هي النقطة الفاصلة، لقد ثار الرئيس 'السابق' وثارت الجماعة، بعد قرار وزير الداخلية سحب رجال الشرطة بعيدًا عن المواجهة مع الجمهور الذي زحف ليحاصر قصر الرئاسة احتجاجًا علي الإعلان الدستوري الجديد.. مارس الرئيس 'السابق' كل ضغوطه علي الوزير للتصدي للمظاهرة السلمية، إلا أن الوزير رفض ذلك بكل قوة!!
في هذا الوقت طالب عصام العريان 'نائب رئيس حزب الحرية والعدالة' بتسليح عدد من شباب الإخوان لحماية المقرات، قُدمت طلبات بأسماء أكثر من 700 شخص للحصول علي رخص أسلحة من وزارة الداخلية، إلا أن الوزير رفض مطلب الحصول الجماعي علي تراخيص الأسلحة.
أدرك الوزير أن الأمر يمكن أن يمثل خطورة علي أمن البلاد، فطالب بدراسة الحالات الواحدة تلو الأخري، إلا أن ذلك لم يعجب قيادة الجماعة، بالضبط كما لم يعجبهم رفض الوزير مصطلح 'تطهير' الوزارة من الداخل، وقال لخيرت الشاطر الذي التقاه لعدة ساعات: 'إن إعادة هيكلة الوزارة أمر يخص قيادة الوزارة وليس أحدًا آخر'.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 2012، حرّض د.محمد بديع ضد الداخلية ووزيرها بالقول: 'إننا تركنا المقرات في حماية وزارة الداخلية فتم الاعتداء عليها وحُرقت في وجودها'، وقال: 'طلبنا من وزير الداخلية تبريرًا'!!
أما الأمين العام لجماعة الإخوان د.محمود حسين فقد حمّل هو الآخر وزارة الداخلية مسئولية اقتحام المقر الرئيسي للجماعة بالمقطم وسرقة محتوياته وتحطيمه بالكامل وقال: 'إن الجماعة أبلغت الوزير أنهم سيغادرون المقر، وأن علي الداخلية تحمُّل مسئوليتها في تأمين المقر وحمايته بالكامل'.
كان الأخطر من ذلك أن جماعة الإخوان اتهمت وزارة الداخلية بالاشتراك مع المعارضين في الاعتداء علي المقرات بالمحافظات من خلال تقصيرها في التأمين والتصدي للمتظاهرين الذين اقتحموها وعدم الدفع بقوات أمن مركزي كافية أمام المقر العام وبقية المقرات التي تم الاعتداء عليها.
أما عبد المنعم عبد المقصود 'المستشار القانوني للجماعة' فقد قال: 'كلفنا محامين لإعداد ملفات قانونية وتقديم بلاغات لقسم المقطم ضد وزير الداخلية لاتهامه هو وجهاز الشرطة بالتقصير في حماية المقر وتأمينه من اقتحام المعارضين'.
كان ذلك إنذارًا واضحًا!!
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل كانت الطامة الكبري هي في سيناريو الهجوم علي مقر الوفد، والذي كان قد جري بتحريض مباشر من مكتب الإرشاد!!
عقب هذا الهجوم بفترة وجيزة، كان اللواء كمال الدالي 'مدير مباحث الجيزة، الذي أصبح مديرًا للأمن بعد سقوط مرسي' يطارد المهاجمين، وبجوار مقر الشيخ حازم أبو إسماعيل بالدقي، تمكن من سحب البطاقات الشخصية لأربعة منهم، إلا أن الشيخ حازم وجَّه سبابًا عنيفًا للمشاركين واتهم رجال الشرطة بأنهم 'حثالة ومتربوش'.
وقال في الفيديو الذي تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي: 'أنا اللي ما قلتوش قبل كده، هقوله دلوقت.. أنا لسه قايل لأحمد جمال في مكتبه انت متواطئ وبتاع الأمن الوطني.. ده خاين هو واللي معاه'، وتوعد بإقالة اللواء كمال الدالي من منصب مدير مباحث الجيزة!!
