فجأة ، فارقتنا الكاتبة الكبيرة سناء فتح الله التي ظلت حتي آخر نفس ممسكة بالقلم لكي لا ينقطع حبل التواصل مع عشاق كتاباتها النقدية التي ترصد ما يجري في الحركة المسرحية والثقافية ،ويا سبحان الله .. لقد كتبت الاسبوع الماضي تعدد مآثر " فاروق عبد القادر " صاحب القامة والقيمة النقدية الكبيرة الذي تم منحه جائزة التفوق لكنه رحل عن الدنيا قبل ان يتسلمها ، ارادت ان تعبر عن استهجانها لتلك الجائزة فقالت في نهاية المقال " لا يصح إلا الصحيح ، حتي ولو جاءت جائزة الدولة - التقديرية - متآخرة كثيرا عن ميعادها .. رحم الله فاروق عبد القادر " ، لقد تعمدت ذكرالجائزة " التقديرية" لكي تقول ان تلك هي الجائزة التي كانت تليق بفاروق عبد القادر وكان يجب ترشيحه لها ومنحها له بدلا من جائزة " التفوق " ! ربما لو لم تسقط ورقة سناء فتح الله من شجرة الكبار ، لكانت تعد نفسها للكتابة اليوم في هذا المكان عن رحيل الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر الذي ظل مغيَّبٌا عن شهرة من هم اقل منه موهبة لعدمِ إتقانهِ الغناءَ في جوقةِ ببغاواتِ وطواويسِ الفضائيات . شاهدت الكاتبة الكبيرة سناء فتح الله لأول مرة منتصف 1975 عندما كنت اتدرب بملحق الثقافة والفنون الذي كان يشرف عليه الكاتب الكبير رشدي صالح ، كنت وقتها مبهورا بمن اراهم في مكتب الاستاذ عبد الفتاح البارودي الذي كان يضم مكاتب الاساتذة حسن عبد الرسول، والاستاذة سناء فتح الله، والاستاذ رشاد الشبرخومي، رحمهم الله ، في هذا المكتب وجدت نفسي بين ثلاث مدارس نقدية كل منها تجتذبني، فإما ان اكون مع بساطة اللفظ والجملة والمزج بين الرؤية النقدية والخبرية عند حسن عبد الرسول ، وإما ان اكون مع مدرسة البارودي التي تتسم بالعمق الاكاديمي وكراهية الشللية والافاقين الذين يشكلون تيار اليسار في هذا الوقت ، وإما ان اكون مع مدرسة سناء فتح الله التي تتسم بجراءة التناول والتحليل ، لكن انتقالها من مكتب البارودي لمكتب آخر ،حرمني من مناقشاتها مع البارودي وجعلني متابعا لمقالاتها التي تتسم بانتقاء اللفظ وتركيب الجملة ، والانتقالات الفجائية في فقرات الموضوع بعيدا عن السرد والثرثرة ، بافتراض ان القاريء من الذكاء بحيث يفهم ما تطرحه من تكثيف وايجاز ، وهي مدرسة لها روادها وجاء من يقلدها تأثرا بهذا الاسلوب الذي لم اجد نفسي فيه ، لكن مع الوقت اكتشفت في سناء فتح الله التي كنت اوقرها احتراما وتقديرا بلقب " سيدتي النبيلة "، التي تتصل بي لتمدح مقالا كتبته، أو تثني علي تحقيق أو حواراجريته، كانت رحمها الله كبيرة في تشجيع الاخرين، انيقة في انتقاء اللفظ والجملة التي تحاورك بها، لم اسمع منها لفظا تهين به احدا في حضوره او غيابه ! في اجتماع اللجنة العليا للدورة الثالثة من المهرجان القومي للمسرح المصري اتفقت مع د. اشرف زكي علي طرح اسمها لتكريمها في هذه الدورة ، ورحبت اللجنة بالاجماع ، وعقب الاجتماع اتصلت بها لأبلغها بالخبر ، لكنها فاجأتني بما لم يكن متوقعا ، فقد اعتذرت بلباقة شديدة وهي تقول " اعتقد ان هناك من هو احق بالتكريم أكثر مني " ! اذا كانت سناء فتح الله اعتذرت عن التكريم في حياتها لاسباب لم تفصح عنها ، فيجب تكريم اسمها في الدورة الخامسة للمهرجان التي ستعقد في السابع عشر من الشهر الجاري ، وهذا اقل ما يمكن تقديمه لما قدمته للحركة المسرحية والثقافية من كتابات وافكار ومقالات اثرت بها العقول .