نعم .. مصر وطن يسكن فينا .. عبارة جميلة ورائعة روعة قائلها الأنبا شنودة الثالث بطريرك الإسكندرية والكرازة المرقسية والأب الروحي للكنيسة المصرية .. هذا الرجل الذي تأثرنا جميعا بوفاته مسلمين ومسيحيين .. عف اللسان ونقي القلب الذي كان حريصا علي وحدة وطنه مصر التي يعشقها .. الرجل الذي كان موجودا دوما في كل المواقف الوطنية مساهما بعظاته الأسبوعية للإخوة المسيحيين ومشيدا دائما بوحدة الصف بين عنصري الأمة ومؤكدا أن مصر هي الوطن الذي يسكن في داخلنا ومن واجبنا أن نتحد لدرء الأخطار التي تحيق به .. في أحلك الأحداث التي مر بها الوطن كان المساند وكان المشارك وكان دائما صوت العقل الذي يظهر في المحن والشدائد تسبقه مواقفه الوطنية وإيمانه بأن المصريين مسلمين ومسيحيين هم الأقدر علي حل خلافاتهم رافضا مبدأ الاستقواء بالخارج أو السماح لأحد بالتدخل في الشأن المصري. كان حرص الفقيد الكبير علي ترابط الوحدة الوطنية واضحا للجميع في الأوقات التي كانت مصر معرضة فيها للفتنة .. وعاشت قضية القدسوفلسطين في ضميره ، ودافع عن القدس الشريف وعن تاريخه ومقدساته وسعي لوأد محاولات الفرقة بين المصريين ولن ننسي أن الفقيد الكبير هو من قال "لن أصلي في القدس إلا مع تحرير فلسطين" .. هذا الموقف الوطني للرجل هو مفتاح شخصيته في التعامل مع وطنه العربي الكبير .. كان بحق داعية سلام صبورا علي الشدائد .. لا يتعصب لرأي ويعرف كيف يعالج الأزمات عاقلا في وقت كانت فيه أصوات الجهل تعلو فوق الحق ومصلحة الأمة .. بوفاة البابا شنودة الثالث نفتقد رجل الدين السمح داعين بالصبر والسلوان لكل المصريين وأن يقيض الله للكنيسة المصرية رجلا يسير علي نفس المنهج السمح .. حريصا علي وحدة الأمة . يوميات وطن محاصر جذبني عنوان هذا الكتاب للأديب أشرف بيدس .. قرأته بعناية وأوجعني بمقالاته عن الوطن المحاصر .. هل هو الوطن العربي الكبير من المحيط إلي الخليج أم الوطن الأصغر فلسطين المحاصر تحت الاحتلال الصهيوني .. ربما لا فرق فالوطن الكبير محاصر أيضا .. في تقديمه للكتاب قال الدكتور إبراهيم السايح: "في زمن مضي كانت مقالات هذا الكتاب كفيلة بأداء نفس الدور الذي لعبته كتابات المفكرين والساسة والخطباء في الثورة الفرنسية ولكننا الآن لم نعد نقرأ وان قرأنا لا نفهم وان فهمنا لا نجد في أنفسنا إرادة النضال وان وجدنا هذه الإرادة فإننا سوف نصطدم بالواقع". حقيقة بذل المؤلف جهدا كبيرا في هذا الكتاب الذي يوجعك ويسبب لك حالة من الحزن الصامت وربما الاكتئاب علي حال الأمة العربية وأحوال فلسطين . هذا الكتاب بصدق هو إدانة من الكاتب لغياب النخوة العربية وفقدان الشهامة .. هو بكاء علي الوطن المسلوب الذي ضاع من بين أيدينا واسمعوا البيان قبل الأخير الذي نعي فيه حال الوطن الكبير وهو آخر مقال قبل أن تغادر آخر صفحات الكتاب.