بعد ذلك وجَّه الشيخ حازم الدعوة إلي أنصاره لمحاصرة قسم الدقي في السابعة من مساء اليوم التالي لإجبار وزير الداخلية علي الاستقالة، وعندما أجرت الداخلية اتصالاً بالشيخ حازم، طالبته فيه بالتوقف عن دعوة أنصاره لمحاصرة قسم الدقي خوفًا من وقوع الصدام، قال لمحدثه وهو ضابط أمني كبير: موافق ولكنْ لديّ شرطان:
الأول: هو تسليمي البطاقات الشخصية الأربع التي سحبها اللواء كمال الدالي من بعض أنصاري.
الثاني: أن تُصدر الداخلية بيانًا تعلن فيه أن الشيخ حازم أبو إسماعيل لم يكن مقصودًا من وراء الهجوم علي مكتبه.
وبالفعل صدرت التعليمات من 'الرئيس' السابق مرسي لوزير الداخلية بتسليم الشيخ حازم البطاقات الأربع وصدر بيان من الداخلية صباح الأحد يقول: 'أكد مصدر أمني مسئول بوزارة الداخلية، أنه في إطار جهود الوزارة لملاحقة وضبط القائمين بالاعتداء علي مقر حزب الوفد بمحافظة الجيزة مساء السبت، فقد تم تتبع خطوط سير هروب المعتدين بمنطقة الدقي، وأثناء ذلك اشتبهت مجموعات العمل في بعض الشباب، وأثناء فحصهم تبين أن موقع المشتبه فيهم قريب من مكتب الشيخ حازم أبوإسماعيل، وهو ما أدي إلي تسريب بعض الشائعات حول استهداف شخص الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل أو مكتبه علي خلاف الحقيقة'.
بعد هذا البيان مباشرة، أعلن الشيخ حازم أبو إسماعيل أن الداخلية برَّأته وأنه لم يطلب من أنصاره محاصرة قسم الدقي، وإنما التجمع بالمسجد فقط.. غير أن هذا البيان أصاب العديد من الضباط والجنود بحالة من السخط الشديد.
في السابعة من مساء اليوم ذاته، تجمعت عناصر محدودة من أنصار الشيخ حازم بالقرب من قسم الدقي، وسرعان ما انصرفت، بينما فرضت الداخلية إجراءات أمنية مشددة حول القسم، كما حضر وزير الداخلية أحمد جمال الدين بنفسه إلي القسم لمتابعة الأحداث.
ظل الشيخ حازم علي موقفه وتهديداته، ورفض الاعتذار عن الشتائم الموجهة للوزير ولرجال الشرطة والتي تناولها الفيديو الذي أثار سخطًا عارمًا لدي رجال الشرطة، بينما راح الشيخ حازم يتهم الداخلية بالتواطؤ في حصار الشيخ أحمد المحلاوي 'إمام مسجد القائد إبراهيم'، وهو مضمون البيان نفسه الذي أصدره حزب الحرية والعدالة بالإسكندرية متهمًا فيه قيادات الأمن بالتواطؤ!!
كانت القضية التي أثارت جدلاً داخل أوساط الجماعة، هي تلك المتعلقة بالقبض علي الحارس الشخصي للمهندس خيرت الشاطر بتهمة حيازة سلاح بدون ترخيص وتقديمه للنيابة العامة التي كشفت عن حقائق خطيرة تضمنتها رسائل وصور علي الموبايل الخاص للحارس، فتم حبسه، وجددت المحكمة حبسه، وصدر ضده الحكم بالحبس لمدة عام بعد ذلك.
لقد سعت عناصر نافذة داخل الجماعة للإفراج عن الحارس الخاص بالشاطر، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعًا، فراحت تحمِّل المسئولية لوزير الداخلية، واعتبرت أن الضربة موجهة ضد خيرت الشاطر شخصيًا وبهدف التشهير بالجماعة واتهامها بتدريب عناصرها تحت إشراف حركة حماس في غزة والتورط في تهريب الأسلحة!!
عند هذا الحد، كان القرار قد اتُخذ، إقالة الوزير أصبحت مطلبًا ضروريًا.. غير أن تقريرًا تم تدارسه علي أعلي المستويات عجَّل بإبعاد الوزير فورًا.. كخطوة أولي قد تتلوها خطوات!!
