الديماجوجية والشعبوية يكادان يكونان وجهين لعملة واحدة.. هي استغلال الاستياء الاجتماعي بحرفه عن أسبابه الحقيقية بهدف اكتساب نفوذ سياسي. ولا يجادل أحد في ارتفاع حدة الاستياء والسخط في المنطقة العربية بشكل خاص وفي دوائر آخذة في الاتساع عالميا للحصار الذي تفرضه اسرائيل بحرا وبرا علي قطاع غزة مما حول 1.5 مليون شخص الي سجناء في القطاع. والمنطقي والطبيعي أن تتضافر كل الجهود -خصوصا العربي منها- لمحاولة فك وكسر هذا الحصار المنافي لكل الأعراف والقوانين الدولية وارغام اسرائيل علي رفعه. والمنطقي والطبيعي أيضا أن تسعي الدول العربية -مجتمعة ومنفردة- الي تقديم كل ما تستطيع من عون -وهو كثير- الي أبناء غزة الذين تحولت معاناتهم المستمرة منذ ثلاث سنوات الي أوراق مزايدات في لعبة اقليمية الرابح الوحيد فيها حتي الآن هو اسرائيل.. حتي بعد مقتل تسعة أتراك في قافلة الحرية علي أيدي كوماندوس البحرية الاسرائيلية. تعهد وزراء الخارجية العرب -وهم هنا يتحدثون باسم دولهم وليس بصفاتهم الشخصية- منذ أكثر من عام بكسر هذا الحصار وبتسيير أساطيل للوصول الي شاطيء غزة. لكن هذا التعهد كان مثل كلام الليل المدهون بزبده والذي ساح عندما طلع عليه النهار. إن اسرائيل كدولة احتلال مسئولة ومطالبة وفق القانون الدولي بحماية والوفاء بمتطلبات الذين تحت الاحتلال. واسرائيل مسئولة ومطالبة بفتح المعابر الستة التي شملتها اتفاقيتها عام 2005 مع السلطة الفلسطينية بادخال كل السلغ والبضائع والمعونات الي القطاع عبر هذه المعابر. ولا شيء يسعد اسرائيل أكثر من أن تتحول الأنظار والانتباه عن هذا الالتزام الذي وقعت عليه والذي نقضته وما تزال تنتهكه الي التركيز علي معبر رفح الذي لم يكن ضمن هذه الاتفاقية وتصوير الأمر وكأن مصر هي التي تحاصر القطاع وأن مصر هي التي تمنع المعونات من الوصول الي سكان غزة الجائعين. إن هذا الموقف الديماجوجي والشعبوي الذي يتبناه أصحاب الأصوات العالية في المنطقة معناه ببساطة تبرئة اسرائيل من جريمتها ومساعدتها في غسل يديها من كل ما اقترفت وتقترف. والأخطر هو أن هذا الموقف من شأنه أن يعفي اسرائيل من مسئوليتها كقوة احتلال ويدفع بالأزمة برمتها الي أحضان مصر وهو ما تحاول اسرائيل جاهدة أن تصل اليه بحيث تصبح غزة مسئولية مصرية ويصبح ما سوف يتبقي من الضفة بعد استقطاع ما تحتله المستوطنات مسئولية أردنية. إن علي مصر مسئوليات تجاه قطاع غزة وأهل قطاع غزة وهي مسئوليات لم تتنصل منها في أي وقت من الأوقات ومن بين أبرز هذه المسئوليات الحفاظ علي القطاع أرضا فلسطينية وجزءا من الدولة الفلسطينية المأمولة وليس قطاعا تحت الإدارة المصرية.. سوف يأتي يوم يعرف فيه الناس في مصر وفي محيطها العربي وفي العالم كله ما الذي فعلته مصر وتفعله من أجل غزة وسكانها وهي تفاصيل أول من يعرفها قادة حماس أنفسهم. قدر مصر أن تعض علي الجراح وتجارة غيرها أن يزايد عليها ديماجوجيا وشعبويا.