توقعات بارتفاع الحد الأدنى.. متخصص في شئون التعليم يكشف مؤشرات تنسيق المرحلة الأولى 2025    رئيس الوزراء يستعرض خطوات إنشاء وحدة مركزية لحصر ومتابعة وتنظيم الشركات المملوكة للدولة    مدبولي يستعرض الخطوات التنفيذية لإنشاء وحدة مركزية لحصر الشركات المملوكة للدولة    أسيوط تبدأ تطوير 330 منزلًا بالمناطق الأكثر احتياجًا (فيديو وصور)    "جبهة الإنقاذ السورية" تتأسس لتوحيد المعارضة ضد نظام الشرع واستعادة "الشرعية الشعبية"    وزير الخارجية يلتقي نظيره البرازيلي لبحث تعزيز التعاون ومناقشة تطورات غزة    تفاصيل محاضرة فيريرا للاعبي الزمالك    ديفيد ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    محافظ الإسماعيلية يهنئ أوائل الثانوية العامة والأزهرية على مستوى المحافظة للعام الدراسي 2024/2025    صور.. محافظ القاهرة يكرم 30 من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    زياد الرحباني عانى من مرض خطير قبل وفاته.. ومفيدة شيحة تنعاه بكلمات مؤثرة    بسمة بوسيل عن ألبوم عمرو دياب "ابتدينا": "بصراحة ماسمعتوش"    "النهار" ترحب بقرار الأعلى للإعلام بحفظ شكوى نقابة الموسيقيين    متحدث "الموسيقيين" يعلن موعد انتخابات التجديد النصفي: الجمعية العمومية مصدر الشرعية    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    أزهري: الابتلاء أول علامات محبة الله لعبده    أمينة الفتوى: ملامسة العورة عند التعامل مع الأطفال أو أثناء غسل الميت تنقض الوضوء (فيديو)    هيئة الرعاية الصحية تعلن نجاح وحدة السكتة الدماغية بمجمع الإسماعيلية الطبي    وزارة الصحة: حصول مصر على التصنيف الذهبي للقضاء على فيروس سي نجاح ل100 مليون صحة    ضعف عضلة القلب- 5 أعراض لا ترتبط بألم الصدر    مجلس إدارة غرفة السياحة يعيّن رؤساء الفروع السياحية بالمحافظات ويوجههم بدعم النمو    هيئة فلسطينية: كلمة الرئيس السيسي واضحة ومصر دورها محورى منذ بدء الحرب    شهادة تقدير ودرع المحافظة.. أسوان تكرم الخامسة على الجمهورية في الثانوية الأزهرية    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    ترامب: خاب أملي في بوتين    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    «أكسيوس»: مسؤولان إسرائيليان يصلان واشنطن لبحث ملفي غزة وإيران    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    ختام فعاليات قافلة جامعة المنصورة الشاملة "جسور الخير (22)" اليوم بشمال سيناء    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    مصرع شخص صدمته سيارة تقودها طفلة في إمبابة    طريقة عمل التورتة بمكونات بسيطة في البيت    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    عمار محمد يتوج بذهبية الكونغ فو فى دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    رئيس تعليم الشيوخ: محاولات تشويه دور مصر باسم غزة يائسة والدليل "زاد العزة"    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    قرارات هامة من الأعلى للإعلام ل 3 مواقع إخبارية بشأن مخالفة الضوابط    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    البربون ب320 جنيهًا والقاروص ب450.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم في مطروح    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    الحوثيون يهددون باستهداف السفن المرتبطة بموانئ إسرائيلية    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    هل ستفشل صفقة بيع كوكا لاعب الأهلي لنادي قاسم باشا التركي بسبب 400 ألف دولار ؟ اعرف التفاصيل    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    الداخلية تكشف ملابسات وفاة متهم محبوس بقرار نيابة على ذمة قضية مخدرات ببلقاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعركة في سوريا.. ولكن الحرب هنا.. !!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 03 - 09 - 2013

علينا أن نكون بلهاء وساقطين عقليا، وغارقين في غباء مزمن، لنتصور أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خفق قلبها ألما، وانفطر كبدها حزنا، وتدفقت في صدور حكامها مشاعر النبل الإنساني، حد استدعاء البوارج، ودفع حاملات الطائرات، وشحن الصواريخ في مواجهة سوريا، لأن 1200 مواطن سوري ظهرت عليهم أعراض الإصابة بما يمكن أن ينتج عن استخدام سلاح كيماوي، مع أنهم لا يمثلون أكثر من 1 إلي 200 من النساء والأطفال العراقيين، الذين أصيبوا بمرض السرطان كعرض جانبي نتيجة استخدام القوات الأمريكية لقذائف من اليورانيوم المستنفد، خلال الفتح الاستراتيجي لضرب
العراق، بغض النظر عن المنتوج الرئيسي الذي شكل محيطا من الخراب، وجبالا من القتلي والمعوقين والمشردين.