ففي شهر نوفمبر 2012 وقعت حادثة في قسم ثان القاهرة الجديدة، حيث قام عدد من ضباط وجنود بالجيش بمحاصرة قسم ثان القاهرة الجديدة علي خلفية حادث شهده أحد الأكمنة، وقيل إن الكمين تعرض لضابط جيش وتم الاعتداء عليه من قِبل رجال الشرطة.
بعد هذا الحادث، كان هناك حادث آخر بالإسكندرية، عندما ترددت معلومات عن احتجاز أحد أقسام الشرطة ضابطًا من ضباط القوات البحرية، حيث قام عدد من ضباط وجنود القوات البحرية بتفتيش القسم للإفراج عن الضابط.
كان طبيعيًا في ظل هذه الأجواء المتوترة أن يجري وأد الفتنة في مهدها، فدعا الفريق أول عبد الفتاح السيسي 'القائد العام ووزير الدفاع' إلي عقد لقاء بمقر القرية الأوليمبية للدفاع الحربي بالتجمع الخامس يحضره وزير الداخلية وعدد من الضباط من كلا الجانبين.
وبالفعل عُقد اللقاء يوم 22 نوفمبر 2012 وحضره حوالي 1500 من ضباط الجيش والشرطة.
في هذا اللقاء تحدث الفريق السيسي وقال: 'علينا أن نعرف أن ما يُراد بمصر لن يتحقق إلا لو استطاع الأعداء هزيمتنا، نحن الجيش والشرطة'، وقال: 'هناك مخططات لإيذاء الجيش علي حدة، وأخري لإيذاء الشرطة علي حدة، والجيش والشرطة معًا، ولابد أن يكون الحرص علي البلد أكبر منا جميعًا'.
وخاطب الحاضرين بالقول: 'أنتم تحملتم من أجل بلدكم الكثير، ويجب أن ننظر إلي مصر أولاً قبل أي شيء، لأننا لو انكسرنا لن تقوم لمصر قائمة'!!
أما أحمد جمال الدين 'وزير الداخلية' فقد قال هو الآخر: 'لن نسمح بأي محاولات للوقيعة بين الجيش والشرطة، البلد مستهدف، وهناك من يريد إحداث الشقاق بين أهل البيت الواحد، ويعمل جاهدًا علي تحقيق ذلك، إلا أنهم لن يفلحوا في ذلك علي الإطلاق'!!
بعد هذا اللقاء تمت إزالة حالة الاحتقان التي تولدت بين الجانبين بسبب ما جري، غير أن اللقاءات تكررت، فجري عقد لقاء يوم الإثنين 3 ديسمبر لبحث الاستعداد للاستفتاء بحضور الوزيرين، وفي 11 ديسمبر وجَّه وزير الداخلية الدعوة للفريق أول عبد الفتاح السيسي ولعدد من ضباط الجيش والشرطة في النادي العام لضباط الشرطة ردًا علي حفل الاستقبال الذي أقامه وزير الدفاع في وقت سابق.
وقال اللواء أحمد جمال الدين في كلمته: 'إن القوات المسلحة ووزارة الداخلية هما درعا الوطن لصون أمنه والحفاظ علي مقدراته، وإنهما الأمل في العبور بمصر إلي مرحلة الازدهار'.
وقال الفريق أول عبد الفتاح السيسي: 'إن مصر تحتاج إلي الشرطة والقوات المسلحة يدًا واحدة ليضربوا المثل والقدوة للجميع في خدمة الوطن وأمنه واستقراره'.
وفي 18 ديسمبر عُقد لقاء آخر بحضور الوزيرين وعدد كبير من الضباط والجنود في قاعة المؤتمرات الكبري بأكاديمية الشرطة، وتكررت المعاني والمقولات ذاتها.
