كم عدد المرات التي يمكنك ان تسمع هذه الكلمة المصرية الأصيلة في اليوم والليلة؟ هل يمكنك ان تعدها؟ وإذا عرفت عددها هل بمقدورك ان ترصد القوانين والواجبات والاعراف التي تنتهكها؟ ان هذه الكلمة التي قد تبدو بسيطة وساذجة يرجع اليها العديد من العيوب المتأصلة في شعبنا المصري الأصيل. فهي التي تفتح أمام المخطيء الباب لكي يعتذر عن خطأه، وليس لكي يدفع عنه الثمن، وهي التي تعطي للمقصر العذر في عدم القيام بواجبه علي النحو الذي كان ينبغي ان يقوم به، وفوق هذا وذاك، فانها تظل في عقلية الإنسان العادي، الذي لم يخطيء ولم يقصر، لكي يستخدمها عند اللزوم، وبالتالي فانها تدفعه لعدم السير بخطي جادة، أو التقدم بايقاع أكثر سرعة. بالطبع لا يوجد لهذه الكلمة المصرية الأصيلة مقابل في كل لغات العالم. والذي يعرف أتمني ان يخبرني. لكن مأساة كلمة »معلهش« انما تظهر بوضوح عندما يريد مستخدمها ان يخرق القانون المطبق علي الجميع، وان يستثني حالته الخاصة علي اساس وضع خاص. ولو ان القانون سمح لهذا أو لذاك بالخروج علي قاعدته لما عاد قانونا، ولتحول إلي مقرعة خشبية كالتي يمسكها المجذوبون بجوار الأضرحة المشهورة في القاهرة: يضربون بها شخصا، ويلوحون بها لشخص آخر! ومن المؤسف ان مستخدمي هذه الكلمة المصرية الأصيلة لا يقتصرون علي الجهلاء أو الأميين وحدهم، وإنما يندرج فيهم أيضا المثقفون والمتعلمون، وهؤلاء أقدر علي تقديمها في ثوب أكثر أناقة، ولكنه عند التحليل الأخير، يظل هو نفس الثوب الشعبي الدارج. لماذا معلهش؟ لان هذه الحالة تستدعي نظرة خاصة. طيب وماذا نعمل في حالة أخري مماثلة؟! هنا يسكت المتحدث، وعيناه تقولان لك: لا تكن متشددا علي هذا النحو، وسهلها يسهلها لك الله، ومن فرج علي أخيه كربة من كرب الدنيا.. فإذا خضعت ومررت الحالة الشاذة هلل لك وفرح بك وحياك وشكرك، ثم تركك مع ضميرك الذي لا يبث ان يصحو ويقول لك: لقد اخطأت عندما كسرت القاعدة، لان القاعدة العامة تحمي مصالح الجماهير، أما معلهش فانها لا تنفع إلا صاحبها فقط، فإذا اضفت إلي ذلك ان صاحبها قد اعتدي علي قاعدة الجماهير تأكدت من انك أنت الذي ساعدته علي ذلك. وعندما وجدني أحد أصدقائي غاضبا جدا من كثرة استخدام كلمة معلهش، قال لي بابتسام لا يخلو من السخرية: يا عم دعها تمر.. وثق انها ستبقي، لانها من طبيعة شعبنا، وليست واردة عليه من الخارج. قلت له: ومع ذلك »فاننا قادرون علي التخلص منها علي مراحل. سألني: كيف؟ قلت: باستخدامها في الليل فقط دون النهار، ثم باستخدامها في نصف النهار الثاني دون الأول. حتي نصل إلي المرحلة الأخيرة لعدم استخدامها في أي ساعة من الليل والنهار!!