وعلينا ان نكون بلهاء وساقطين عقليا، وغارقين في غباء مزمن، لكي نصدق السيد أوباما ووزير خارجيته، وهما يتحدثان بثقة مفرطة عن أن المخابرات الأمريكية، قد أكدت لهما بالدليل القاطع أن الجيش السوري هو الذي استخدم السلاح الكيماوي، لكن مصدر هذا الدليل القاطع، هو نفسه الذي اكد بالدليل القاطع أيضا، أن العراق يطفو علي بركة من أسلحة الدمار الشامل، استوجبت بعد ذلك تدمير جيشه وبنيته ودولته وكيانه، دون أن تكون هناك ذرة واحدة من هذه الأسلحة.
غير أنه يمكننا ان نتصور ذلك، وأن نصدقه، فقط إذا كنا ليبراليين أمريكيين، فسوف يصدق علينا وصف كاتب أمريكي هو 'كريس هيدجر' لهؤلاء الليبراليين حيث وصفهم نصا بأنهم 'يتمتعون بجبن أخلاقي عبر تاريخ الولايات المتحدة 'ولكي لا يكون الأمر مجرد اجتهاد أو رجم بالغيب، فلم تمض غير شهور قليلة علي ضرب العراق، حتي أصدر مركز الإحصاء في الولايات المتحدة تقريرا يفيد أن أركان الإدارة الامريكية، قد أصدروا في الطريق نحو الضربة العسكرية، ولخلق قناعة سياسية ومعنوية بمشروعيتها الفاسدة، ما عدده 374 تصريحا وبيانا وتعليقا، ثبت أنها كاذبة ومختلقة، وأنهم
كانوا يدركون في الوقت نفسه أنها كذلك، بل إن التقرير الذي أدعي 'توني بلير' أنه صادر عن المخابرات البريطانية متضمنًا نفس الأكاذيب، ثبت بعد إخضاعه للدراسة، أنه لم يكن اكثر من تجميع لقصاصات نشرت في عدد من الصحف، وأن النقل كان حرفيًا، حتي أن التقرير وقع في نفس الأخطاء المطبعية واللغوية للصحف التي أخذ عنها.
***
إن السيد أوباما يتحدث عن ضربة محدودة وعقلانية، وهو ما يعني أنها نظيفة ومحدودة الأثر زمانا ومكانا، وكلا الأمرين يتناقض تناقضا صارخا مع القوانين الذاتية للحروب، وبغض النظر عن أن كافة الوحدات العسكرية السورية، بحكم ما انتهت إليه خرائط المواجهة الحالية، موجودة وسط مواقع آهلة بالسكان، فإن الطلقة الأمريكية الأولي ستصوب نفسها إلي قلب منطقة مشحونة بالتناقضات، تسكنها كل عوامل وعناصر الصراع المحلي والإقليمي والدولي، تتوزع في أنحائها قنابل موقوتة من كل نوع وصنف قابلة وجاهزة للانفجار، وحسابات ردود الأفعال فيها ليست مواقع محددة فوق
خريطة القصف، ولكنها تطول بالطول والعرض والعمق محيطًا إقليميًا بالغ الاتساع، شديد التوتر، مجهدًا، ومضغوطًا، وعصبيًا، حد الاستعداد للقبول بمنطق الانتحار، مع وصول منحني الضغط العسكري الأمريكي إلي ذروته الدموية العنيفة، الأمر الذي يعني تأجيج صراع مفتوح في المنطقة، ومده بكل أدوات الحريق والانتشار.
