بلا فخر فأنا صاحب ومؤلف ومبتكر تعبير »ظاهرة الحواسم« التي سادت العراق بعد دخول قوات الاحتلال الامريكي إلي بغداد في ابريل 2003 نسبة الي اسم »الحواسم« الذي اطلقه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين علي حرب احتلال العراق. قلتها ساخراً وانا أري جموع اللصوص ينظمون أكبر عملية نهب في التاريخ لمؤسسات الدولة ومرافقها العامة وحتي »الاوتوبيسات« العامة التي استولي عليها سواقها ولم يكتفوا بتشغيلها في الشوارع لحسابهم الشخصي وانما استخدموها في حمل المسروقات من الوزارات والمؤسسات والقصور. وشاهدت بعيني سيارات نقل الزبالة وهي محملة بكامل طاقتها وعلي جوانبها بمختلف انواع الثلاجات وأجهزة التكييف والمكاتب والكراسي والسجاد والابواب والمغاسل وحتي »التواليتات«! ولم يكن اللصوص من المعدمين أو الغوغاء فقط ولكن شارك في »ظاهرة الحواسم« سياسيون عراقيون جاءوا من امريكا وبريطانيا ودول أخري لينهبوا وثائق الدولة وملفاتها وتسجيلاتها من ديوان الرئاسة إلي المخابرات الي الامن الي الدفاع الي الداخلية الي التعليم العالي إلي التجارة الي التخطيط الي الاذاعة والتلفزيون الي اللجنة الاولمبية إلي البنوك التي سرقوا كل شيء فيها من الحسابات الي الفلوس. وشاركت قوات »البيشمرجة« الكردية بما تستطيع من نهب لفيالق وفرق والوية الجيش العراقي من طائرات ودبابات ومدرعات وأسلحة وذخيرة ومدافع وسيارات ومكاتب. حتي اسقف الصفيح سرقوها من المعسكرات! تذكرت هذه الظاهرة وانا أقرأ في الصحف العراقية قبل ايام عن عودة »الحواسم« اذ بعد ساعات من اغلاق مراكز الاقتراع عادت ظاهرة الحواسم أي النهب الي شوارع بغداد. لكنها لم تستهدف هذه المرة المؤسسات الحكومية والبنوك وانما لافتات الدعاية الخاصة بالمرشحين في الانتخابات النيابية والاعمدة الخاصة بها. وقد قام »الحواسميون« بسرقة تلك المواد خلال ساعات لمساعدة امانة بغداد في مهمتها. وافتتحوا لها علي الفور سوقاً خاصة في مدينة الصدر لبيعها حسب موادها وحجمها. وكشف أحد المشرفين علي »الحواسميين« انه تم وضع »خريطة طريق« للصوص قبل الانتخابات بعدة ايام تتضمن تأشير أماكن اللافتات الكبيرة المميزة واستأجروا عربات تسحبها الدراجات النارية لنقل غنائم الديمقراطية. وذكر أحد أعضاء فرق »الحواسم« ان الاكثر غلاء وطلباً بين اللافتات الدعائية هي دعايات المرشح رجل الدين العلماني اياد جمال الدين لانها كبيرة ومن مواد غالية ثم دعايات وزير الداخلية جواد البولاني ودعايات رئيس القائمة العراقية اياد علاوي ودعايات رئيس الوزراء نوري المالكي. وكشفت مصادر في غرفة عمليات »الحواسم« ان من يشتري المواد الخشبية يستخدمها في تصنيع ابراج للطيور فوق السطوح لان اسعار الخشب غالية في السوق العراقية. كما يتم استخدام اللافتات الحديدية كسقوف امامية للمحلات التجارية. أما صور المرشحين البلاستيكية فقد تحولت الي »بسطات« لبيع الطماطم والباذنجان والبطاطا! ومع ذلك يقول البعض ان الديمقراطية غير مفيدة! الا ان ظاهرة »الحواسم« ليست الوحيدة التي رافقت الانتخابات النيابية الاخيرة التي وصفها سياسي عراقي بانها »أم التزوير«. فقد نفدت حبوب امراض السكر والضغط والقلب من الصيدليات في معظم المحافظات العراقية بعد ان إزداد اقبال المرشحين الخاسرين عليها في الايام الاخيرة. وأعرب مصدر في نقابة الصيدلة عن أمله في اجراء الانتخابات كل عام لكي يحسن الصيادلة مستوياتهم المعاشية. وأقسم أحد المواطنين بالثلاثة علي طلاق زوجته المرشحة الخاسرة لانها رهنت منزل الاسرة وانفقت جميع أموالها واستدانت من الآخرين ولم تحصد سوي اصوات بعض اقاربها وصديقاتها والشغالة! وبعدما عاني أحد الازواج في محافظة بغداد من ثرثرة ونكد زوجته المرشحة في الانتخابات ومطالبها الكثيرة هددها بانها اذا لم تلتزم الصمت في يوم »الصمت الانتخابي« الذي يسبق يوم الانتخابات حيث يتوقف المرشحون عن الدعاية لانفسهم فسيقدم شكوي ضدها الي مفوضية الانتخابات لمنع ترشيحها!