لو اتبعنا حوافر السياسات البديلة للتقليل من المساحات المزروعة بالأرز بدلا من سياسات الأوامر التي تنتهي عند عبارة "ممنوع زراعة الأرز" نقطة ومن أول السطر!!. فقد انتهي الأمر عند تحديد مساحات زراعات الأرز هذا العام بما لا يزيد عن مليون ومائتي ألف فدان بدلا من 1.8 مليون فدان في العام الماضي ونحو 2.2 في العام قبل الماضي، ومنع الزراعات المخالفة بما فيها الحد أيضا من مشاتل الأرز. وعلي الرغم من قناعتي من أن الأرز ليس بمثل هذا السوء فهناك الكثير من الزراعات المستنزفة للمياه بمعدلات أعلي من الأرز ولا تلقي نفس مقاومة زراعات الأرز مثل زراعات الموز بضعف استهلاك مياه الأرز والكرنب الذي يفقد كمية مياه بالنتح كل ليلة تكفي لري فدان آخر والقلقاس بأوراقه العريضة الشبيهة بأذن الفيل وقصب السكر والبرسيم المسقاوي وتربية المواشي حيث يتطلب تربية رأس واحد من البقر والجاموس من أربعة إلي خمسة آلاف متر مكعب من المياه بمعدل 15 مترا مكعبا لإنتاج الكيلوجرام الواحد من لحم البقر مقابل 10 أمتار مكعبة لإنتاج كيلوجرام من لحم الضأن!!!. وبالتالي فإن تحجيم زراعات الأرز في ظل ارتفاع أسعاره عالميا يحرم الاقتصاد المصري والمزارعين من الاستفادة من هذه الطفرة السعرية فسعر طن الأرز عالميا الآن نحو 600 دولار للطن مقابل 170 دولارا فقط لطن القمح!!! علي أن يعاد النظر في سياسة زراعته في حال انخفاض أسعاره، فالمتر المكعب من المياه ينتج في الأصناف الحديثة والري المقنن أكثر قليلا من كيلوونصف الكيلوجرام من الأرز بمتوسط سعر محلي نحو جنيهين للكيلوجرام (ونحو دولار للسعر العالمي) بينما يدر القمح كيلوجراما واحدا من كل متر مكعب من المياه بعائد لا يزيد عن جنيه واحد للكيلوجرام!! بالإضافة إلي أن فدان الأرز يغل من 3.5 إلي 4 طن من الأرز في حين يغل فدان القمح 2 طن فقط وبالتالي فإن زراعة الأرز ليس بمثل هذا السوء الذي يظنه البعض بالإضافة إلي كونه الوسيلة الوحيدة الفعالة ذات العائد المجزي لاستصلاح وغسيل الأملاح من أراضي شمال ووسط الدلتا المقتحمة ومياهها الجوفية بملوحة مياه البحر المتوسط. لذلك فالقول بأن زراعة الأرز من أجل التصدير لهو تصدير للمياه قول فيه مبالغة كبيرة لأنه يمكن أن يكون تصديرا للأملاح التي تخلصنا منها من ترب الدلتا ومياهها الجوفية، وهل لا يعد تصدير الفاصوليا والبطاطس والطماطم والخيار والبصل وكافة الحاصلات الزراعية تصدير للمياه أيضا!؟ فهي لا تعيش علي الهواء فقط ولكن النظر يكون للعائد من المتر المكعب من المياه ومدي احتياج الترب الزراعية والمياه الجوفية لهذه المياه ومدي عائدها علي تحسين نوعية المياه في المصارف الزراعية والتي يعاد استخدام مياهها مرة أخري في الري بما يعني أن الزيادة من المياه المستخدمة في زراعات الأرز لم تضع هباء وإنما أعيد استخدامها في الري مرة ومرات مع الحاصلات الأخري. انعكاس تقليص مساحات الأرز المصري سوف يكون له مردوده العالمي والمحلي أيضا حيث لا ينتج النوعية من الأرز قصير الحبة بكميات تجارية إلا مصر والولايات المتحدة