أثارت هذه اللقاءات المكثفة قلقَ جماعة الإخوان المسلمين ورموزها في الحكم، فلأول مرة منذ زمن طويل يلتقي قادة الجيش والشرطة بعيدًا عن رئيس الجمهورية ويتبادلان الرؤي والمواقف والكلمات التي تؤكد القواسم المشتركة ووحدة الموقف بهذا الشكل.. ولذلك أعدت الجماعة تقريرًا رفعته إلي الرئيس أكدت فيه أن:
1 هذه اللقاءات من شأنها إحداث تكتل موحد بين القوتين الأساسيتين في المجتمع: الجيش والشرطة، وهذا من شأنه أن يُضعف من موقف الرئيس وقدرته علي اتخاذ قرارات حاسمة في بعض المواقف الأساسية.
2 تعدد اللقاءات ثلاثة لقاءات في أقل من شهر واحد قد تجاوز حدود إنهاء الأزمة التي جاءت عقب حادث القاهرة الجديدة إلي تنسيق مشترك بين الجانبين في غياب رئيس الجمهورية، وهو أمر لا يخلو من دلالات.
3 اللقاءات لم تقتصر علي الوزيرين، بل شارك فيها مئات الضباط من الجانبين، بما يخلق قوة ضغط تمتد من قمة الوزارتين إلي الضباط بمختلف مستوياتهم في مواجهة أي أحداث متوقعة.
4 تضمن الخطاب السياسي الصادر عن وزيري الدفاع والداخلية في اللقاءات التي عُقدت، تقديم الجيش والشرطة منهما علي أنهما صمام الأمان في هذا البلد، دون إشارات واضحة إلي دور الرئيس في تحقيق الأهداف التي تم طرحها، وهو أمر يثير الريبة والشك لدي الجماعة ورموزها.. !!
وفي 19 ديسمبر 2012 نشرت صحيفة 'الجريدة' الكويتية نقلاً عن مصدر مقرب يقول: 'إن شكوكًا تزايدت لدي جماعة الإخوان بعد تكرار اللقاءات الثنائية بين وزيرَيْ الدفاع والداخلية، وتزايد التصريحات الصادرة عن المؤسسة العسكرية التي تؤكد ولاء القوات المسلحة للشعب ومطالبه المشروعة'.. وكل ذلك أدي في وقت لاحق إلي إقالة اللواء أحمد جمال الدين من منصبه وزيرًا للداخلية.
توالت المخططات الإخوانية التي استهدفت جهاز الشرطة، بدءوا عمليات تحريض ومحاولات لإثارة الفتنة بين رجال الشرطة أنفسهم، استمروا في بث حملات الكراهية ومحاولة الوقيعة بين الشرطة والجماهير عن طريق دفعها إلي الصدام وترديد الشائعات التي تتحدث عن عودة أساليب القمع والتعذيب.
أطلقوا العديد من التظاهرات التي سعت إلي محاصرة مبني جهاز الأمن الوطني بحجة أن الجهاز عاد إلي ممارسات أمن الدولة في استدعاء عناصر التيار الإسلامي والقبض عليها.. غير أن كل ذلك لم يحقق الغرض منه.
كان الخيار المطروح هو تفكيك الجهاز بدعوي إعادة هيكلته وتعيين وزير مدني للشرطة وعزل القيادات العليا بحجة موالاتها للنظام السابق، إلا أن الأخطر كان هو الدعوة إلي تشكيل ميليشيات إسلامية موازية للجهاز تمهيدًا لإحلالها محله، خاصة بعد أن جري إلحاق العشرات من أبناء القيادات الإخوانية بكلية الشرطة، وكانت الخطة تهدف إلي قبول دفعات جديدة من خريجي الحقوق بأكاديمية الشرطة، علي أن يكون غالبيتهم ممن ينتمون إلي صفوف الجماعة.
ومع بدء إضراب رجال الشرطة وإعلانهم العصيان، تصاعدت الدعوة إلي تشكيل ميليشيات شعبية تتولي القيام بدورهم، خاصة بعد أن أعلنوا العصيان في مواجهة محاولة الأخونة، والدفع بهم إلي الصدام في هذا الوقت.
لقد جاءت الدعوة علي لسان عدد من التنظيمات الإسلامية الحليفة لجماعة الإخوان المسلمين، هم يطالبون والإخوان يعلنون الرفض علي استحياء، وكأن هناك محاولة لانتهاز الفرصة في الإجهاز علي الشرطة.
