الثورة المصرية التي بدأت في 25 يناير وصححت مسارها في 30 يونية كانت فرصة لأن يصحح الشعب المصري مفاهيم ثورته وتوحيد وتلاحم إرادته، وكانت فرصة أيضا إلي إحداث مصالحة وطنية حقيقية حدثت بين الشعب و مؤسساته المهمة والقوية وأهمها الجيش والشرطة والقضاء والأزهر مع الكنيسة بمرأي من العالم أجمع عندما احتشدت الملايين في الثلاثين من يونية في ميدان التحرير وميادين وربوع مصر، بل كانت فرصة لأن يفوض الشعب جيشه في القضاء علي الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار إلي مصر ومن بعده مباركة ومبايعة خطة المستقبل التي تم إقرارها، ومع الضغوط الدولية علي مصر بسبب فشل المخطط الدولي تجاه منطقة الشرق الأوسط من خلال قضاء الشعب المصري علي تنظيم الإخوان عندما خلعهم من السلطة عندما اكتشف الشعب أنهم يعملون وفق مخططهم لصالح المخطط الدولي وليس لصالح مصر، مما كان سيعرض مصر إلي سقوطها وتقسيمها علي أيدي جماعات الاستبداد الديني التكفيري، وأدي سقوط الإخوان في مصر إلي هياج أمريكا والدول الغربية التي لم تكن تتصور نهاية الإخوان بهذه السرعة وعلي هذا النحو، بدأت تلك الدول تتكالب علي مصر وتكيل وتدبر لها بمساعدة دول حليفة الفتن والمؤامرات، وتسعي من خلال وفودها إلي التدخل في شئون مصر الداخلية وتروج بإعلامها أن ما حدث بمصر انقلاب وليس ثورة وتظهر الإخوان للعالم علي أنهم ضحايا يدافعون عن الشرعية وليسوا إرهابيين من أجل تدويل الأزمة في الأممالمتحدة ومجلس الأمن ناهيك عن تهديدهم بقطع المساعدات عن مصر وسعيهم إلي إصدار قرارات أممية تتعلق بالحظر الاقتصادي للعمل علي تهديد مصر وإضعافها رغم الظروف التي تمر بها وجاءت ثورة الثلاثين من يونية لتكون فرصة لمعرفة الشعب أعداءه الحقيقيين أعداء الداخل والخارج والأهم من كل ذلك هو عودة الروح والحميمية والأخوة الحقيقية بين دول الخليج ومصر والتي أثبتت من خلال مواقف الدعم من السعودية والإمارات والكويت مثالا يحتذي لباقي الدول العربية لكي تسير في هذا الاتجاه وهي أمنية عربية ومصرية تأخرت كثيرا وغابت عن الكيان العربي، ففي غياب التضامن العربي بسبب نزاعاته واختلافاته تمكنت المخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية تقسيم وانهيار كثير من الدول العربية وكاد أحد مخططاتها ينال من مصر لولا حفظ الله لها ولولا قوة شعبها وجيشها بل لولا تضامن ودعم الدول العربية لمصر ولولا تهديداتهم للدول العظمي بعدم التدخل في شئون مصر لكانت قد تفككت مصر وتقسمت وانهارت علي أيدي الإخوان ونجاح المخطط الصهيوني في المنطقة. لقد جاء الدعم العربي لمصر علي هذا النحو المشرف مكافأة لها علي كرامة وعزة شعبها عندما وقف في وجه الدول العظمي متحديا ورافضا بكبرياء مساعدتها وكانت دول الخليج سباقة في مؤازرة ومناصرة مصر في محنتها لرفع هامتها والحفاظ علي كرامتها ومباركة ثورتها لإعادة الكرامة العربية، فالسعودية أرادت توظيف واستثمار الثورة المصرية بأن تأخذ مصر ومعها الدول العربية بعدا أكبر علي المستوي الدولي وهو ما فعلته المملكة مؤخرا عندما رفضت بكبرياء عضويتها بمجلس الأمن احتجاجا علي الممارسات الأمريكية تجاه القضايا الدولية وتدخل أمريكا في شئون الدول، مما يدل علي تدعيم السعودية ودول الخليج للكرامة العربية الوليدة والعمل علي استرجاع هيبتها وأهمية أن يكون لها صوت مؤثر ومحوري في هذا العالم انطلاقا من الثورات العربية. إن الدعم العربي لمصر جاء قويا واستفادت منه الحكومة الحالية كما لم تستفد به حكومات من قبل وقد يتراجع هذا الدعم بسبب ما يمكن أن ترتكبه الحكومة