تمر في هذه الأيام الذكري الثالثة والأربعين لوفاة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر, ابن مصر البار, الذي مهما قيل إطراءً لصفاته وأخلاقه الإنسانية وتقديراً لدوره الوطني المخلص وتحليلا لمكانته التاريخية الشامخة, فلن نستطيع أن نوفيه حقه بالكلمات مهما كانت بلاغتها, ولن نستطيع أن نحصي مآثره, فقد تخطت آثار إنجازاته حدوده الإقليمية والزمنية, وبات الزعيم بفكره ومبادئه وكفاحه ووطنيته علامة بارزة مضيئة في التاريخ الإنساني كله, وأصبحت ثورته الرائدة, أيقونة لكل الثورات وحركات التحرر في العالم أجمع, ولكن اللافت للنظر بشئ من العتاب لأولي الأمر ووسائل الإعلام, هو عدم إبراز الحجم الحقيقي لدور الزعيم في انتصارات حرب أكتوبر المجيدة التي تهل علينا ذكراها العطرة في هذا الشهر العظيم والتي لم يمهله القدر ليخوضها بنفسه, إلا أن أحداً لم ينكر أنه أعد لها إعداداً مخلصا, سواء من الناحية العسكرية تدريبا وتسليحا وتخطيطا, أو من الناحيتين السياسية والاقتصادية بل ومهد لها بحرب الاستنزاف التي كان لها فضلاً عن نتائجها العسكرية الرائعة, الأثر الفاعل في إحياء القضية وتهيئة المناخ الدولي والإطار السياسي المناسب لقبول التحرك العربي للحرب, استردادا للأرض المغتصبة ودفاعا عن الحقوق المشروعة. إن الظروف التي ولدت فيها ثورة يوليو سنة 1952 والتحديات التي كانت تواجه مصر آنذاك, تشابه بل تكاد تطابق الظروف التي فجرت الثورة الشعبية العظيمة في 30يونيو سنة2013, والتحديات الصعبة التي فرض علي مصر أن تواجهها من أجل كرامتها واستقلالها واستقرارها ومصالحها العليا, وهي في مجملها عناصر أمنها القومي التي تحدد مستقبلها لقرون قادمة, وهنا يمكن أن نعرض للملامح الآتية: كان أول أهداف الثورة المصرية سنة 1952 وأهم أسباب قيامها, هو طرد المستعمر البريطاني ونيل الاستقلال وإعلاء السيادة الوطنية المصرية, مع ما ترتب علي ذلك من تضحيات وتحديات تمثلت في استعداء أعتي وأعظم الامبراطوريات الاستعمارية في ذلك الوقت. وها هو التاريخ يعيد نفسه, ليكون أول أهداف ثورة 30 يونيو وأهم أسبابها, هو إجهاض المخطط الاستعماري الحديث لتدمير وتقسيم الدولة المصرية ضمن المخطط الإقليمي الشامل المسمي بالشرق الأوسط الجديد, وليفرض ذلك علي مصر تحديا كبيرا في مواجهة أعتي قوي الشر والاستعمار في هذا العصر. كان من أهداف الثورة المصرية الأولي – وفقا لواقع الظروف المحيطة – القضاء علي أعوان الاستعمار المتربصين بالوطن والمدافعين عن مصالحهم الشخصية فقط, علي حساب مصلحة الشعب وآماله وإرادته الحرة في اختيار مستقبله. ولذات الظروف ولنفس الاعتبارات كان الهدف الثاني لثورة 30 يونيو, هو القضاء علي نظام حكم جماعة الإخوان, التي لم تقتصر علي مجرد التمكين لمصالحها الشخصية فقط, بل تخطت ذلك إلي حد التعاون مع أعداء الوطن لتمكينه من تنفيذ مخططه الاستعماري, بل والمبادرة إلي التفريط في الأرض المصرية والتنازل عن السيادة الوطنية, تحت مزاعم زائفة, وشعارات جوفاء لا تستند إلي عقل أو منطق أو دين. كان من أهداف الثورة المصرية الأولي, تحرير الإرادة المصرية من كل أشكال ومظاهر السيطرة الأجنبية, وتقنين الهوية المصرية