كانت البداية إعلان قوات الأمن بالمنصورة الإضراب، رفضًا لمنهج الصدام مع المتظاهرين، تجمهروا وأعلنوا مطالبهم الأساسية، وقالوا: لن نعيد إنتاج صورة الماضي الكئيب، والتي تمثلت في الأسباب التي أدت إلي انهيار الشرطة في 28 يناير 2011.
اتسعت رقعة الرفض، عشرات الأقسام تغلق أبوابها بالجنازير، قطاعات الأمن المركزي في الإسماعيلية والقاهرة والجيزة والإسكندرية وغيرها ترفض تأمين المواقع، وتعلن تضامنها مع ضباط وأفراد الشرطة المضربين عن العمل.
النقيب هشام صالح المتحدث باسم ائتلاف ضباط الشرطة أدلي بتصريح أكد فيه 'أن رجال الشرطة لن يقفوا في وجه شعبهم لإرضاء النظام'. أما أحمد مصطفي رئيس ائتلاف أمناء وأفراد الشرطة فقد صرح 'بأن ما يحدث حاليًا من اعتصامات وإضراب عن العمل داخل أقسام الشرطة هو تأكيد أننا لن نكرر خطأ الماضي بالانحياز إلي النظام الحاكم علي حساب الشعب'.
وقال محسن عبد الفتاح المتحدث باسم اتحاد أفراد الشرطة : 'إن ثورتنا ستتواصل لحين إقالة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ووقف الأخونة والكف عن دفعهم لمواجهة المتظاهرين'.
لقد كشف رجال الشرطة مبكرًا حقيقة المخطط وأبعاده، أدركوا أنها محاولة انتقام من الجهاز، وتصفية للحسابات معه، إنها خطة 'شيطانية' بدأت تحقق أهدافها.
في الرابع من ديسمبر 2012، وتحديدًا عندما احتشد قرابة المليون متظاهر، يعلنون رفضهم الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر، تعانق المتظاهرون ورجال الشرطة، حملوهم علي الأكتاف وهتفوا 'الشعب والشرطة إيد واحدة'.
لم تمض سوي أسابيع قليلة، حتي انقلب المشهد رأسًا علي عقب، فبعد إقالة اللواء أحمد جمال الدين وإبعاده من منصبه في 6 يناير 2013، سالت الدماء في الشوارع، سقطت هيبة رجل الشرطة من جديد، علت الهتافات التي تندد، سحل متبادل، سيناريو يتكرر، قنابل وخرطوش، اعتقالات ومطاردات، تعذيب يفضي إلي الموت.
كان طبيعيًا أن ينتفض رجال الشرطة، ويعلنوا رفضهم هذه السياسة الفاشلة، فقد أدركوا أنهم يدفعون ثمن القرارات الجائرة، والتخبط السياسي، ومحاولات الهيمنة والأخونة.
ثار الضباط والأفراد، أعلنوا أنهم لن يسمحوا بأخونة الجهاز، وتحويله إلي أداة لقمع الشعب وتصفية الحسابات.
وكما حدث مع النائب العام المستشار طلعت إبراهيم، فقد رفض رئيس الجمهورية الاستجابة لمطلب رجال الشرطة بإقالة وزير الداخلية الجديد اللواء محمد إبراهيم.
ومع تصاعد الأزمة، لم يكن أمام الضباط والجنود إلا إعلان الإضراب وإغلاق أقسام الشرطة، والانصراف عن الخدمات، بما فيها الخدمات الخاصة بتأمين منزلي رئيس الجمهورية في الشرقية أو التجمع الخامس، وأيضًا تأمين موكبه وتحركاته.
وبدلاً من حل الأزمة والاستماع إلي مطالب رجال الشرطة، راحت جماعة الإخوان المسلمين تطلق عناصرها لتوجه الاتهامات إلي جهاز الشرطة والإساءة إلي موقف رجالها واتهامهم بأنهم يقودون 'الثورة المضادة' ضد النظام.
لقد صرح د.حمدي حسن العضو القيادي بجماعة الإخوان منتقدًا الإضراب بالقول: 'إن الشرطة المضربة عن العمل تنحاز للثورة المضادة والبلطجية في لحظات حساسة ومصيرية'، وقال 'إن هذه فرصة للبتر وإصلاح الاعوجاج، قدمها الفاسدون إلينا علي طبق من ذهب'.
