إساءة معاملة المرأة المسلمة، لم يخترعها الأوروبيون الذين نتهمهم بمحاربة الإسلام، والتشهير بالمسلمين.. وإنما هناك من المسلمين من يتطوع بتقديم شهادته الشخصية التي يدين فيها الكثير من العادات والتقاليد الإسلامية. إجبار الفتيات المسلمات علي الزواج قبل بلوغهن السن الحضارية، الإنسانية.. لم يعد وقفاً علي المجتمعات العربية القبلية، وإنما انتشر الآن ليصم مجتمعات عربية كانت ذات يوم: »حضارية«، و »عصرية«، وتساوي بين الرجل والمرأة في معظم الحقوق والواجبات. فمثلاً.. إذا كنا صدمنا منذ فترة عندما سمعنا عن الطفلة اليمنية »نجود« التي أجبروها علي الزواج عند بلوغها العاشرة من عمرها، فقد تضاعفت صدمتنا عندما تكشفت أمامنا حقائق تثبت أن نفس الجريمة الوحشية، اللاإنسانية، ارتكبت ويتكرر ارتكابها في باقي الدول العربية الأصغر من اليمن والأكبر منها وإن حاول البسطاء، والسذج، منّا الإقلال من خطورتها واستسهال الزعم بأنها مجرد: »جرائم فردية.. ولا تشكل ظاهرة تستوجب القلق منها«. وللأسف الشديد.. لم يكن قهر، وافتراس، الفتيات الصغيرات مجرد »جريمة فردية« في مجتمع عريق في تحضره وعصريته مثل المجتمع المصري وإنما كان ومايزال يشكل ظاهرة أصابت كل من سمع عنها بالصدمة والذهول. حقيقة أن وزيرتنا الشجاعة،الدءوبة: »مشيرة خطاب« تحارب وتقاتل هذه الظاهرة بكل قوة و بأس القانون المصري، وتساندها في ذلك حماسة نائبنا العام المستشار عبدالمجيد محمود وحرصه الشديد علي سرعة تطبيق القانون والعدالة علي كل من يثبت أنه شارك من قريب أو بعيد في إرتكاب جريمة »قهر« و »افتراس« طفلة لا حول لها ولا قوة.. لكن حقيقة أيضاً أن هذه الظاهرة لن تختفي في يوم وليلة.. بدليل أننا نقرأ بين وقت وآخر عن سقوط عشرات أو مئات ممن تخلوا عن ضمائرهم، و تجاهلوا ما أقسموا علي الالتزام به، وقاموا ب »تزويج« فتيات في سن الطفولة إلي من يكبرونهن بعشرات السنين ولا يتورعون و»المأذون الشرعي« معهم عن التزوير في أوراقه الرسمية والزعم بأن »العروس« تخطت السن القانونية للزواج، رغم أنها في العاشرة أو دون الثانية عشرة من عمرها! وإذا كنا نشيد بما حققته وتحققه السيدة الوزيرة: »مشيرة خطاب« في تصديها بأحكام القانون لمن يبيع ابنته، ولمن ينهش طفلة بزعم حلال زواجه منها، ولكل »مأذون« تخلي عن شرعيته، وخان ما أؤتمن عليه، وتحوّل راضياً، مرضياً إلي السلاح الباتر الذي استخدمه المتوحشون في تحطيم حياة فتيات، صغيرات، بريئات، تلعن كل واحدة منهن اللحظة التي ولدت فيها وسط غابة وحوش آدميين علي ظهر الكرة الأرضية.. فلا تعني هذه الإشادة أنه لم يعد في الإمكان أبدع مما كان! علي العكس.. فما نزال ننتظر منها الكثير قبل أن نقتنع بأننا تخلصنا بالفعل من هذه الظاهرة التي أعادت مجتمعنا إلي ظلام الجاهلية الأولي! قد يقال إن الرأي العام يعارض زواج الصغيرات.. ومع اقتناعي بهذا القول إلاّ أنني لا أستبعد التأثير السييء لهؤلاء الذين يؤكدون »شرعية« زواج الطفلة الصغيرة، حتي وإن لم يدخل بها الزوج قبل بلوغها الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، لأن الهدف هو حماية الفتاة، والحفاظ عليها، داخل بيت رجلها بعد مغادرتها بيت أبيها! والأهم بالنسبة لهؤلاء هو الإبقاء عليها داخل البيت لتظل فيه آمنة، راضية، خادمة لرجلها.. حاضنة، و راعية كما نفترض لذريتها منه! وماذا عن سنوات الطفولة التي حرمت منها؟! ماذا عن المدرسة التي امتنعت عن التردد عليها؟! ماذا عن التعليم الذي وصفه راحلنا العظيم د. طه حسين بأنه كالماء والهواء.. حق لكل طفل وطفلة؟! ماذا عن كارثة زيادة نسبة الأميات في سن الطفولة سنة بعد أخري؟! و ماذا نتوقع من أم حرموها من التعليم الإلزامي أن تقدمه لأولادها وبناتها من عناية ورعاية وتربية.. هي نفسها حرمت منها، عندما ألقوا بها ذات يوم كالح بين أنياب الوحش؟! .. وللحديث بقية.