أذكر أن السيد إبراهيم نافع رئيس تحرير 'الأهرام' الأسبق، عاد من واشنطن مع فريق من صحفيه، قبل الفتح الاستراتيجي لضرب العراق بأسابيع قليلة ليقدم للرأي العام المصري، رؤية مضللة عن أبعاد الاندفاعة العسكرية الأمريكية المنتظرة في قلب العراق، وكان من بين ما قدمه أننا كمشاهدين سنستمتع بجراحة عسكرية متقنة، فالقصف لن يستمر سوي 4 أيام، وجميع الأسلحة من الصواريخ والقنابل مختبرة الفاعلية، ونسبة القذائف الذكية من بينها، لن تقل عن 70%، ولن يكون هناك اختراق للمدن العراقية، التي ستبقي آمنة مطمئنة، فضلا عن أن آلة الحرب الأمريكية وضعت خططا
للتقليل من المخاطر، التي سيتعرض لها شعب العراق، وخططا أخري لتقديم مساعدات ضخمة لكل مدينة عراقية تدخلها القوات الأمريكية، إلخ.. إلخ.. وأذكر أنني كتبت هنا ردا مطولا عليه، ولكن الحسرة كانت مزدوجة، فقد تبدد صوتي في فضاء إعلام تابع، ولم يصدر عن المجتمع بعد ذلك ما يشكل ردعا لجريمة لا تزال تتنفس في الإعلام، تعبر عن جبن أخلاقي، وغش مستأجر لتضليل الرأي العام، وفرض الهزيمة المعنوية عليه.
***
ما الذي يعنيه ذلك الإصرار الأمريكي علي ضرب سوريا الآن بالصواريخ، وما هو المستهدف بالضبط؟ إذا كان الحديث يخص استخدام الأسلحة الكيماوية، ضد الشعب السوري، فهو حديث ملفق، لأن النظام ليس فاقد العقل إلي الحد الذي يختار أن يمارس فيه استخدام السلاح الكيماوي، في توقيت متزامن مع وصول بعثة تفتيش الأمم المتحدة الخاصة بالموضوع ذاته، وليس فاقد الرؤية إلي الحد الذي يختار فيه موقعا للقصف يبعد عن دمشق نفسها بمسافة لا تزيد عن 5000 متر مع حسابات الارتداد العكسي للغاز، ولأن هناك سابقة تم دمغ المعارضة بها، باستخدام غاز السارين نفسه في بلدة خان
العتل يوم 19 مارس الماضي، وقد طالب النظام بلجنة تحقيق دولية في هذه السابقة علي امتداد 5 أشهر دون استجابة من الأمم المتحدة، خاصة بعد أن صرحت 'كارلا دونتي' عضو لجنة التحقيق الدولية في التوقيت ذاته، بأن بحوزة الخبراء معلومات تفيد استخدام السلاح الكيمائي، خاصة غاز السارين من قبل المعارضة.
وإذا كانت المشكلة حقا، هي استخدام الأسلحة الكيماوية في ضرب المدنيين، فما الذي ستفعله الصواريخ الأمريكية بالضبط، هل ستتوجه إلي تدمير مستودعات الأسلحة الكيماوية لتحول دون استخدامها ضد المدنيين، إذا كان الأمر كذلك فهو يشكل ضربا من الجنون، وهو يشكل استحالة مطلقة، إذا ما هو المستهدف عسكريا واستراتيجيا بالضبط ولماذا؟
إذا كان الأمر يتعلق بالمستهدف استراتيجيا، وبعيدا حتي عن الحالة السورية، فهو تحديدا تكريس قناعة مبدئية جديدة، تمنح القوي الغربية الحق في ملاحقة وتدمير أي أسلحة كيماوية في يد أنظمة غير متطابقة مع الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة في الإقليم، بحجة احتمال استخدامها ضد شعوبها، وإذا لم يكن السلاح الكيماوي ذاته قابلا للقصف أو التدمير من الفضاء، فإن الهدف ينصرف طبيعيا إلي الوسائط المادية، التي يمكن أن تحمل هذا السلاح، وهي الصواريخ أرض - أرض، بالدرجة الأولي، والطائرات القاذفة بالدرجة الثانية، ولن يتم ذلك بالفعل دون تدمير قواعد
الدفاع الجوي، أي أن الهدف الاستراتيجي هو تدمير قواعد الأسلحة التي تشكل منظومة الردع علي نحو رئيسي، اي إسقاط نظرية الردع كليا، من بين أيدي هذه الأنظمة، وما ينطبق علي سوريا بصدد هذه القاعدة التي يراد إضفاء مشروعية سياسية وقانونية وأخلاقية عليها، يمكن أن ينطبق علي مصر، إن مصر لم توقع علي اتفاقية منع انتشار الأسلحة الكيماوية، رغم أنها وقعت علي الاتفاقية الخاصة بالأسلحة النووية، فقد ربطت توقيعها علي الأولي بتوقيع بقية دول الإقليم علي الثانية، باعتبار أن الأسلحة الكيماوية هي سلاح الردع الوحيد، في مواجهة الأسلحة النووية، الذي
يمكن أن يوظفه الفقراء لحماية أنفسهم من استخدام السلاح النووي ضد دولهم وشعوبهم، وهو أمر يتوافق تماما مع كافة المواثيق والقوانين الدولية، والجديد هنا هو بالضبط تخليق قاعدة جديدة مطلية بحقوق الإنسان لإسقاط نظرية الردع كليا، باستخدام القوة المسلحة الغاشمة، وفي غيبة أية مشروعية دولية.
