أما قبل .. فتلك صرخة - نهمس بها- في وجه من لايعرف جهلا.. أو يعرف لكنه اختار السكوت هروبا أو قبولا عاجزا.. صرخة لا تبغي مجرد آذان تحتوي صخبها إلي أن تنتهي فورة الانفعال، بل تبغي- وترجو- قلوبا تنفعل لها بمثل انفعالها.. كي يتحول الجميع إلي اظافر حادة تخدش وجه الواقع المرير الذي آلت اليه الكثير من بيوتاتنا.. وأبوتنا وأمومتنا وبنوتنا وأخوتنا!! حكايتنا- الصرخة- اليوم.. هي عن ذلك الصنف من الاباء- وربما كنا منهم- الذين وقر في قلوبهم للأسف ان الابوة شرف ليس وراءه اي تكليف.. أو قنعوا بأن الابوة محض »تجميل« للحياة ب »أمتلاك« طفل أو طفلين.. أو أنهم توارثوا فكرة ان الابوة اعلان- غير مدفوع الاجر - عن ذكورتهم التي تنأي بهم عن الاتهام بالعجز الرجولي وتتحصن- بالأولاد- عن الطعن فيها بعدم المصداقية !! وشخوص حكايتنا كثيرة.. منها. أب.. جاءتني زوجته- الصابرة- تشكو اضطرارها للاضطلاع منفردة بعبء تربية الابناء.. وحملهم في سيارتها إلي مدارسهم صباحا والعودة بهم ظهرا.. وتحمل مسئولية مساعدتهم في استذكار دروسهم.. والتعرف علي اصدقائهم.. وزيادة مدارسهم لحل مشكلاتهم.. والخروج إلي السوق لابتياع حاجاتهم من الطعام والملبس.. وزيارة الطبيب لمداواة مريضهم.. وحتي النزول إلي الشارع لاستيقاف سيارة أنابيب الغاز !! أما الاب.. فلا تسل عنه.. فهو الحاضر الغائب.. الحاضر في المساء لينتقد ويعنف الام علي درجات أبنائها المنخفضة في التحصيل المدرسي.. وليتهكم علي سوء نوع الخضار الذي اشترته للطعام.. وليثور علي اهمالها في اعداد ملابس خروجه.. وليغضب من سوء تربيتها لأبنائها عندما يتلفظ احدهم بلفظ خارج أو جارح أمامه، اما غيابه.. فمنذ الصباح وحتي ما بعد الظهر في عمله.. وفي نومه وقت القيلولة.. وفي صحبته لاصدقائه منذ غياب شمس النهار إلي قرب طلوع شمس اليوم التالي!! أما هي.. فلا تجرؤ علي اتهامه بالتقصير.. »حاشا« .. أليس هو الذي اشتري لها السيارة التي تستخدمها في تنقلاتها؟! أليس هو الذي يترك لها مصروف البيت الذي يتحمل هو وحده مسئولية السعي له؟ أليس هو الذي يوقع بإمضائه في شهادات الابناء تحت خانة »ولي الامر«؟! ألا يحمل ابناؤه اسمه وراء اسم كل منهم في شهادات ميلادهم وفوق دفاترهم؟! ألا يكفي كل ذلك بالنسبة له كأعباء أبوة؟!! أين انت يا »حمرة الخجل« أين انت يا من بمقدورك ان تصرخ في وجه هذا الاب- بالمراسلة- لتقول له شيئا عن رجولته الناقصة وأبوته المشوهة وواجباته التي خذلها وخذلنا معها؟! آه.. نسيت ان اقول لكم ان تلك الزوجة الصابرة.. فوق كل ذلك .. هي امرأة.. عاملة!! وهذا أب .. سافر للعمل في دولة اخري.. وترك ابناءه بصحبة امهم ليأتيهم في زيارة كل عامين.. رغم ان راتبه وقوانين بلد العمل تسمح باستقدامهم ليعيشوا معه!! تركهم دون راع إلا من تلك الزوجة التي وجدت نفسها فجأة أبا واما.. زوجة ومطلقة.. امرأة وشبه أرملة.. وعليها أن.. وأن.. وأن !! أما هو الغائب الحاضر.. الغائب عن كل شيء.. والحاضر بمكالماته التليفونية عندما تسمح ظروفه.. والحاضر بخطاباته عندما يسمح وقته وأوراقة!! وبالطبع فإن مبررات غيابه حاضرة.. كحضور مكالماته وخطاباته.. ألم يسافر من اجلهم؟! هل يجرؤ احد فيدعي انه أب »بالمراسلة«.. أو أن أبناءه مفتقدون لوجوده بينهم يدفع عنهم وعنها.. ويضمهم ساعة احتياج لضم.. ولعصا الراعي ساعة شرود.. أو رغبة في شرود؟ ومرة اخري أين أنت يا اصفرار الخزي؟! هذا نموذج ان نراهما كافيين.. أما بقية شخوص الحكاية فهي صور ممسوخة من نفس الحكايتين مع اختلاف التفاصيل؟! شخصية رجل الاعمال الذي تشغله اعماله عن أداء ما يجب عليه ان يؤدي حيال ابنائه وزوجته.. شخصية الزوج السلبي الذي ليس له ما يبرر غيابه خارج المنزل لكنه يبقي فيه وكأنه غائب ليس له في أي أمر أو أي شيء.. طواعية واختيارا.. لا كرها وجبارا.. شخصية الزوج الذي تزوج من امرأة أخري فنفض يديه من زوجته الاولي وأولادها.. وبقي خيط المصروف الشهري- عبر وسيط- هو الباقي بينه وبينهم.. إن اليتيم هو الذي تلقي له أما تخلت أو أبا مشغولا كاتب المقال : استاذ علم النفس التربوي- جامعة المنيا