' فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ' هؤلاء القادمون لأداء النسك هم ضيوف الرحمن جاؤوا من كل فج عميق طالبين رحمة الله وعفوه وغفرانه، فكل من أخلّ بأمنهم أو هدد استقرارهم أو أثار الخوف بينهم فالله قادر أن يجعل كيده في نحره عندما أذّن سيدنا إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج إنفاذا لأمر الله سبحانه وتعالي تهافتت الأمم علي البقاع المقدسة لأداء النسك ولإتمام ركنها الخامس من أركان الإسلام، جاؤوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات مهللين مكبرين قاصدين بيت الله العتيق ' بلدة طيبة ورب غفور' طامعين في عفو الله ومغفرته راجين رحمته مشفقين من عذابه. يأتي الحاج من أقصي بقاع الدنيا تلبية للنداء وكله أمل في أن يحظي بحجة هنية وزيارة مرضية للأماكن المقدسة وهو في أمن وطمأنينة متشوقا متلهفاً لرؤية بيت الله العتيق والصلاة في المسجد الحرام الذي تعدل الصلاة فيه مئة ألف صلاة فيما سواه، طامعين في أداء النسك علي أكمل وجه دون مشقة أو تعب، ودون كلل أو ملل محاطين بترحيب كبير من أهل هذه البلاد المباركة وأبنائها البررة الذين يفرحون أيما فرح بقدوم الحاج ويسعدون بخدمته وتقديم كل ما في وسعهم لحسن وفادته وضيافته طلبا للأجر والمثوبة من الله يساند ذلك كله حكومة راشدة تعمل طوال العام بكامل أجهزتها وإمكاناتها ورجالها المخلصين بالاستعداد التام لخدمة هذا الضيف الكريم الذي سوف يحل ببلادهم في أشهر الحج المباركة، ويرحل عنها بعد أداء النسك وهو في غاية السعادة بعد أن منّ الله عليهم بأداء فرائض الحج علي أكمل وجه ليعود لبلاده بذنب مغفور وسعي مشكور، مجبور الخاطر موفور الكرامة متمنيا أن يكرر الرحلة المباركة مرات عديدة للبلد الحرام ومشاعره المقدسة. إن للبيت رباً يحميه وأمن المسجد الحرام والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة أمر مكفول من قبل المولي عز وجل، وهؤلاء القادمون لأداء النسك هم ضيوف الرحمن جاؤوا من كل فج عميق طالبين رحمة الله وعفوه وغفرانه، فكل من أخلّ بأمنهم أو هدد استقرارهم أو أثار الخوف بينهم فالله قادر أن يجعل كيده في نحره، وتدميره في تدبيره، وأن يأخذه أخذ عزيز مقتدر. ولذلك يجب علي كل فرد ان يعمل من أجل راحة الحجيج والحفاظ علي أمنهم وسلامتهم وتكفل لهم - برعاية الله - أن يؤدوا النسك في أمن وأمان دون منغصات أو تجاوزات أو الإخلال بالأمن والاستقرار من قبل كائن من كان. وقد توعد الله سبحانه وتعالي كل من يحاول المساس بأمن البلد الحرام بالعذاب الأليم حيث قال سبحانه وتعالي في محكم التنزيل: ' ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم' وهذا التهديد والوعيد الشديد لكل من تسول له نفسه ' من دول، أو جماعات، أو أفراد' أن يثير الفوضي، أو المظاهرات، أو المسيرات والهتافات، أو العبث بأمن الحجيج فسوف يعجل الله له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ويذيقه من العذاب الأليم، والله قادر أن يزلزل بنيانهم ويعطل أركانهم ويشل حركتهم ويجعلهم عبرة لمن يعتبر. ومن الآداب: حسن استقبالِ حجاج بيت الله الحرام، وعدم إيذائهم، فإنهم وفد الله جل وعلا وضيوفه فعن ' جابر رضي الله عنه ' قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم 'الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم' وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم 'الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم'. وكان رسول الله ينادي إذا نفر المسلمون من عرفات السكينة السكينة فمن أراد أن يتقبل الله حجه فلا يرفث، ولا يصخب، ولا يفسق، ولا يفعل أي شيء من الأشياء التي نهي الله عنها، والمقصود بالرفث: إتيان النساء وما تبعه من القبلة والملامسة، والفسوق: هو عصيان الله تبارك وتعالي والجدال من الفسوق، إلا أن الله فصله عن الفسوق لكثرة ما يقع الناس فيه وفي الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال 'من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه'. ورفع اللافتات الحزبية والمظاهرات وتوزيع الشعارات السياسية في مناسك الحج أنها 'بدعة من بدع الضلالة'، لأنها مدعاة للفرقة والتنازع والجدال، موضحا أن كل ذلك منافٍ لمقصود الوحدة وإخلاص العبادة لله، وفيه استحداث أحوال في العبادة لم يأذن بها الله تعالي. ولقد حرم ذلك ' الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية ' قائلا: أن رفع الشعارات في الحج، أيا كانت، فيه استخفاف بالشعائر الدينية، واستغلال الحج لقضاء مصالح دنيوية، وتلبيس علي الناس، وإلهاء للحجاج عن ذكر الله، وإثارة الضغائن والأحقاد والنزاعات التي تشغل الحاج عن روح العبادة، وإحداث فتنة بما تجر إليه أمثال هذه الشعارات والتظاهرات من فوضي وتراشق وتنازع. واستشهد مفتي مصر بقول الله تعالي: 'الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج'. وقال في فتواه: 'إن السماح بمثل هذه الشعارات والتظاهرات فيه فتح لأبواب الشر والفتنة وذريعة لاحتشاد أهل الفرق والأهواء وأصحاب البدع في مناسك الحج بدعوي نصرة الحق ومحاربة الباطل'. واعتبرت الفتوي أن 'توزيع الشعارات السياسية ورفعها في الحج هو مدعاة للجدال المحرم شرعا في الحج، فقد يعارضها أكثر المسلمين، وإذا وزعت أمثال هذه الشعارات حصل القيل والقال وكثر الحديث والجدال، وقست القلوب، وانتهض الناس لانتقادها والرد عليها، وسعوا في رفع الشعارات المضادة لها، فتصير المناسك محلا للجدال والخلاف والتنازع والترامي بالتهم والخصومات والأحقاد التي لا يرضاها الله تعالي'. فيا ليت كل فرد ان يلتزم الأدب وحسن التعامل مع ضيوف الله في كل موقع من هذه الديار المقدسة ونكون مع الله قلبا وقالبا خدماً مخلصين لله ورسوله ثم للحرمين الشريفين وزوارهما من الحجاج والعمّار والطائفين والقائمين والركع السجود.حفظ الله القائمين علي خدمة الحجيج ورعايتهم والحفاظ علي أمنهم وامانهم وحفظ حجاج بيته الحرام من كل مكروه.