***
في آخر لقاء بين أوباما ونتنياهو في إسرائيل، كانت مستجدات الملف السوري هي الأكثر حضورا، فقد حمل أوباما معه تقديرات أمريكية، تؤكد امتلاك سوريا لمزيد من الصواريخ أرض - أرض، المزودة برؤوس كيماوية، وأن الخطر الذي تمثله هذه الصواريخ علي إسرائيل وتركيا تحديدا، أصبح يفوق خطر الصواريخ الإيرانية، حد إعطاء أولوية لتفعيل منظومة الصواريخ التابعة لحلف الناتو، ضد الصواريخ السورية علي الصواريخ الإيرانية، وقد تركزت عوامل الخطر في أمرين، إذا اضطر النظام إلي الخيار شمشون، أو إذا أنحاز إلي استخدام هذه الصواريخ للرد علي أي عملية عسكرية توجه
إليه حتي إذا كان مبررها هو إقامة منطقة عازلة، وفي ضوء ذلك جري علي الفور توجهان كانا بالغي الوضوح، الأول هو إحياء العلاقة الإسرائيلية- التركية باتصال تليفوني مباشر بأردوغان قام به أوباما بنفسه من تل أبيب، مشفوعًا بوعد أمريكي حول مستقبل الوحدة القبرصية ومرور الغاز القبرصي إلي أوربا عبر ميناء جيهان التركي، والثاني قيام حلف الأطلنطي بنقل قواعد صواريخ باتريوت إلي تركيا، قبلها كان جيمز ماتيس قائد القوات الأمريكية بالشرق الأوسط يتحدث أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ عن امتلاك سوريا لمستودعات اسلحة كيماوية وبيولوجية وصفها
بالأساسية، أعقبه الأدميرال ويليام ماكريتين قائد العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي الذي تلا قائمة تحذيرات مطولة من مخاطر السلاح الكيماوي السوري، والاستعدادات الأمريكية للسيطرة عليه، بينما ظلت الطائرات الأمريكية تحلق بشكل يومي في سماء سوريا، للتعقب مواقع قواعد الصواريخ السورية، وإذا كانت تركيا تمتلك القيادة الاستراتيجية الجنوبية الشرقية لحلف الأطلنطي، فقد كان حديث المخاطر عن الصواريخ السورية علي إسرائيل وتركيا، وترتيبات إحياء العلاقة التركية- الإسرائيلية، ثم الدفع بسيل من الأكاذيب كمبرر لعمل عسكري ضد سوريا، جميعها تدخل
علي المستوي المباشر كجزء من عملية متعجلة لإعادة تشكيل استراتيجي للقوس الشمالي الشرقي للبحر الابيض، الذي سيأخذ شكل رصيف استراتيجي ممتد، يضم إسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وتركيا واليونان، وهي علي هذا النحو الخطوة الأولي في معركة أشمل وأوسع، هي معركة شرق السويس لتطويع الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط كله.