لقد كشف د.حمدي حسن عن مخطط الجماعة التي ناصبت الشرطة العداء، ووجدتها فرصة لتصفية الحسابات معها، والسعي إلي تفكيكها والإجهاز عليها، تمهيدًا لإنشاء 'الشرطة الإخوانية' تحت مسمي 'الشرطة الشعبية' للقيام بمهام الأمن وتصفية الحسابات وقمع المجتمع.
إنه السيناريو ذاته الذي جري تطبيقه مع رجال القضاء، ولكن هذه المرة يطال الجهاز المسئول عن أمن البلاد ومكافحة الجريمة، ويبدو بالفعل أن الجماعة رأت أن الفرصة باتت سانحة ويجب اقتناصها، خاصة أنه كان هناك إصرار شديد علي تضمين هذا المطلب في الدستور الجديد، وكأن هناك سيناريو معدًا سلفًا، لإنشاء هذه اللجان، التي هي ليست سوي ميليشيات هدفها حماية النظام وتأديب المعارضين.
لقد أصدر العديد من التنظيمات والأحزاب والجماعات الإسلامية وثيقة الصلة بجماعة الإخوان المسلمين بيانات متعددة أكدوا فيها استعدادهم فورًا لإنشاء هذه اللجان وتولي مهمة الأمن بديلاً عن الشرطة.
واستبقت الجماعة الإسلامية الجميع عندما أصدرت بيانًا قالت فيه 'إنها تترقب ما يحدث علي الصعيد الأمني من محاولات قوي الثورة المضادة توظيف عناصر موجودة داخل الشرطة من أجل إحداث فراغ أمني بتأليب أمناء وضباط الشرطة ودفعهم إلي الانسحاب من مواقعهم والإضراب عن العمل'.
وقالت الجماعة في بيانها 'إن واجب حماية الشعب من البلطجة الجنائية والسياسية يحتم سرعة تشكيل إدارة عامة لمكافحة البلطجة في وزارة الداخيلة، وفتح باب التطوع للعمل بها من أبناء الشعب في مواجهة البلطجة المخططة من قِبل الثورة المضادة'.
وشددت الجماعة الإسلامية علي ضرورة تشكيل لجان شعبية من المواطنين لحماية الممتلكات العامة والخاصة، ومساندة الضباط الشرفاء في أداء دورهم الوطني لإقرار الأمن ومواجهة خطر الجريمة والبلطجة.
أما الشيخ حازم أبو إسماعيل الذي حاصرت عناصره مدينة الإنتاج الإعلامي في وقت سابق فقد دعا إلي تدشين ما سُمِّي 'بتحالف الأمة الإسلامي' الذي يضم سبعة أحزاب هي: 'الراية والعمل الجديد والأصالة والإصلاح والفضيلة والشعب والحزب الإسلامي'.
وبالفعل اجتمع رؤساء الأحزاب السبعة وأصدروا بيانًا أكدوا فيه أنه تم تشكيل التحالف بغرض حماية مكتسبات ثورة 25 يناير والمسار الدستوري القاضي باختيار الشعب من يحكمه، ومن يمثله، والتصدي بكل حسم لمن يفكر في قطع هذا المسار، وكذلك حراسة المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، ومنع محاولات جرِّ البلاد إلي الفوضي أو وضع الجيش في مواجهة الشعب.
ولم يرفض مستشار الرئيس لشئون المصريين في الخارج أيمن علي هذه الفكرة بشكل صريح وإنما أدلي بتصريح قال فيه 'إنه من المهم عدم الخلط بين موضوع انتشار اللجان الشعبية الذي دعت إليه بعض القوي السياسية وبين عدم قيام الداخلية بمهامها'.
أما جماعة الإخوان المسلمين فبالرغم من إعلانها رفض تشكيل اللجان الشعبية لتقوم بمهام رجال الشرطة، فقد طالبت بتشكيل شركات خاصة للحراسة ومنحها الضبطية القضائية، وهو أمر من شأنه أن يُفضي في النهاية إلي تشكيل ميليشيات خاصة يجري انتقاء عناصرها جيدًا، وتُمنَح المشروعية تحت اسم 'الشركات الخاصة'.
