منذ عام 1979 وقيام الثورة الإسلامية بإيران ظلت علاقاتها متوترة مع أمريكا والغرب ثم تصاعدت حدة الأزمة وتوترت منذ نشوب أزمة الملف النووي الإيراني الذي تداعت فصوله لأكثر من عشر سنوات مضت تعرضت فيه إيران بسبب تشبث زعمائها السابقين بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، وهو ما رفضه وشكك الغرب بمباركة أمريكية، فتعرضت علي إثره إيران لضغوط دولية ومنها الحظر الاقتصادي الذي انعكس سلبا علي الاقتصاد الإيراني وعزلها عن المجتمع الدولي، وجاءت الدورة 68 لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحمل البشري للمجتمع الإيراني بعد قيام رئيسها ' حسن روحاني ' بلقاء تاريخي علي هامش انعقاد الجمعية الأممية مع الرئيس الفرنسي هولاند، ثم لقاء وزير الخارجية محمد جهاد ظريف مع نظيره الأمريكي جون كيري وهو لقاء كان تمهيدي أبدي فيه الوزير الإيراني ليونة تجاه الملف النووي، مما مهد للاتصال الهاتفي بين الرئيس روحاني والرئيس الأمريكي أوباما ويمكن أن يتطور إلي لقاء تاريخي مترقب بينهما ولكن بعد أن يضمن الكونجرس الأمريكي تقديم الرئيس الإيراني الضمانات الكافية لمصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط ومن أهمها الموقف الإيراني من إسرائيل بألا تصل عصاها إليها، وضمان عدم توغل إيران في دول الخليج التي تعتبرها قدس أقداس المصالح الأمريكية. بدأت بوادر حنين إيران لعودة علاقاتها بشكل طبيعي مع أمريكا بعد وصول حسن روحاني إلي الحكم، ويعتبره الأمريكيون أكثر ليونة ودبلوماسية من سابقه، كما يثمنون مواقفه المشددة من الإسلاميين بإيران وحصوله علي بعض الصلاحيات والتنازلات من جانب المرشد خامئني ومرد ذلك يرجع إلي تغيرات طرأت في المفاهيم الإيرانية ومنها أنه وقبل ثورات الربيع العربي كان الإيرانيون يشعرون وحدهم بأن الثورة حكرا عليهم بالمنطقة، ولكن مؤخرا عندما استطاعت شعوب دول الربيع العربي إزاحة الكثير من حكامها عن كاحلها عبر ثورات مازالت ساخنة ومتواصلة، يشعر المرشد بالخوف علي مستقبله ومستقبل الإسلاميين بإيران فبادر بمواقف أقل تشددا من ذي قبل وأعطي مساحة وصلاحيات للرئيس روحاني ليتمكن من تلبية مطالب شعبية طال انتظارها وهو الانفتاح الاقتصادي علي كل دول العالم وتخليص إيران من هذا الحظر الذي طال أمده ولم يثبت جدواه وكان سببا في تأخير المجتمع الإيراني علي كافة الأصعدة. وبالفعل فقد فاجأتنا إيران بعهدها الجديد...وقدرتها علي حل أزمة الأسلحة الكيميائية في سوريا وتأييدها للموقف الروسي والصيني الذي فرض الحل السلمي كبديلا عن الحل العسكري الذي كانت تؤيده أمريكا ومن ورائها الغرب، ثم إبدائها ليونة في مواقفها من ملفها النووي ومحاولة أن يصل صوتها من جديد للعالم، وأهم مواقفها الغير متوقعة هو اعتراف الرئيس روحاني وإقراره مؤخرا بالمحرقة اليهودية وإدانته الصريحة لمرتكبوها وهو ما ثمنته أمريكا وإسرائيل غاليا، ولهذا لم يكن غريب علينا مبادرة الاتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني وما يحمله الاتصال من دلالات كبيرة تجاه مستقبل العلاقات والمصالح المشتركة التي يمكن أن تتم بين البلدين، إن موقف جاء صادم لنا بعد أن أوهمتنا عبر سنوات طويلة وعبر حكامها بتشددها وتصريحاتها العدائية لإسرائيل مما جعلنا نثمن ذلك غاليا في حينه لأنه كان يصب في صالح الشعب الفلسطيني والقدس الشريف وصالح القضايا العربية، ولكن جاءت تلك اللحظة التاريخية بعد عقود لتثبت لنا أن مواقف الدول يمكن أن تتغير أو تتبدل وفق