سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تنويعات من الحاضر و الماضي و من هنا و هناك .. أي مفعول ملطف و مرهم ساحر يحتوي الطرفين للحظات، فأنت طوال يومك اما شاكرا أو مشكورا و ما هذه سوي خاطرة من وحي تلك الكلمة الرزيلة سمعتها توا من أحد البلهاء...
شكرا.. هذه الكلمة التي افتقدناها بين ما افتقدناه من شعائر تصاريف توارت عن حياتنا اليومية لتحلت محلها تصرفات وكلمات سوقية كمثل تلك التي تقول لك " ماشي " لكم يغيظني هذا التعبير ما أسخفه من كلمة لا تعرف من أين حطت علينا وظهرت واستشرت البلهاء دونما أحساس ولا معني ... توارت " متشكر" وممنون من القاموس الاجتماعي حتي كادت تتلاشي وحلت محلها تلك الرزيلة ع الماشي لا تعبر إلا عن غلاظة شعور و تواكل.. تنفح بقشيشا ولو سخيا لأي متعوس من أهل - ماشي - فلن تسمع منه غير هذا التعبير الغبي.. يعني ايه ماشي ما تروح في داهية الا تعرف تقول متشكر ؟ اين راحت الكلمة المشعة بالعرفان .. اين الدعاء الرقيق ربنا يزيدك ويخليك او يطرح البركة فيك وفي صحتك، أو حتي نظرة تقدير صامتة تنضح في العين، وكأن الشكر والعرفان صار وصمة و مهانة لمن يجاهر بها ويقولها.. أحيانا لا حتي تسمع " ماشي " فقد لا يقال شيء علي الاطلاق نظير ما قدمت أو فعلت ، وربما يتكرم عليك الواحد منهم بهزة رأس لا تعرف ان كانت تنم عن رضا أم استياء.. فماذا جري للتربية و التحضر و الذوق ؟ أما الذي يعيش مدة في الخارج فيشعر أكثر بمدي الفارق وأي فارق بين هنا و هنالك.. كلمة الشكر تلك لن تكف سماعها طوال النهار مع كل تعامل حتي لو كان من صميم الواجب، ولو لقاء خدمة دفعت مقابلها فلابد وتشفعها بكلمة شكر ، فهذه خاتمة ضرورية و قفلة مرعية بعد كل خد وهات.. فلا أقل من ثلاثين متشكر ترددها كل يوم بل كل ساعة و دقيقة كلما حدث اتصال او تعامل او استفسار بين طرف وآخر أيا كان و لو لأهون سبب أو لعدة ثوان، فلن يكتمل تعامل بغير كلمة الشكر ملحقة في النهاية، وأما المشكور فغالبا ما يرد التحية بأحسن منها ويضيف ابتسامة مشعة او بصوت ودود يقول لك بالانجليزية مرحبا you,re welcome او بالفرنسية علي ايه de rien .. أي مفعول ملطف ومرهم ساحر يحتوي الطرفين للحظات، فأنت طوال يومك اما شاكرا أو مشكورا وما هذه سوي خاطرة من وحي تلك الكلمة الرزيلة سمعتها توا من أحد البلهاء و.. ولا تتردد من المراجعة فتقول لكل غليظ من اهل ماشي حتي ينعدل ويقولها شكرا فان لم يرد فليقول : يا مرسي ( بكسر الميم لا بضمها ) ! الكتاب المذهل.. الأحد : سبق وآليت علي نفسي ألا أزج في اليوميات أيا من ألوان السياسة فلا مكان لها مع هذا اللون من الكتابات و انما ما أراني خرجت عن ذلك رغم الأسماء الرنانة للساسة الآتي ذكرهم، ثم ان الموضوع من حيث التصنيف أقرب إلي مزحة ثقيلة أوكوميديا سوداء أو مأساوية ان شئتم الدقة... فهذا كتاب من اعجب ما صدر من نشر في العام الاخير و أشدها غرابة، وهو كتاب لصحفي فرنسي اسمه جان كلود موريس " لن أصدق مهما قلت " وما هذا بتعليق بل هو عنوان الكتاب ويدل حقا علي موضوعه الذي لا يكاد يصدق لولا أن الصحفي الفرنسي أكد علي ان أقوال الرئيس السابق شيراك مسجلة لديه في مقابلة صحفية، ثم أن احدا لم يبادر بتكذيب ما جاء في الكتاب وهم جميعا احياء وعلي رأس هؤلاء رئيس فرنسا السابق جاك شيراك... الكتاب يعرض النوعية الشنيعة للعقلية التي كانت علي رأس الحكم في الولاياتالمتحدة وقادت غزو العراق عام 2003.. ويورد دوافع يصعب ان ترد علي منطق، والمعروف ان موقف فرنسا الرسمية الشعبي كان معارضا لذلك الغزو، انما غير المعروف هو ان جاك شيراك كان أكثر الجميع انزعاجا لما سمعه بأذنيه من الرئيس الامريكي السابق دبليو بوش الذي كان يطلبه تليفونيا