هكذا يبدو أن البلاد باتت في هذا الوقت مقبلة علي تطورات خطيرة، وقد أثار إحلال الجماعات الإسلامية المتشددة محل الشرطة أو مساعدتها مخاوفَ المصريين كما وصفت الواشنطن بوست، وهو أمر كان سيدفع حتمًا إلي الحرب الأهلية، حيث كانت هذه اللجان التي هي في الأصل 'ميليشيات' ستقوم بدور خطير في التفتيش وقطع الطرق ومطاردة السياسيين والصحفيين والإعلاميين والتصدي للمواطنين ومعاقبة غير المحجبات، وكل ذلك من شأنه أن يدفع إلي تشكيل ميليشيات مقابلة، تكون مهمتها مطاردة هذه العناصر في الشوارع وأماكن التمركز، بما يدفع بالبلاد إلي ساحة الفوضي.
لقد جاءت هذه التطورات في وقت تعاني فيه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة وانقسامًا حادًا في الشارع المصري، يهدد بتفجُّر المزيد من أعمال العنف والقلاقل، بما يؤدي تدريجيًا إلي تفكيك مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الأخري.
لقد حذر الكاتب الأمريكي 'ديفيد ايجناستيوس' في مقاله بالواشنطن بوست من أن 'شبح المجاعة بات علي مسافة شهرين أو ثلاثة من مصر حسب تقديرات الإدارة الأمريكية، بعد أن تضاءل رصيد البلاد من النقد الأجنبي لمستوي لا يكفي ل3 أشهر من الواردات، وانخفضت مؤشرات البورصة بمعدلات تدق ناقوس الخطر، في وقت لا يقدم فيه الرئيس المصري شيئًا يذكر لمواجهة التدهور الاقتصادي أو احتواء الاضطرابات السياسية المتزايدة'.
وقال الكاتب الأمريكي 'إن الإدارة الأمريكية وحلفاءها راهنوا منذ عامين علي أن الإخوان إذا تولوا الحكم سيكونون مجبرين علي الارتقاء لمسئوليات الحكم ومنها تحقيق إصلاحات اقتصادية لجذب المستثمرين، ولكن يبدو أنهم خسروا الرهان، فلم ينجح الرئيس مرسي في مواجهة الأزمات، بل حاصرته، ولم يثبت أنه القائد الذي كانت تأمله أمريكا'.
وأضاف الكاتب الأمريكي 'إن جون كيري حث مرسي في لقاء مغلق أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة علي اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة، وألا ينتظر النجدة في اللحظة الأخيرة من واشنطن'.
وقال الكاتب الأمريكي 'إن واشنطن حريصة علي نجاح مرسي، وتخشي أن يكون البديل هو الفوضي أو انقلابًا عسكريًا'.. مشيرًا إلي أن 'الجيش المصري في حالة ترقب وبعض جنرالاته يرغبون في التدخل لكن الإدارة الأمريكية تعارض هذا التدخل، خصوصًا أن حكومة مرسي لم تسبب أي متاعب لإسرائيل وأنه يحتفظ بعلاقات مع تل أبيب أفضل من علاقات تركيا بالإسرائيليين، وهذا أفضل ما قدمه مرسي للأمريكيين'.
هكذا إذن كانت الصورة في هذا الوقت، نصائح أمريكية إلي مرسي لا يستمع إليها، ومخاوف من شبح الفوضي والانقلاب العسكري، غير أن التطورات التي كانت سائدة وإن كانت تقود إلي السيناريوهات المطروحة، إلا أن جماعة الإخوان حاولت استنفار قواها وقوي العناصر الحليفة لخوض معركة اللحظة الأخيرة.
وتتفق 'الإيكونوميست' البريطانية مع طرح الكاتب الأمريكي 'ديفيد ايجناستيوس'، إذ اعتبرت أن تحديات السلطة والانتقادات التي تواجهها جماعة الإخوان تهدد بضياع السلطة منها.