مصالح معينة، وكما أنها قد تصيبنا بالحزن والأسي لأنها مواقف أحيانا ما تأتي علي حساب القيم والمثل بظلمها لحقوق الآخرين ومتاجرتها بقضايا الدول، يحدث ذلك دوما في عالم الكبار وعالم السياسة الذي أثبت أننا مازلنا بعيدين عن فهمه وبعيدين عن أن نتعلم منه ونستوعب دروسا من مواقفه المتتابعة فها هي إيران الآن وعبر رئيسها الجديد روحاني تهنأ الجاليات اليهودية بالعالم بأعيادها، وها هي الآن بعد معارضتها لمصر في اتفاق السلام مع إسرائيل وسعادتها بقتل الزعيم السادات تهرول مثل تركيا للانفتاح علي إسرائيل بمباركة أمريكية وها هي الآن تعترف بالمحرقة ونست فلسطين والقدس وغيرها من القضايا العربية مقابل أن تتخلص من قيود الحظر الاقتصادي الذي أثقل كاحل الشعب الإيراني كله، إنها قيود كثيرة وعزلة دولية سببتها أمريكا يسعي روحاني بعد تلك السنوات العجاف إلي حلها ليتحقق في عهده الازدهار الاقتصادي لإيران وإرجاعها إلي الركب العالمي حتي لو جاء ذلك علي حساب القيم أو علي حساب تنازلاته في حقه في امتلاك الطاقة النووية وهو ما تأكدت منه أمريكا الآن وأدي لترحيبها بعودة العلاقات بين البلدين وبأكثر من أي وقت مضي، لما لا والأزمات الدولية تعصف بالعالم وتشعر أمريكا تجاهها بالضعف وعجز تقديم الحلول الملائمة بعد الحروب التي أنفلت كاهلها، كما أن الرئيس الحالي أوباما من أضعف الرؤساء الحاليين علي الساحة الدولية وذلك بعد في إعطاء الحل الأمثل لأزمة الأسلحة السورية وعدم قدرته علي حل القضية الفلسطينية عبر دورتين رئاسيتين له، وأمام هذا الضعف كانت هناك فرصة تاريخية أمام القطب الروسي الصيني بمباركة إيرانية لحل أزمة الأسلحة الكيميائية في سوريا وفرضهم الحل الدبلوماسي كخيار أمثل علي خيار التدخل العسكري الأمريكي الذي عجز عن توجيه ضربته العسكرية كما كان متوقعا ، ناهيك عن صعود الدور الأوروبي بعد الدور الذي لعبته فرنسا في الأزمة السورية ومقابلة الرئيس هولاند للرئيس روحاني علي هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة القضايا العالقة وأهمها الملف النووي الإيراني مما جعل أوروبا تشكل اختراقا نوعيا علي مستوي السياسة الخارجية عبر الدور الفرنسي ولأجل هذا يسعي الكونجرس الآن للتفكير في عودة العلاقات الأمريكيةالإيرانية سريعا لتظل أمريكا دولة قوية وعظمي بين القادمين والجدد، وفي الوقت الذي مازالت تصر فيه إسرائيل علي جر أمريكا إلي القيام بضربة استباقية علي إيران للتخلص من خطرها النووي وإمكانية تصنيعها لقنبلة، والدليل هو هرولة نتنياهو وزياراته لأمريكا من أجل تأهيب الكونجرس علي إيران ومحاولته تدبير الكثير من التهم إليها، كما أنه في زيارته تلك نقل للرئيس أوباما هلع الحكومة الإسرائيلية بسبب هذا التقارب الإيراني الأمريكي، وبسبب الهلع والهستريا التي أصابته دعا من علي منبر الأممالمتحدة دعم المجتمع الدولي وأمريكا له لتفكيك برنامج إيران النووي ومشددا علي استخدام أقصي أنواع العقوبات والأكثر من ذلك أنه نوه عن قيام إسرائيل وحدها بتوجيه ضربة عسكرية لردعها عن صناعة القنبلة برغم طمأنة الجيش الأمريكي له، في حين أن إيران قد حققت في الفترة الأخيرة طفرة في إنتاجها للكثير من الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ وغيرها من الأسلحة الغير تقليدية، وبعد تفوقها في مجال تخصيب اليورانيوم لا تسعي لامتلاك القنبلة النووية ولكنها تسعي لأن تتقدم في الصناعات الفضائية وهو مستقبل مصالحهم الاقتصادية والصناعية بالعالم ولن يسمحوا لإيران بذلك.