***
في شهر مايو الماضي كانت هناك عدة متغيرات واضحة، بدا أولها في أن موازين القوي بين النظام السوري والمعارضة المسلحة آخذة في التغير لصالح النظام، خاصة في أعقاب الهجوم العسكري الذي تم بموجبه تحرير القصير بريف حمص، والتي سيطرت عليها المعارضة المسلحة لمدة عام كامل، وهي عقدة مواصلات بالغة الأهمية، تقع بالقرب من الحدود اللبنانية علي الطريق الذي يربط العاصمة دمشق بالساحل السوري في ريف حمص مما يجعلها خط امداد استراتيجي، بين سهل البقاع والمناطق التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، وبين المناطق السورية القريبة من شاطئ البحر الأبيض، كما
كانت هناك سلسلة معارك أخري ساهمت في تغيير موازين القوي، في تخوم اللاذقية شمالا وغربا، وقد كان سقوط القصير يعني استراتيجيا سقوط حمص، وزيادة تأثير الحالة السورية المشتعلة في الداخل اللبناني، وهو عنصر هام يضاف إلي سيطرة الجيش السوري علي بلدة خان العسل الاستراتيجية الواقعة بين حلب ودمشق، مما يعني استكمال سيطرته علي حلب وعلي الريف الشمالي والغربي، في التوقيت ذاته كان العراق ينشر علي حدوده مع سوريا ما يربو علي 20 ألف جندي، للحيلولة دون دخول أسلحة إلي المعارضة ومقاتلين ينتسبون إلي القاعدة، وفي التوقيت ذاته بدا لتركيا أن الحرب في
سوريا سوف ترتد وبالا علي أمنها القومي، فقد تمكن الأكراد من السيطرة علي منطقة راس العين شمال شرق سوريا، بعد أن دخلوا في معارك تصادمية مع قوات من المعارضة المسلحة، وأجبروها علي الفرار وأعلنوا تشكيل حكومة مؤقتة للإقليم، في الشهر التالي يونيو، كانت هناك مفاجاة زلزال الثورة المصرية، الذي اعتصر بقبضته قلب الاستراتيجية الأمريكية، بينما استثمر الروس الخلخلة التي اعترت الوضع في الإقليم، ونقلوا إلي شمال هضبة الجولان فرقة عسكرية محمولة جوا، هي جزء من قوات الحرب الروسية الآسيوية المعنية بمكافحة الإرهاب، يقودها الجنرال فلاديمير
شيمانوف، قائلين إنها ستعمل بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة علي الحدود الفاصلة بين إسرائيل وسوريا، وعندما أقدمت إسرائيل في أعقاب ذلك، وللمرة الثالثة علي ضرب سوريا جوا، مستهدفة مقر الفرقة الرابعة، وقيادة اللواءين 104 و 105، وبعض مخازن الذخيرة في جبل قاسيون، لم يكن الهدف المباشر للضربة الجوية هو إحداث خسائر مؤثرة في البنية العسكرية السورية، ولم يكن الهدف أيضا استهداف شحنة صواريخ أرض - أرض، من طراز الفاتح، كانت في طريقها إلي حزب الله، وإنما كان الهدف المباشر هو اختبار ما إذا كانت روسيا قد بسطت علي الأراضي السورية صواريخ إس 300 أم لا؟
وهو صاروخ قادر علي تتبع 100 هدف والاشتباك مع 12 هدفًا في الوقت ذاته، وهو مضاد للطائرات وللصواريخ الباليستية والتكتيكية متوسطة المدي، ويصيب أهدافه علي مسافة من 5 كم إلي 195 كم، وقد كانت هناك مؤشرات عربية علي أن سوريا تسلمت دفعة أولية تتكون من 144 صاروخا، و 6 منصات إطلاق، إلا أن سوريا قيدت نيران دفاعاتها الأرضية حيث قصفتها الطائرات الإسرائيلية بالصواريخ من طراز 'بوباي'من المجال الجوي اللبناني.
لقد سبق لرئيس الأركان الأمريكي أن طرح أمام الكونجرس سيناريو التدخل العسكري في سوريا محددا الأهداف في شن غارات جوية ضد الصواريخ السورية والمضادات الجوية، وتدمير القوات البحرية والجوية، أي تدمير القدرات العسكرية لسوريا ربما باعتبارها جميعها أسلحة ضد المعارضة السورية المسلحة، والحقيقة أن السؤال لم يعد يطول النوايا الأمريكية، فهي واضحة وجلية، ولكنه يطول النتائج والتفاعلات المعقدة، التي يمكن أن تخرج من باطن الضربة العسكرية الأمريكية، إن نائب وزير الدفاع الإسرائيلي 'متان فلنائي'هو الذي صرح في أبريل الماضي في بئر سبع أن لدي
سوريا وحزب الله صواريخ أرض - أرض، يمكنها إصابة أي هدف في إسرائيل.
***
إن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم علي مغامرة عسكرية عدوانية غير محسوبة، بمقدورها أن تشعل كامل المنطقة، من شرق المتوسط غلي حدود الصين، وهي تؤجج صراعا مفتوحا في الإقليم، لا بر له، ولا سقف، ولا حدود، وآثاره ونتائجه لن تكون بعيدة عنا، بل ربما هي الأقرب إلينا، ولذلك علينا أن ندرك بوضوح أن المعركة هناك، ولكن الحرب هنا..
[email protected]
ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.