نعلم أن الدستور هو أبو القوانين، وأنه يصاغ في مواد كلية، تتضمن المباديء العامة دون تفاصيل. لكننا نعرف، جميعاً، أن دستور 2102 هو دستور الثورة. والثورة تعني التغيير الشامل في كل منظومة الحياة بجميع مناحيها ومؤسسات دولتها. ولذلك، نرجو من واضعي الدستور الجديد وخاصة فقهاء الدستور، أن يسمحوا، هذه المرة، ببعض النقاط وبعض التفاصيل الضرورية، التي تستلزمها خبرتنا منذ 52 يناير وشباب مصر الرائع الذي فجرها، وميدان التحرير الذي كان مركزا لها بأيامه الثمانية عشر، وإعجاب العالم بها، وبمكانة ميدان التحرير فيها، مما جعله مزاراً لقادة العالم. لكن احتدام الخلافات حول وسائل استكمال الثورة، بين شبابها والمجلس الاعلي للقوات المسلحة من ناحية، وبينهم وبين الفائزين بأغلبية البرلمان من الاخوان والسلفيين من ناحية أخري.. ورفع يد أجهزة الدولة عن الميدان، وتركه مرتعاً للباعة الجائلين والبلطجية، ادي عملياً لتشويه صورة الميدان، مما يؤدي - مع الوقت - الي إهدار مكانته كرمز للثورة.. وهي خطيئة وطنية كبري. لذلك. أتمني أن يوضع نص صريح في الدستور يعظم ميدان التحرير، ويلزم جميع اجهزة الدولة بصيانة مكانته كمركز للثورة ورمز لها، واثر حضاري، ومزار إنساني. ومن يخالف ذلك يساءل بالقانون الذي سيفصل الامر كله 2 - نسبة الناخبين: لاحظنا جميعاً عزوف الجماهير عن انتخابات مجلس الشوري، مما دعا المستشار عبد المعز ابراهيم رئيس لجنة الانتخابات إلي اعتبار ذلك استفتاء شعبيا برفض هذا المجلس من الاساس. ولم يحضر المرحلة الاولي سوي 54.21٪ من الناخبين، نزلوا في المرحلة الثانية إلي 7٪، أي ان جملة الناخبين الذين ادلوا باصواتهم حوالي 01٪ من مجموع الناخبين. وهي نسبة ضئيلة جداً، خاصة إذا قورنت بنسبة ال 06٪ الذين انتخبوا مجلس الشعب. وكان السؤال الضروري والمنطقي: هل تمنح هذه الاقلية، لهذا المجلس مشروعية تمثيل الشعب، ووضع الدستور، والمسئولية علي الصحافة، واقرار القوانين المكملة للدستور؟ لقد سألت فقيها دستوريا في ذلك، فأكد موضوعية الاستنكار، لكنه قال إن ذلك لا يمكن تداركه، لأنه لا يوجد نص في قانون الانتخابات يحدد أنه يجب حضور نسبة معينة من الناخبين لكي يكون الانتخاب صحيحا. لقد تعمد النظام السابق عدم تحديد نسبة الناخبين للمجالس النيابية، لانه كان يزور الانتخابات، ويعلن نسب حضور غير حقيقية، ومع الاسف سار واضعو القانون الحالي علي خطاه.. وهذه هي النتيجة لذلك، نأمل أن يوضع في الدستور نص عام بنسب محددة لمصداقية أي مؤسسة تمثيلية. ينظمها القانون. 3 - اتساق القوانين مع روح الدستور. قال الفقيه الدستوري ابراهيم درويش ان دستور 1791، علي عكس ما يره الكثيرون أن ابوابه الاربعة الاولي ممتازة، لا يصلح. لماذا؟ لان كل النصوص الممتازة منقوضة في آخرها بعبارة: »في حدود القانون« أو »وفقا للقانون« الخ.. ثم يأتي القانون بمواد معاكسة تماماً للنصوص الممتازة اياها. وهو أمر ملموس لنا جميعاً. ولذلك، فربما يكون العلاج، هو نص دستوري بأن »يلتزم واضعو القوانين بروح الدستور، وبما لا يتعارض معها. مع ضرورة مراجعة كل القوانين، وتنقيتها مما يقيد الحريات العامة الاساسية للانسان وللشعب. 4 - العدالة الاجتماعية: إنها واحد من أهم أهداف ثورة 52 يناير، لإعادة الكرامة لملايين المصريين، الذين حول النظام الساقط نصفهم الي متسولين، وبقيتهم - عدا أقلية ضئيلة - الي كادحين يدبرون حياتهم بكفاح وعناء شديدين. عمليا اعتبرت سلطات ما بعد الثورة العدالة الاجتماعية ضرورة.. نعم، لكنها ليست اولوية أولي. وهكذا مر عام كامل ولم يوضع الحد الادني والاقصي لاجور العاملين في جهاز الدولة موضع التنفيذ. وبينما ظلت حكومتا د. عصام شرف تتراوح في مكانها، بتحديد 007 جنيه حدا أدني و 53 ضعفاً حدا أقصي، مع استثناءات لشاغلي الوظائف العليا في بعض القطاعات.. خطت حكومة د. الجنزوري خطوة أكثر تقدماً، بأن يكون الحد الاقصي 53 ضعفاً، شاملاً الدخل كله، وليس الأجر فقط، وقررت يوم 61 مارس التنفيذ بأثر رجعي اعتباراً من يناير 2102. ثم نفاجأ بلجنة الخطة والميزانية بمجلس الشعب ترفع الحد الاقصي لخمسين الف جنيه إننا بحاجة لنص دستوري يحدد أكثر مقتضيات العدالة الاجتماعية في بلد معظم عامليه يعيش علي الكفاف. وأنه لابد من تضييق الفجوة الشاسعة بين الطبقات. يسري ذلك علي سلم الأجور والضرائب والخدمات الاساسية من تعليم وصحة وسكن ومواصلات.. ومياه شرب وصرف صحي. أن يكون لذلك أولوية أولي، وتنفيذ جاد وليس شكليا، وأن يلزم الدستور، والقسم الدستوري، جميع السلطات بذلك بصياغات محددة.