الحالية من أخطاء أو بسبب أخطاء بعض من وزرائها عندما يقولون ما لا يفعلون أو عندما يتصرفون بشكل أحادي في علاقاتهم الخارجية وبخاصة مع الدول العظمي التي لا تتعاطف مع القضايا العربية لاتباعها سياسة الكيل بمكيالين، وبهذا نكون نحن الذين نبتعد عن التلاحم العربي الذي نحتاجه الآن عندما نبتعد عن التنسيق العربي، وهناك بعض الإرهاصات التي تشير إلي ذلك لأن الحكومة المصرية الآن بقصد أو غير قصد تسير في اتجاه التباعد، وزيارة زياد بهاء الدين مؤخرا إلي أمريكا تثبت ذلك عندما رأينا زيارته تتعلق بطرق أبواب صندوق النقد الدولي من جديد ثم طلبه وإلحاحه للمساعدات الأمريكية مرة أخري، وهو الأمر الذي رفضه الشعب المصري مرارا وتكرارا بل هو ما كانت تفعله حكومة هشام قنديل في العهد الإخواني، ولا ندري لماذا يصر زياد بهاء الدين ورئيس حكومته علي العودة مرة أخري إلي هذا الاتجاه الذي رفضه ويرفضه الشعب وتؤيده دول الخليج التي ثمنت الكرامة المصرية وقدمت ومازالت دعمها المطلوب. نعم.. نحن في مصر الآن نتطلع إلي سياسة خارجية قوية مع سائر الدول، نعم نحن في حاجة إلي شراكات اقتصادية وتجارية وعسكرية مع الدول شريطة أن تقوم تلك العلاقات مع الدول علي سياسة الاحترام المتبادل والندية بما يحفظ كرامتنا ويحقق إرادتنا ولا يتدخل في شئوننا، ولكن زيارة بهاء الدين إلي أمريكا تباعدت عن كل ذلك عندما تجاوزت وتخطت كرامة الشعب وتجاهلت المساندة الخليجية وجاءت زيارة غير مبررة كما أنها تأتي في وقت تواجه فيه أمريكا أزمات حادة ومشكلات مع سائر الدول وبدلا من أن تأتي هي إلينا وجدنا أنفسنا مرة أخري نطرق أبوابها مما يدل علي الهرولة السياسية والتصرفات المشبوهة التي تسيء إلي كرامتنا وكرامة ودعم دول الخليج لنا، لماذا لا نطالب ونحن الآن في موقف القوي بحقوقنا في المجتمع الدولي ونحن مرفوعو الرأس، لماذا لا تقوم علاقتنا مع أمريكا علي الندية وتعامل المثل بالمثل وذلك بعد أن قطعت معونتها العسكرية عنا وأخرت أو ألغت تسليم أسلحة متفق عليها، كما ألغت أيضا المناورات العسكرية معنا، ناهيك عن التدخل في شئوننا لعدم رضاهم عن الأحداث وعلاقاتهم المشبوهة مع الإخوان في مصر، وكل تلك المواقف المتشددة تجاهنا لا يوجد لها ما يبررها وليس لها تفسير واحد غير خوف أمريكا من استرجاع مصر لإرادتها وكرامتها وسعي شعبها بثوراته نحو الديمقراطية وهو ما يعني إحياء مصر من جديد لمشروع القومية العربية ودورها الريادي بما يهدد مصالح أمريكا في المنطقة ويقضي علي مخططها ويهدد أمن إسرائيل ووجودها. إن الحكومة الحالية تعمل في ظروف أفضل من كل الحكومات السابقة لأنها محاطة بالدعم الشعب المصري والعربي، كما أنها محاطة بدعم الجيش ويجب أن تحافظ علي تلك الثقة النابعة أصلا من ثقة وتفويض الشعب للجيش وينبغي أن نراها في تلك المرحلة فاعلة وقوية ونزيهة حتي لا تتهم أو تصنف علي أنها تحتوي علي ما يسمي بالطابور الخامس ويجب عليها أن تحقق مطالب الثورة وتصل من خلالها إلي الطبقات الفقيرة والمهمشة وأن تحقق العدالة الاجتماعية ومنها العدل في الأجور والمعاشات وأن تبتعد في مواقفها وسياساتها الخارجية بما لا يخالف ويتجاوز الدعم العربي والمد الثوري والكرامة المصرية، وألا تحمل علي الشعب وتثقل كاهله بالأعباء وألا تفكر الآن في رفع الدعم عن المتطلبات الضرورية للشعب أو إثقاله بقانون ضريبي متعدد علي غرار ما كانت ستفعله الحكومة السابقة لتطبيق شروط صندوق النقد الدولي وقرضه الضئيل الذي يصرون عليه مما يزيد الاحتقان والغضب الشعبي لدي المصريين ودول الخليج الداعمة وهو ما لا نرجوه أو نتمناه.