في كل صباح ومساء، ومع اشراقة شمس كل يوم وغروبها بعدد أيام الاسبوع، تزداد مساحة الألم، وتتعمق الاحزان، نتيجة ما يجري في سوريا، وما يتعرض له شعبها من ذبح وقتل علي أيدي بعضهم البعض، وكلهم ضحايا لتسلط وديكتاتورية الأسد الصغير، واصراره علي البقاء في الحكم حتي آخر مواطن سوري. اليوم السبت، أو الأحد، أو الاثنين، أو أي يوم اخر لا فارق كبير، حيث في كل صباح ومساء، ومع اشراقة شمس كل يوم، وغروبها، بعدد أيام الاسبوع السبعة، وبطول الشهور الماضية، والتي كادت ان تصل لعام كامل، تزداد مساحة الألم، وتتعمق الأحزان داخل النفس،..، ويوما بعد يوم يزداد عمق الجرح الغائر في سويداء القلب المهموم بما يحدث ويجري علي الأرض السورية، من عنف ودمار، وما يتعرض له بعض ابنائها الاشقاء، من قتل وذبح علي أيدي بعضهم الآخر، في مسلسل اشبه بالكابوس البشع في ليلة سوداء مدلهمة، طالت ظلمتها، وتأخر فجرها، ولا تلوح لها نهاية في الأفق القريب. يقولون، -إذا ما صدقت الأقوال-، ان هناك ما يزيد علي سبعة آلاف قتيل، منذ اندلاع شرارة الثورة علي الأسد الصغير بشار، وحتي الآن، وأن الضحايا ربما يصلون الي عشرة آلاف، وأتعجب، ويستوقني الرقم، نظرا لتعارضه مع حصيلة الأرقام المعلنة عن ضحايا كل يوم، وأتساءل عن مدي صحته، حيث ان المتواتر في كل يوم، يتراوح ما بين الثلاثين والمائة ضحية، تزهق أرواحهم نتيجة القصف والقنص والذبح، وهو ما يجعل الحصيلة تزيد في متوسطها عن الألف ونصف الآلف في الشهر الواحد، وذلك يرتفع بأرقام الضحايا الي ما يزيد علي الرقم المذكور بكثير. ومع استمرار المأساة، وتصاعد اعداد الضحايا، تزداد حدة الألم، ويتعمق نصل خنجر الأحزان غورا في القلوب، حسرة وأسي علي دم الأشقاء المسفوح علي أرض الشام، بسيف الباطل المشرع في يد شقيقه. هذا هو شعوري صبيحة كل يوم، حينما أمد اصابعي، قبل تمام الاستيقاظ لتعث بمحرك البحث في »الراديو« الصغير الراقد علي مقربة مني، كي يتنقل بين الاذاعات ليلتقط نشرات الأخبار الصباحية، بكل ما تحمله من انباء العالم، التي تتصدرها للأسف المذابح في سوريا، وأحداثها الدامية والمفجعة، طوال الشهور العشر الماضية وحتي اليوم. ورغم اهتمامي التلقائي والطبيعي بمجريات الأحداث في العالم العربي وهو ما يشاركني فيه الغالبية، إن لم يكن كل المهتمين بالشأن العام، وجميع الصحفيين والاعلاميين،..، ورغم ازدياد هذا الاهتمام، بعد انطلاق الثورات العربية، وبدء شرارتها في تونس، وتفجرها في مصر، واشتعالها في ليبيا، وامتدادها الي اليمن، فإن لدي اهتماما خاصا بما يجري علي الأرض السورية وينتابني ألم دائم، وحزن يسكن القلب، وأسي يستوطن الوجدان جراء ما يجري هناك من عنف ودمار، وما يتعرض له أهلها من ذبح وقتل،..، وهو ما يجعلني اردد في نفسي دائما، انه لطالما كان لسوريا مكانة عزيزة علي كل المصريين. من الفرعونية.. للإسلام نعم لسوريا في وجدان المصريين، وضع خاص ومتفرد، ولها في قلوبهم مكان متميز، ومكانة عالية، ليست وليدة اليوم، أو الأمس القريب، بل هل ضاربة في عمق الزمن، وعلي مر العصور، وتعاقب الأجيال،..، ومن يلم ببعض مجريات الأحداث، وبعض سير الوقائع في التاريخ، بطول وعرض صفحاته الممتدة منذ نشأة الحضارة الانسانية، وقيام مصر الفرعونية، وحضورها المؤكد كدولة قوية ومؤثرة في مجالها الحيوي، الممتد إفريقيا وآسيويا، وما كان لها من حول وطول، وعلاقات متشعبة في محيطها الإقليمي، يجد ان هناك وجودا واضحا لعلاقات متميزة مع سوريا وأهلها، وهناك دلائل عدة علي اتصال دائم ووثيق بين الحضارتين الفرعونية في مصر، والفينيقية في سوريا. وقد استمر هذا التواصل وامتد عبر بوابات الزمن، ليزداد قوة ومتانة بظهور الإسلام، وإزدهار الحضارة الاسلامية، وسطوع شمسها لتنير رقعة واسعة من بلاد