فقط وبالتالي فإن حرمان الأسواق العالمية من نحو مليون طن من الأرز المصري يتم تصديره سنويا سوف يؤدي إلي ارتفاع أسعار هذه النوعية من الأرز في البورصات العالمية وهي مفضلة لدي العديد من الشعوب المحيطة بنا مثل سوريا والسودان وتركيا وبلدان أوروبا ودول شمال أفريقيا، وبما سيكون له مردوده أيضا علي أسعار الأرز في الأسواق المصرية والتي ترتبط الآن بالأسعار العالمية. فإذا علمنا أن الأرز والمكرونة تعدان واقعيا هي البدائل الفعالة والحقيقية للرغيف البلدي فإن ارتفاع أسعار الأرز في الأسواق المصرية سوف يؤدي بالمستهلكين إلي الاتجاه إلي استهلاك المكرونة كبديل أول للأرز بما سيمثل ضغطا علي المعروض منها وبالتالي احتمال حدوث زيادة في أسعار المكرونة. وفي حال ارتفاع أسعار المكرونة سوف يتجه المستهلكون خاصة محدودي الدخل إلي رغيف الخبز المدعم الأرخص من الأرز والمكرونة وبالتالي يزداد الضغط عليه وتعود طوابيره وأزمته مرة أخري خاصة أن الرغيف البلدي والمكرونة كليهما مُصنع من القمح والذي نستورد منه حاليا 10 ملايين طن سنويا طبقا لآخر بيان صادر من مؤسسة القمح الأمريكي في نهاية شهر مايو عن قائمة الدول العشر الأكثر استيرادا للقمح في العالم والتي تتربع مصر علي قمتها منذ ثلاث سنوات كاملة وتزداد وارداتها عاما بعد عام حيث ارتفعت وارداتنا منه من 5.5 مليون طن عام 2005 إلي 7.5 مليون طن عامي 2007 و 2008 ثم عشرة ملايين طن لعامي 2009 و 2010!!. فهل لنا أن نتساءل إن كانت هذه الدورة للعلاقة بين الأرز والمكرونة ورغيف الخبز قد دارت في رأس صناع القرار ومستشاريهم!!!. وهل لنا أن نتساءل عن الحاصلات البديلة والسياسات التشجيعية التي اقترحت لتأخذ الفلاح من زراعة الأرز وتذهب به إلي زراعة القطن أو الذرة أو البذور الزيتية من دوار الشمس وفول الصويا وما هي السياسات التشجيعية التي اُقترحت لإقناع المزارعين بزراعة الذرة الصفراء والتي نستورد منها 5.5 مليون طن سنويا لتصنيع الأعلاف النباتية اللازمة لتربية المواشي والدواجن أو لزراعة المحاصيل الزيتية والتي نستورد منها 92٪ من احتياجاتنا وكان من المفترض الإعلان عن الأسعار التشجيعية لزراعة هذه الحاصلات في شهر مارس الماضي لإقناع المزارعين بزراعة هذه الحاصلات طواعية للحصول علي حوافز الزراعات البديلة للأرز والتي يحتاجها اقتصادنا ومستهلكونا بشدة!! أما القطن والذي كان يمدنا بأعلي عائد اقتصادي كمحصول ألياف أو محصول زيتي فاخر من بذوره أو علف حيواني مرتفع العائد والقيمة الغذائية من الكُسبة الناتجة عن عصر بذوره لاستخراج الزيت الفرنساوي الفاخر فيبدو أنه ليس في ذهن واضعي السياسات الزراعية وتركنا الأمر لبوركينا فاسو لتحل محل مصر في بورصاته العالمية!!!. لم يكن من الحكمة إتباع سياسة المنع فقط دون وضع البدائل المحفزة للزراعات البديلة للأرز حتي لا يكون البديل الأول هو زراعة لب القزقزة أو سوداني التسالي أو ترك الأرض بورا فالنظرة المستقبلية للأمور والرؤية الواضحة للأهداف وحساب التبعات كثيرا ما تساعد علي اتخاذ القرار الصحيح.