بعد تسعة أشهر من فوزه في الانتخابات النيابية الاخيرة في اليابان قدم يوكيو هاتوياما زعيم الحزب الديمقراطي الياباني استقالته من منصب رئيس الوزراء رغم انه أول سياسي معارض يهزم الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي استمر في الحكم منذ عام 1955. والسبب الرئيسي لاستقالة هاتوياما ليس فشله في اعادة اعمار اليابان ولا قيامه بنصب حواجز كونكريتية لفصل أحياء وشوارع طوكيو ولا قيامه بعمليات عسكرية ضد شعبه ولا اصداره اوامر بشن حملات مداهمات واعتقالات عشوائية في طوكيو ويوكوهاما واوساكا وهيروشيما وناجازاكي ولا اكتشاف منظمات حقوق الانسان وجود سجون سرية يجري التعذيب فيها علي قدم وساق ولا تحويل جزء من مطار ناريتا الدولي في العاصمة الي معتقل سري. لا ليس الامر كذلك فهذه اسباب سخط الشعب العراقي علي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد أربع سنوات من الوعود والخطابات والعنف والانفجارات والاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والبطالة والظلام وسوء الخدمات وتردي العلاقات مع دول الجوار. ولكن هاتوياما برئ من تلك الوقائع براءة الذئب من دم يوسف. فالسبب الحقيقي لاستقالة هاتوياما هو اتهامه بتلقي أموال من والدته لدعم حملته الانتخابية! أي انه غير مسموح له ولا لأي مرشح تلقي اموال لا من والدته ولا من والده ولا من زوجته ولا من صهره ولا من أي فاعل خير! بعكس ما يجري في العراق الذي يتربع علي قمة افرست في الفساد حيث لا يمانع الدستور أو القانون فيه من استلام المرشحين, بالجملة وليس بالمفرد أموالاً من دول الجوار وعدم الجوار ومن وكالات المخابرات في أي دولة ومن قراصنة الصومال ومن الاثرياء ولصوص البنوك. بل ان القانون والدستور لا يمنعان قيام المرشح خاصة اذا كان في الحكم فعلاً من اصدار أوامره الي مطبعة النقود بطبع كم مليار لتوزيعها علي الناخبين قبل الانتخابات.. ورشوة صغيرة تدفع بلاوي كبيرة. والسبب الآخر لاستقالة رئيس الوزراء الياباني هو فشله في تحقيق وعوده الانتخابية رغم انه لم يمض علي توليه منصبه أكثر من ثمانية أشهر. الا ان الناخبين اليابانيين لا يرحمون وهم واعون الي الدرجة التي يطالبون فيها من انتخبوه علي أساس برنامجه الانتخابي, وليس رشاويه ان يحول الوعود الي حقائق علي الارض. بعكس ما حدث في العراق, فقد وعد المالكي الشعب العراقي بالسعادة والرفاهية والامان وانقضت فترة توليه منصبه البالغة اربع سنوات دون ان يحقق أي وعد من هذه الوعود أو غيرها باستثناء اعادة اعمار السجون وصبغ الارصفة وافتتاح حديقة عامة ومسبح في المنطقة الخضراء خاص بكبار المسئولين بالاضافة طبعاً الي انتشار ثقافة الفساد والطائفية في كل الدولة من القمة الي القاع. ومع ذلك يتمسك المالكي بالكرسي والسلطة الي آخر نفس.. وهو يخشي في الواقع ان يكون تنحيه عن السلطة مفتاحاً لفتح أبواب الفساد علي مصاريعها حيث العجب العجاب ليكتشف الناس كم كانوا مخدوعين بمثل هذا النموذج الذي جاء الي الحكم تحت عمامة الدين وعباءة الاحزاب الطائفية ومباركة ملالي طهران وابتسامة الرئيس الامريكي السابق بوش. هل هي الغيرة الوطنية والاخلاقية التي دفعت رئيس الوزراء الياباني الي الاستقالة أو حتي التفكير بالانتحار علي الطريقة اليابانية أو الغريزة البدائية التي تدفع المسئول العراقي الي رفض ممارسة الديمقراطية حتي مع نفسه وحزبه واصراره علي ان يظل في الحكم بعد كل ما فعله. لقد قلت نفس المعني بعد زيارة الي طوكيو قبل أكثر من 15 عاماً في كتابي عن التجربتين في اليابان والعراق وعنوانه »بلد صاعد.. بلد نازل«.. وأكيد اكيد ان العراق الديمقراطي الشفاف هو البلد الصاعد واليابان الدكتاتورية المتخلفة هي البلد النازل.. والدليل علي ذلك لا يحتاج الي »الولو« ولا خلفة خلاف خلف الله المحامي ولا الشاهد »اللي مشافش حاجة«.. فقد شفنا كل شيء. كاتب المقال: كاتب عراقي