هكذا جاءت الفرصة سانحة للجماعة وحلفائها، خاصة مع تواتر الأنباء التي نَسبت للدكتور محمد البلتاجي قوله 'إنه مكلف بملف إعادة هيكلة جهاز الشرطة'، مما يجعل التطورات الراهنة التي رافقت احتجاجات رجال الشرطة فرصة لتقويض الجهاز والدفع بعناصر جديدة إلي صفوفه، واستغلال الظرف الراهن للبدء في تشكيل الميليشيات الإسلامية ودفعها إلي الشارع، ثم ضمها إلي صفوف وزارة الداخلية أو الإبقاء عليها كجهاز معاون، مع استنساخ تجربة 'الحرس الثوري الإيراني' ومنحه جميع الصلاحيات التي تجعل منه قوة ثالثة تناطح الجيش والشرطة علي السواء.
وأمام حالة الجدل السائدة في الأوساط السياسية والإسلامية حول هذه الإجراءات، أبلغ الجيش موقفه إلي رئيس الجمهورية برفض هذه المطالب، وحذر من أن إنشاء لجان أو ميليشيات من التيارات الإسلامية تنزل إلي الشارع وتقوم بمهام الشرطة وتُمنح الضبطية القضائية، من شأنه أن يدفع البلاد إلي حافة الحرب الأهلية.
وأكد وزير الدفاع أن القوات المسلحة لن تسمح أبدًا بإنشاء ميليشيات تشكل خطرًا علي أمن البلاد وترسخ لدولة الميليشيات علي حساب الجيش والشرطة.
كان طبيعيًا والحال كذلك، أن تراجع الرئاسة موقفها، وأن تُصدر بيانًا تطالب فيه هذه القوي بالتوقف عن تلك الدعاوي التي تثير الفتنة بين أبناء الشعب المصري، باعتبار أن هذه هي واحدة من أخطر قضايا الأمن القومي.. إلا أن الرئاسة التزمت الصمت، مما يعني استمرار المخطط الهادف إلي تفكيك مؤسسات الدولة والإحلال بدلاً منها، كما يحدث في القضاء حاليًا.
كانت المخاوف تكمن في أن تمتد هذه المؤامرة إلي جيش مصر، الذي ظل ولايزال وسيبقي موحدًا، وهي مخاوف مشروعة في ضوء المؤامرة والخطط ومحاولات الاستدراج التي تستهدف مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخري.
كانت كل المؤشرات تقول إن الجيش مستهدف، فالشائعات والادعاءات والأكاذيب التي شنت ضد الجيش وقياداته، كانت مؤشرًا واضحًا علي طبيعة المرحلة المقبلة، حيث كان الجيش يقف عقبة قوية أمام تفتيت الوطن وانهيار مؤسسات الدولة.
لقد راهن البعض من هؤلاء علي أن تفاقم الأوضاع في البلاد، واشتداد الأزمة، واستمرار مسلسل الحرائق والتي كان آخرها حرق النادي العام للشرطة ومقر اتحاد الكرة في هذا الوقت، يمكن أن يدفع إلي خلاف يطال القوات المسلحة وشبابها، ولذلك سعوا إلي دفع الجيش إلي المواجهة مع جماهير القنال.. إلا أن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي فطن إلي المخطط، ورفض أي محاولة للصدام، وصمم علي أن تبقي الشرطة تمارس عملها جنبًا إلي جنب مع وجود الجيش، الذي تولي حماية بعض المنشآت الحيوية.
كانت البلاد تمضي نحو مزيد من الانقسام، كما أن خيار الميليشيات الشعبية بدأ يطلُّ برأسه في العديد من الأزمات السابقة، وكان مرشحًا للعمل بموافقة رسمية، يجري من خلالها البدء في تنفيذ المرحلة الثانية والنهائية من خطة التمكين.. غير أن التحذيرات التي أطلقها الفريق السيسي، والاتصالات التي أجراها مع رئيس الجمهورية، والتهديد بالمواجهة بين الجيش وهذه الميليشيات التي بدأت تستعرض قوتها في أسيوط والعديد من المناطق الأخري، دفعت جماعة الإخوان إلي التوقف مؤقتًا عن الاستمرار في تنفيذ المخطط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.