وفقا لطبيعة الشعب وثوابته التاريخية والاجتماعية والثقافية, مع ترسيخ فكرة القومية العربية باعتبارها الإطار الأقرب والأصلح لنشوء كيان قوي يستطيع مجابهة القوي الدولية الأخري, وبما يمكنه من الحفاظ علي استقلاله وتحقيق طموحاته في التقدم والرخاء والازدهار. وبعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمان ومع تشابه الظروف والحالة, يعود ذات الهدف ضمن أهداف ثورة الشعب في 30 يونيو, حيث ضاق ذرعا من الهيمنة الأمريكية الغاشمة طوال ثلاثة عقود ماضية والتي ازدادت فجاجة وسفورا بفترة حكم جماعة الإخوان الموالية, بعد أن اغتصبت الحكم بمؤامرة خبيثة, استطاع الشعب أن يكتشفها, فانطلق بثورته لتحرير إرادته وفرض هويته الصحيحة الأصيلة, ورفض كل أشكال التبعية وأسبابها. كان من أسباب قيام الثورة الأولي, انتشار الفساد وتداعي الحالة السياسية والاقتصادية بالبلاد, وهو ما يتشابه مع ظروف الثورة الثانية التي تبنت أهداف محاربة الفساد واقتلاع جذوره, وتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة حياة ديمقراطية صحيحة تليق بدولة حضارية حديثة. وفي حال كلا الثورتين, فإن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه مصر في طريقها لذلك, كبيرة وخطيرة, وتستوجب من الشعب لمواجهتها كثيرا من الوعي والإدراك ومزيدا من العمل والإنتاج مع وحدة الصف وتلاحم كل فئات المجتمع لنبذ العنف ومحاربة الخارجين عن القانون والعابثين بأمن الوطن وسلامته. أعود إلي ظروف الحالة المصرية التي أحاطت بثورتي يوليو 1952 ويونيو 2013, والتي عرضنا لبعض ملامح التشابه بينهما, فأري أن تشابه ظروف الحالة أوجد تشابها في التحديات التي من أبرزها حتمية مواجهة القوي الأجنبية التي تعارضت أهدافها الاستعمارية مع الأهداف الثورية المصرية, مع ما يمكن أن نضطر إليه من مواجهة عسكرية دفاعا عن السيادة الوطنية, وكذا إعادة تقييم وتوجيه علاقاتنا الدولية بما يحقق مصالحنا القومية واستقلال إرادتنا في ظل التوازنات العالمية الجديدة الجاري رسمها الآن, مع ضرورة تحديث وتكثيف الدور المصري لتوحيد الصف العربي باعتباره الدرع الواقية والحصن الحصين, ثم يأتي التحدي الأكبر في توحيد الداخل المصري علي كلمة سواء, وتحفيز واستنفار وتوجيه كل الجهود والطاقات للعمل والإنتاج والبناء والتنمية وعدم شغل الناس بتوافه الأمور وقشور القضايا. إن هذه التحديات تفرض علي مصر في هذه المرحلة الدقيقة الصعبة, اختيار رئيس لها يتسم بصفات الزعامة بأكثر ما يتصف بسمات رجل الدولة, لأن صفات الزعامة هي التي ستجمع قلوب المصريين جميعا حوله, وهذا الجمع هو القوة الوحيدة القادرة علي مواجهة التحديات الخارجية والداخلية, كا أن ظروف الواقع المصري وتصدع كثير من أركان الدولة, يستلزم في تلك المرحلة الانتقالية, القدرة علي إحكام السيطرة الواعية الحاسمة علي كل مؤسسات الدولة, وهي قدرة أعتقد أنها لن تتأتي إلا لرجل من المؤسسة العسكرية ذات المكانة الأعظم والدور الأهم في الحياة السياسية. إن الوطن في إنتظار ذلك الزعيم الذي يهب نفسه فداء لشعبه, ولا يتراجع حفاظا علي شأنه. حفظ الله مصرنا الغالية, وهدانا جميعا إلي سواء السبيل. لواء بالمعاش