الدنيا، تضمها امبراطورية شاسعة ومترامية الأطراف تمتد من الجزيرة العربية، حيث مركز الإشعاع، لتصل بنورها، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، في قارات وممالك العالم القديم، أوروبا، وآسيا، وافريقيا، سواء في الإلزاس واللورين، أو الهند والسند والصين، أو القوقاز، بعد ان كانت قد غمرت بضيائها الاندلس قبل ذلك. ورغم امتداد العالم الإسلامي، واتساع رقعته، وتعدد السنته وأعراقه، ظلت لمصر والشام مكانة خاصة، وموضع متميز بين كل الولايات والإمارات، وظلت الروابط بينهما اكثر قربا ودفئا من روابط كل منهما بالآخرين. ورغم تغير صروف الدهر، وتبدل الأزمان، وانحسار الإمبراطورية الإسلامية واقول نجمها بعد ان لعبت بها الاهواء، وفرقت بينها المطامع وأصبحت شيعا متناحرة، وضعف شأنها، وتشتت شملها، وتجرأت عليها الدول والمماليك، وأخذت تنهش في لحمها، وتتعدي علي أرضها، ظلت القاهرةودمشق هما موطن الأمل، ومحط التطلع للعرب والمسلمين في يوم تتوحد فيه القوي العربية، تحت راية واحدة، تعيد للعرب عزتهم، وللمسلمين مجدهم كرامتهم، التي داستها سنابك القوي الباغية في غفلة من العرب والمسلمين. ورغم سوء الواقع القائم في سوريا الآن، ورغم الظلمة المخيمة في جنباتها، يبقي الأمل معلقا علي قدرة الشعب السوري علي الانتصار وإصراره علي الانعتاق من سطوة وقهر بشار،..، لتسطع من جديد شمس الحرية والديمقراطية، علها توقظ أمة طالت غفوتها، واستمرأت ضعفها، فغرقت في ثبات عميق. حتي آخر مواطن سوري وإذا كان ألمنا يزداد في كل يوم نتيجة المذابح الجارية في الشقيقة سوريا، والتي تزداد حدتها يوما بعد يوم، فالثابت ايضا انه لا توجد نهاية قريبة للمأساة السورية، في ظل الانقسام الدولي بشأنها، وعجز المجتمع الدولي عن اتخاذ موقف موحد تجاه ما يجري هناك. واللافت للنظر، انه في الوقت الذي تنظر فيه الدول الغربيةوالولاياتالمتحدة، لما يجري في سوريا، علي انه ثورة شعبية سلمية خالصة، ضد حكم الأسد الصغير بشار، طالبة الخلاص من الديكتاتورية وحكم الفرد، والحزب الواحد، توقا الي اقامة دولة ديمقراطية حديثة، تقوم علي الحرية والتعددية واحترام حقوق الانسان،..، وهي تقريبا وجهة نظر العديد من الدول العربية ايضا. فإن هناك دولا اخري ذات قوة وتأثير علي الساحة الدولية، مثل روسيا والصين، تري ان ما يحدث ليس ثورة شعبية، ولكنه تمرد مسلح لجماعات لها اغراض ويتم دفعها ومساعدتها من الخارج بالمال، والخبراء، والسلاح بهدف قلب نظام الحكم، وأن ذلك لا يتطلب اطلاقا التدخل الدولي في الشأن السوري الداخلي بأي حال من الأحوال. ومن هنا لم تفلح المحاولات المتكررة من جانب الولاياتالمتحدة والدول الأوربية، في استصدار قرار من مجلس الأمن مشابه لما حدث في ليبيا، لردع الاسد ، بحيث يتيح للمجتمع الدولي التدخل لحماية المدنيين وانقاذهم ، حيث استخدمت روسيا والصين حق الفيتو، وحالت دون صدور القرار، واقتصر الأمر علي بيان يطالب الأطراف بحل سياسي يأتي عبر مائدة المفاوضات. وفي ذات الإطار، فشلت جميع الجهود العربية التي تمت من خلال الجامعة العربية، وغيرها، لوقف الكارثة واقناع الأسد بوقف قصف المدنيين، وإيقاف عمليات القتل والدمار الدائرة هناك، وهو ما دفع العديد من الدول العربية، لسحب سفرائها من دمشق، والمطالبة بدعم الثوار، والجيش الحر السوري، الذي انشق عن جيش الأسد، بالاسلحة والمعدات. والآن.. الصورة علي ابشع ما تكون في سوريا، وشلال الدم المسفوح لابناء الشعب مستمر علي ايدي اخوانهم من السوريين ايضا،..، ونحن في الحقيقة لا نجد فرقا بين من هو علوي، أو سني، أو شيعي من ابناء سوريا، فكلهم بالنسبة لنا اخوة، وكلهم مسلمون، وكلهم ضحايا لديكتاتورية وتسلط بشار، واصراره علي البقاء في الحكم حتي اخر مواطن سوري.