من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضي نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، ليجزي الله الصادقين بصدقهم، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم. أحتفل بسبب هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، بل أفتخر اليوم 6 أكتوبر 2013 ليس بنصر جيشنا في مثل هذا اليوم من عام 73 فقط، ولكنني أفتخر بجيش التحدي، وجيش الصمود، علي مر الأزمنة والعصور. فسنوات الضياع ما بين 67 و73 لم تكن سنوات ضائعة، ولكنها كانت سنوات رائعة، لأنها صنعت رجالا جددًا لقهر العدو الإسرائيلي، فربما هزمت مصر في 67، وأنا أرفض أن أسميها نكسة، لأنها كانت كمينًا دوليًا ضد مصر لهزيمتها، لكن إرادة هذا الشعب المصري العظيم لم ولن تهزم، لأنه من رحم الانكسار يولد الانتصار، فضمد جيش التحدي جراحه في سنوات الضياع، أو بالأحري سنوات الصراع، ولملم جيشنا أبطاله وآلامه، فتحولت آلامه إلي آمال، فحطم الجيش الإسرائيلي في حرب رمضان المجيدة، فلقن الجيش الصهيوني درسا لن ينساه أبد الدهر، لأن الجيش المصري علي مر العصور كان مصنعا للرجال، من الفراعنة، 'أحمس وتحتمس' وحتي الآن، وهم أحفاد وأبناء الزعيمين جمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، أمثال، المشير أبو غزالة، والفريق أول عبد الفتاح السيسي. فتحية إلي جيشنا الذي طالما أثبت عبر تاريخه الطويل أنه لا يعمل إلا لمصلحة مصر، وإن أقوي وأشرف وأروع ما في الجيش هو الضابط والجندي المصري، كما قال عنه الرسول 'ص' أنه خير جنود الأرض. ولم يذكر فقط الجندي المصري في الحديث، ولكن ذكرت مصر بأسرها في ثمانية وعشرين موضعا في القرآن الكريم، منها خمس مرات ذكرت صراحة، والباقي بطريقة غير مباشرة، فما هو صريح في قوله تعالي: 'إذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَي لَن نَّصْبِرَعَلَيَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَي بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْرا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ'. 'وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَلاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَي أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا'. 'فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَي يُوسُفَ آوَي إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ'. 'وَأَوْحَيْنَا إِلَي مُوسَي وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ'. 'وَنَادَي فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُون'. ومنها ما جاء بشكل غير مباشر في قوله تعالي: 'قَالَ اجْعَلْنِي عَلَي خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ'. 'وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ'. 'وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَي الْمَدِينَةِ يَسْعَي قَالَ يَا مُوسَي إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ'. أما ما روي عن رسول الله 'ص' في ذكر مصر، قوله: 'ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لكم منهم صهرا وذمة'. وقوله: 'إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فإن جنود مصر خير أجناد الأرض، لأنهم و أزواجهم في رباط إلي يوم القيامة'. وقال كعب الأحبار رضي الله عنه: 'مصر بلد معافاة من الفتن من أرادها بسوء كبه الله علي وجهه'. وعن أبي بصرة الغفاري أنه قال: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، ألا تري إلي قول يوسف: اجعلني علي خزائن الأرض، ففعل فأغيث بمصر وخزائنها يومئذ كل حاضر وباد من جميع الأرضين. