أوباما وبوتين ومصالح مشتركة فى سوريا بعد سنوات من الخلافات المستمرة، اتفق الغريمان الأمريكي والروسي حول قضية معقدة هي قضية الأسلحة الكيماوية التي يعتقد أن الرئيس السوري بشار الأسد قد استخدمها ضد المعارضة في إحدي ضواحي دمشق. والأغرب والأعجب أن هناك شبه توافق وتقارب يتم بين الولاياتالمتحدةوإيران حالياً حجر أساسه هو القضية السورية التي يبدو أنها القضية التي تلتقي حولها مصالح دول اعتقد البعض أنها من المستحيل أن تتفق علي شيء. انتشرت أنباء عن تبادل الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني رسائل ودية مع نظيره الأمريكي باراك أوباما قد تتكلل بلقاء تاريخي قد يجمعهما في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو إن حدث هذا فإنه سيعد اللقاء الأول علي هذا المستوي بعد اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية منذ 35عاماً. علمتنا السياسة دائماً أنها لعبة اللامعقول، لعبة المفاجآت غير المتوقعة، لكنها أيضاً علمتنا أنها غادرة وماكرة ولايمكن التنبؤ بصورة أكيدة بما سيحدث في الغد. فدائماً ماتكون الأمنيات والتوقعات كبيرة عندما يلتقي زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي النهاية لا يحدث أي تغيير. لكن المؤشرات ربما تلمح إلي وجود تحول في السياسات العالمية هذه المرة. القصة تعود خلفيتها إلي مجلس الأمن الدولي الذي فشل في الوصول لاتفاق قوي بشكل كاف لضمان تخلي الرئيس الأسد عن أسلحته الكيماوية بشكل كامل. فالمجلس الذي يضم في عضويته خمس دول لها حق الفيتو هي أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا والصين عبر عن عجزه للوصول إلي اتفاق نتيجة تصميم موسكو علي ألا يتضمن أي قرار أي عقوبة تمس بشار الأسد بعد الهجوم الكيماوي الذي وقع. وبينما تحمل واشنطن المسئولية عن الهجوم لبشار الأسد، فإن روسيا تؤكد أنه لا يوجد دليل كاف علي هذه الادعاءات وأن الهجوم قد يكون قد تم بواسطة الجيش السوري الحر. باراك أوباما الذي حذر مسبقاً من أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية يعد خرقاً لخط أحمر لا يمكن تجاوزه، وكان بالفعل علي وشك توجيه ضربة عسكرية لدمشق لكنه تراجع في لحظة ما وطالب الكونجرس أولاً بدعمه في هذا الأمر. واتضح بعد ذلك أن أوباما من الصعب عليه أن يحصل علي هذا الدعم من الكونجرس خاصة أن استطلاعات الرأي تشير إلي أن الشعب الأمريكي يقف رافضاً لأي تدخل عسكري أمريكي في منطقة الشرق الأوسط. في هذه اللحظة تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودعم بقوة بشار الأسد من خلال اتفاق سياسي يسمح بوضع السلاح الكيميائي السوري تحت تصرف المجتمع الدولي وتدميره بشكل كامل، واضطر أوباما في النهاية إلي قبول هذا الطرح بعد أن وجد نفسه وحيداً أمام العالم. والواقع أن بوتين بذل مجهودا كبيرا في المرحلة السابقة لوقف أي ضربة محتملة ضد سوريا. ولم يفعل ذلك فقط من أجل إحراج الرئيس أوباما أو من أجل عودة موسكو إلي صدارة التأثير في الأحداث العالمية ولكنه فعل ذلك حماية لمصالحه في المنطقة حيث إن سوريا تقع بها القاعدة البحرية الوحيدة لروسيا في المنطقة. وتحاول واشنطن أن تخفف من حدة هزيمتها في سوريا بالقول إنه لولا التلويح باستخدام القوة ضد الأسد ما كانت روسيا لتقدم هذه الخطة التي ستسمح بتجريد سوريا من الأسلحة الكيميائية، وهو الخيار الذي تقول أمريكا أنه سيظل مطروحاً حتي لو لم يؤيده مجلس الأمن في المستقبل. ولذلك لن تضغط واشنطن علي مجلس الأمن كي يهدد سوريا بضربها في حالة عدم استجابتها بشأن نزع الأسلحة الكيميائية، خاصة بعد أن أكد الأسد أنه لن يقبل بالاستجابة لهذا المطلب في حالة وجود تهديد مباشر عليه. علي الجانب الآخر لايمكن تناول القضية السورية دون النظر للمصالح الإيرانية. فطهران تدعم الأسد بقوة وتدعم طائفته العلوية التي تربطها علاقات قوية بالشيعة وحزب الله اللبناني، وهم في حرب مشتركة ضد المعارضة السورية التي تضم متشددين سنيين ينتمون لتنظيم القاعدة الذي تعتبره إيران خطراً مباشراً عليها. كما أن إيران تعتبر سوريا تحدث توازناً إقليمياً في مواجهة القوي السنية الكبري في المنطقة، السعودية ومصر. العلاقات التاريخية بين سوريا والتغيرات السياسية بعد انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني وضعت آمالاً في تغير سياسي في المنطقة خاصة بعد الرسائل المتبادلة بين أوباما وروحاني وتجدد الآمال في عودة المباحثات حول البرنامج النووي الإيراني الذي تصر طهران أنه برنامج سلمي يهدف إلي إنتاج الطاقة الكهربائية فيما تري الدول الغربية أن إيران تسعي لإنتاج سلاح نووي. وفرضت واشنطن بل ودول صديقة لإيرانكروسيا والصين عقوبات اقتصادية علي طهران بسبب خططها النووية. ومع ذلك فإن روحاني أكد أنه علي استعداد للتفاوض مرة أخري حتي في ظل هذه العقوبات، وبالتالي فالطريق ممهد لتغيير جوهري في العلاقات الأمريكيةالإيرانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة القادمة. وسيكون لطهران بالتأكيد دور مهم في محاولات إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. ومن المتوقع أن يعيد قرار الأممالمتحدة المرتقب لنزع السلاح الكيماوي من الأسد الحياة للمحاولات الأمريكية الروسية لعقد مؤتمر جنيف للسلام في سوريا وهو مؤتمر تستطيع أن تلعب فيه إيران دوراً قوياً في ظل النفوذ الذي تتمتع به لدي الأسد. الأسد في كل هذه التحولات السياسية ربح كثيراً بالتأكيد. فطهرانوواشنطنوموسكو اجتمعت آراؤهم علي التخوف من تصاعد القوي المتطرفة في المعارضة السورية. وقد تضغط إيران علي الأسد لقبول حل سياسي يبقي علي الأسد في موقعه ويجعله يقدم بعض التنازلات. وكما يقول روبرت مدير مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدني فإن "مصالح الجميع التقت في بقاء الأسد".