من المؤكد ان مصر بلد الثقافات والعرقيات والحريات الدينية المتعددة قد فقدت برحيل الانبا شنودة بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية التاريخية رجلا فريدا سخّر حياته لصالح وحدة الشعب المصري. كان حكيما وهادئا في مواجهة لحظات حالكة الظلام في تاريخ هذه الوحدة التي تمتد لآلاف السنين مستهدفا حمايتها من كل أشكال التآمر. تعمد الصمت في مواجهة الكثير من الاحداث المأساوية التي هزت تماسك وتلاحم الشعب المصري رافضا كل تدخل في شئونه. ولقد ظل الأنبا شنودة وحتي رحيله يحفظ للدين الاسلامي قدره ومكانته ليس علي مستوي مصر وحدها ولكن علي مستوي العالم. كان دائما عنصرا مهدئا للتوترات ونوبات الغضب.. كان مؤمنا بان تلاحم شعب مصر عرقيا وتاريخيا يعكس اهمية التمسك بالتسامح الديني بين جميع الاطراف من اجل الحفاظ علي الوحدة في مواجهة الاخطار. كان يلجأ الي الابتعاد عن الساحة في مواجهة الازمات تجنبا لاستخدام اسمه في أي شيء يسيئ الي وحدة المصريين مسلمين واقباطا.. وفي هذا الاطار توطدت علاقاته برموز الدين الاسلامي وفي مقدمتهم الداعية الفاضل الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - كان يرفض في كل المناسبات دعوات غضب الاقباط المهاجرين في الخارج للمساس بالكيان الوطني مؤكدا عدم السماح بأي تدخل خارجي في شئون مصر. تركزت عظاته دوما بالدعوة الي المحبة والاخلاص لمصر الوطن والبعد عن العنف. كان متجاوبا قلبا وقالبا مع كل القضايا الوطنية والقومية. كان يتصدي لأي محاولة للمساس بهذا التوجه تفعيلا لمقولته الشهيرة.. »مصر وطن يعيش فينا ونعيش فيه«. من ناحية اخري تميز الراحل العظيم بذكائه وحنكته وثقافته العالية ومتابعته لكل الاحداث والقدرة علي مواجهة الصعاب والازمات وايجاد الحلول لها. ولعل ما يؤكد حرصه علي العلاقة القوية بين الاسلام والمسيحية القبطية هو حفظه للكثير من آيات القرآن الكريم والذي كان يستخدمها كمرجعية في الاستشهاد بما يقول. هذه الشخصية القبطية التي رحلت عنا كانت وعلي مدي سنوات طويلة مثار إعجاب وتقدير كل المصريين واستحوذت علي حب الاخوة الاقباط . لقد وجد فيه المصريون نموذجا وطنيا كشفت الاحداث دائما عمق تفكيره وانحيازه الكامل لمصريته وهو ما تجلي دوما في الدعوة للحفاظ علي وحدة الوطن. إن ما يهمنا في هذه المناسبة الحزينة نحن رجال الصحافة والاعلام ان يعلم محبو البابا شنوده انتماءه بالعضوية الي نقابة الصحفيين المصريين.. التي كانت ومازالت.. منارة للتنوير والوحدة الوطنية. وليس جديدا القول بأنه كان لهذه البداية انطباعاتها علي شخصيته وتوجهاته. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته مع القديسين وعوض مصر واقباطها عنه خيرا وان يوفق خليفته في الاضطلاع بمسئوليات الشئون الدينية والرعوية وخدمة الوطن.. علي نفس المنوال.. آمين يارب العالمين.