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر مرفوعًا 'إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحمًا'. وقال عمرو ابن العاص: 'مصر أطيب الأرضين ترابًا، وعجمها أكرم العجم أنسابًا' إلي غير ذلك من النصوص الواردة في فضائل مصر أرضًا ورجالًا جندًا وفتيانًا، وهذا الواقع يدل علي صحة قول النبي صلي الله عليه وسلم في حديثه، جنود مصر خير أجناد الأرض. جيش التحدي جيش مصر دائما علي قلب رجل واحد، ولكنه نجح في نصر أكتوبر، وثورة 30 يونيو 2013، وجعل مصر كلها علي قلب رجل واحد من جميع الطوائف والأفكار والاتجاهات، لذلك يجب أن يكون جيش التحدي، بعيدا عن النمطية التي نشاهدها في أفلام السينما المصرية. فالشباب الذين يعيش وطنهم في سنوات الضياع قبل 73، ليس أمامهم سوي النصر جيشا وشعبا، لأن جيش التحدي هو صانع النصر. وللأسف الشديد لم نر حتي الآن فيلما سينمائيا حقيقيا، وعملا كبيرا، وإنتاجا ضخما، يجسد لنا نصرا حقيقيا لأكتوبر، بعيدا عن قصص هذه الأفلام التقليدية، وغياب الأبطال الحقيقيين من جيش التحدي. فأنا لا أذكر إلا فيلم 'الرصاصة لاتزال في جيبي' عن قصة لجندي مجند اسمه محمد، الذي شارك في حرب 67، وقابله المواطنون بسخرية شديدة وهو يركب القطار عائدا إلي قريته، وفي نفس القطار ولكن في عام 73 أي بعد النصر، يستقبله المصريون بفرحة كبيرة، وبهجة شديدة، وابتسامة عريضة. وكانت له مشكلة خاصة تتمثل في عدوه الداخلي، هذا الاقطاعي الظالم عباس الذي اغتصب حبيبته، وهو يحتفظ برصاصة من حرب النصر، كي يكمل انتصار الوطن ويزيل عنه وحل الهزيمة. ومن هنا أوجه نداء خاصا وملحا للمخرجين، والسينمائيين، والممثلين، والمنتجين، بالتعاون، والتكاتف، والتوحد، لتقديم عمل كبير، وإنتاج ثمين، يتحدث عنه العالم أجمع، كي يتوج هذا النصر الكريم، في ثوب جديد، يخرج لنا من منظار سديد، وتتويج أسماء أبطال، استشهدوا وأصيبوا، وأبطال، تم تهميشهم وتجاهلهم، وهم يستحقون الأوسمة والتكريم والنياشين. لأن جيش مصر، هو جيش التحدي العظيم، الذي قدم تغييرات جذرية في الاستراتيجيات الرئيسية العسكرية العالمية, والذي ينتظر العمل السينمائي اللائق، والأفلام العملاقة التي تتناسب مع جيش عريق في الإنتاج والإخراج والتكنولوجيا الحديثة، حتي ينقل ما تحقق من إعجاز عسكري واستراتيجي إلي الدنيا بأسرها. فيرسم هذا الفيلم الذي طالما حلمت به خريطة أسطورية لجيش أسطوري بتقنية عالية في يوم السادس من أكتوبر العاشر من رمضان، ليكون هذا الفيلم بمثابة شكر لهؤلاء الذين صمدوا وضحوا بأرواحهم في سبيل عزة هذا الوطن وكرامته، فيبرز هذا الفيلم الحيل، والآلاعيب، التي استخدمها جيش التحدي ومخابراته الحربية، ومخابراته العامة، حيث أثبتوا ببراعتهم، وفراستهم، وذكائهم، ودهائهم، علي عدم نية مصر لخوض المعركة القتالية من أجل شرفنا وأرضنا وعرضنا، واسترداد سيناء المغتصبة، فأصدر البطل السادات مرسوما بعدد من الضباط والقادة للخروج في عمرة رمضان، كخطة خداعية. فكان عاشقا لأسلوب المداهمة، متفننا في وضع الخطط المداعبة للعدو، حيث دُرسّت تلك الخطة في أكبر المعاهد والجامعات العسكرية في العالم. وكذلك أعطي الزعيم البطل محمد أنور السادات أوامره بوضع هياكل للصواريخ ليست في وضع استعداد الضرب، فإذا فطنت لها إسرائيل ظنوا أننا غير جاهزين للحرب، كما قام بإعطاء الأوامر لعدد من الجنود بالذهاب إلي القناة في شكل يدل علي أنهم ذهبوا للاستجمام، بملابسهم الداخلية، مستمتعين بروعة المنظر، ولكنها في الحقيقة كانت كآبة المنظر، لتتحول هذه الكآبة إلي نصر مؤزر. عميد النادي الدبلوماسي الدولي