ليحثه علي الانضمام إلي حملة الغزو. يقول الصحفي الفرنسي ان في مطلع ذلك العام 2003 اتصل بوش بشيراك تليفونيا ليحثه علي الانضمام الي حملة الغزو قائلا له انها مهمة مقدسة مستمدة من نبوءات من التوراة والأنجيل ، و كان شيراك مذهولا وهو يستمع اليه قائلا انهم بسبيل ان يقضوا علي "ياجوج ومأجوج " المختبئان قرب مدينة بابل العتيقة في العراق ! ويروي الكتاب أن شيراك كان في شبه ذهول من فرط وقع هذا السخف الذي يردده ويؤمن به رئيس أهم دولة في العالم ويورد الكتاب علي لسانه" لم اكن لأتخيل الرجل بهذا القدر من السطحية والتخلف ليؤمن بتلك الأفكار الكهنوتية المتعصبة فتؤدي بهذا المتطرف أن يكون علي استعداد ليدمر مهدا لحضارات في الشرق الاوسط لتحقيقها... و لم يكن شيراك ليصدق في البداية ان حربا مدمرة يمكن ان تشن وفي عمقها غير المعلن خزعبلات تنبعث من عقليات كهنوتية متطرفة في كنف الكنيسة الانجليكانية الأمريكية تضم بين رعاياها من يعرفون هناك بطائفة الجوديو - كريستشانز يتغنون بالصهيونية أنشودة مسيحية تحولت لحركة سياسية... ومعروف أن الكنيسة الانجليكانية الامريكية هي أكبر أنصار اسرائيل وحليف متعصب لليمين الإسرائيلي المتطرف... ويقول الكتاب أن بوش عاود الاتصال بشيراك قبل الغزو بأسابيع ليقنعه بالتراجع عن معارضة غزو العراق مكررا بالنص أنه أي بوش "تلقي وحيا سماويا ليشن الحرب لأن يأجوج و مأجوج قد بعثا هناك في العراق مرة و انه سيطاردهما لأنهما وفق النبوءة يستهدفان دمار الغرب المسيحي ... شعر شيراك بفزع لتلك السذاجة الصفيقة حسب هذا الكتاب فلم يكن ليتصور أن النزعة الدينية لدي بوش يمكن ان تجرفه الي هذا التطرف الذي يدفع إلي تحقيق نبوءات توراتية غامضة تؤدي الي كوارث بهذا الحجم المهول.. يقول هذا الصحفي الفرنسي وكان في تلك المرحلة مراسلا عسكريا لصحيفة لوجورنال دو ديمانش، أن الفضول دفع جاك شيراك الي التعرف بالمزيد عن هذان اليجوج و المأجوج فطلب من طاقم مكتبه أن يأتوا إليه بذوي حجة في هذا الشأن علي ألا يكون فرنسيا حفاظا علي سرية الموضوع، فجاءوا اليه بأستاذ متخصص في اليهودية من جامعة لوزان السويسرية : بروفسور توما رومير، الذي أوضح لشيراك أن ذكر يأجوج ومأجوج جاء في سفر التكوين باشارات غيبية مبهمة مؤداها أنهما سيعاودان الظهور ويقودان جيوشا بغرض تدمير اسرائيل ومحوها من الوجود، وعند هذا الحد تهب قوة عظمي لحمايتهم وتقع حرب يريدها الرب تقضي قضاء مبرما علي ياجوج ومأجوج وجيوشهما في معركة فاصلة تعرف باسم هارمجدون علي حد ما يروج غلاة المتطرفين اليهود والانجليكانيين ويكون مسرحها في الشرق الأوسط.. وهارمجدون أو Armageddon كلمة عبرية من شقين معناها جبل - مجدون، وهذه العقيدة يؤمن بها غلاة المتعصبين من اليهود و المسيحيين الصهاينة من المتحالفين - مرحليا - علي ان كلا منهما يعتقد أنه المنتصر في النهاية دون الآخر بعد اعادة بناء الهيكل الخ تلك الترهات. ليالي الحلمية : عبقرية الفن المتكامل الفن عندما يتكامل السبت : أكتب هذه السطور بينما الفضائيات تنعي أسامة أنور عكاشة رأس الدراما المجسدة المكتوبة من اجل المشاهدة لا الخيال.. زفرة أسف من الاعماق تخرج ساخنة بلا شهود فان جديدا منه لن ينتظر بعد الآن.. ساءلتني نفسي كم مرة تابعت ليالي الحلمية حتي الآن بذات اللهفة والاستمتاع ؟ قلت بلا عدد يحصي ومازالت شهيتي مفتوحة لها بالانتظار.. ذات اللهفة والحنين أي سحر يضمه هذا الملف الفني ! صلتي بمسلسلات أسامة انور عكاشة بدأت في التسعينيات من ليالي الحلمية، عندما كانت مصر كلها تتابعها، ولفرط صيتها حرصنا علي أن نتابعها بدورنا من واشنطون ولو بعد حين.. كنا نشتري أشرطة الفيديو تلك ونتبادلها من بقال أرمني متخصص في بيع مأكولات الشرق الاوسط ، وكانت أروج بضاعة لديه تلك الأشرطة يتلقي من حين لآخر نسخا مهربة كل بضع حلقات في شريط... ولكم ان تتخيلوا وليمة المشاهدة الممتعة كلما حصلنا علي شريط ببضع حلقات دفعة واحدة من ليالي الحلمية تروي تعطشنا لاجواء القاهرة بينما نعيش اجواء ثقافية مغايرة بل متناقضة في العاصمة الامريكية.. انما تناقض الاجواء الثقافية هذا كان يمثل لي هزة منعشة تغذي الروح أحاول ان أستدعيها كلما امكنني ، كنت مثلا أستسيغ سماع أشرطة صلاح جاهين مع سيد مكاوي و علي الحجار في الرباعيات بينما امرق بالسيارة بين أحراش الطبيعة المغايرة في غابات فرجينيا و مري لاند تناقض يطير الخيال و يحلق.. كنت أتصور لهفي علي ليالي الحلمية من واشنطون مجرد شوق للقاهرة وحنين انما تبين لي بعد العودة أنه الارتباط بذلك العمل الفني الفريد الذي اكتملت له كل شروط الابداع والامتاع.. فما احسب ان مثل هذه الدراما المنظورة في رواية تليفزيونية قد تحقق لعمل آخر بمثل هذا التكامل الفني.. ذلك الرسم العبقري للشخصيات من خلال الحوارات جعلتها تعيش في الوجدان وكأنها لأناس قابلناها وعرفناها جيدا، بل ما زلنا نتمثلهم و نشتاق للقياهم و هذا لشيء خارق ان توحشك شخصيات خرجت من الورق ... ثم التجسيد بذلك المستوي من الاجادة لفريق من فنانين كل منهم توحد مع الشخصية بنحو بلغ فيه القمة.. أي اتقان من تأليف حوارات واخراج وتجسيد... تعاود نفسي متسائلة: كم مرة ألغيت موعدا و تهربت من مناسبة تعارضت مع حلقة من مؤلفاته الاثيرة ؟ الغريب أنني لا أستمتع بليالي الحلمية الا عندما أصطادها بالمصادفة علي احدي الفضائيات فألتزم و أواصل معها وأستمر و لا كأنها المرة الاولي! هذا الاحساس المشترك مع ملايين المشاهدين له مذاقه الخاص . محمود السعدني ان نسيت فكيف أنسي اللهفة الي لقياه والاستماع اليه ذلك اليوم عندما عرفنا أن السعدني في واشنطون ويلتقي مع الجالية المصرية في مقر المركز الثقافي... ولا كأن ام كلثوم قادمة الينا لتغني ، لفرط لهفتي فعلت يومها مالا يفعله عاقل يعايش تلك عاصمة رشيدة.. هناك عندما يعز ايجاد مكان مسموح به في قلب المدينة لتركن سيارتك يكون لزاما أن تبقي تدور و تدورالي ما شاء الله لحين تعثر علي مكان شاغر ولو بقيت علي حالك مهما بقيت ولو طيلة اليوم... يومها قابلت المحظور، فلم أعثر علي موقع او مكان لأركن السيارة، الجراجات القريبة كلها كامل العدد، والمواقع المسموح بها في الشوارع كلها مشغولة ربما شغلها أعضاء الجالية المصرية الذين تسابقوا الي الحضور للاستماع الي السعدني، فماذا أفعل؟ وموعد اللقاء أزف والتوتر يكاد يشل تفكيري ، فلم اكن لأقبل بحال ان أتاخر تحت أي ظروف ويفوتني شئ مما يقول .. ماذا عساي أفعل يا ربي؟ كنت علي استعداد تلك اللحظات أن اوقع تنازلا عن ملكية السيارة الشقراء الكامري - تويوتا لمن يخلصني منها و يعتقني في ذلك التوقيت.. في النهاية بلغ مني التوتر مداه فأقدمت علي مالم يكن له من بد، فعزمت وتوكلت وارتكبت الخطيئة المرورية الكبري التي لا يعملها عاقل في مدينة المرور فيها صارم تنشق عنه الارض في أي لحظة.. حتي لا اطيل عليكم جازفت وطلعت بالسيارة علي الرصيف وليكن ما يكون و عقلي يقول (هم يعني حيشنقوني)؟ كان المنظر عجيبا دون شك يتطلع اليه كل من يمر علي الطريق وهكذا تركتها لمصيرها كأنها هي التي تتحدي أيا من كان ، فما عاد يحدوني من هدف سوي اللحاق بموعد السعدني فلا تفوتني فتفوتة من حكاياه... اعفيكم من بقية ما حدث ، المهم انني لحقت وضحكت وفرفشت و شعرت أن الدنيا حلوة جدا واما تتابعات هذا التصرف الاخرق فقد ادي بي في النهاية الي الوقوف أمام القاضي في المحكمة غير آسفة و... ألف نور ورحمة عليك يا أستاذ البهجة والظرف والحبور .