قمة غير تقليدية ونتيجة غير طبيعية تلك التي جاءت عليها المباراة المرتقبة بين الزمالك والاهلي في دور ال 61 لكأس مصر والتي جرت تحت الاضواء الكاشفة لاستاد القاهرة مساء أول أمس.. خلت هذه القمة من الاداء التحفظي الحذر الذي عادة ما تشهدها قريناتها السابقات.. البدايات شهدت هدفا مبكرا للأبيض هز به الشباك الحمراء قبل اكتمال الدقيقة الاولي.. وتصور الجميع ان هذا الهدف سيكون عربونا ومقدما لتفوق كاسح.. غير ان الأمور تغيرت وتبدلت لصالح الاحمر قبل مضي اقل من عشر دقائق تخللتها فرص خطرة وسيطرة نسبية وانطلاقات جانبية وتمريرات عرضية وتم ترجمت كل هذه المعطيات الفنية إلي هدف صاروخي انطلق من قدم نجم المباراة الاول شريف عبدالفضيل ليسكن الزاوية العليا اليسري للمجتهد عبدالواحد معلنا عودة اللقاء إلي نقطة البداية التعادلية. العلامة الفارقة في الربع ساعة الاولي تجلت في الرغبة المحمومة لدي جميع اللاعبين من الطرفين لترجيح كفة فريقه والاسهام في تحقيق الفوز له وهو ما قد عرض واحدا من افضل وامهر واصلب الاوراق البيضاء إلي اصابة بخلع في الكتف وخسر الزمالك جهود ابراهيم صلاح الذي يشبه إلي حد كبير حسام عاشور في الناحية المقابلة وبذلك اهتزت منطقة الوسط واتاح ذلك لبركات وابوتريكة ان »يعيثا« حركة ونشاطا وانطلاقا بمعاونة احمد حسن وعبدالفضيل ومعوض ولم يتمكن مدافعو الزمالك ولا خط وسطه الذي هبط اداؤه بعد مشاركة صبري رحيل الفاقد للكثير من الحساسية في الحد من هذه الانطلاقات، بينما تمكن الدفاع الثابت والمنظم للاحمر بقيادة الخبير وائل جمعة من تحجيم المحاولات الفردية لشيكابالا الذي لم يكن في مستواه المهاري المشهود بارتفاعه والمراوغات والمحاورات التي مارسها ياسر المحمدي ولم تسفر عنه امدادات منتظمة لزملائه فشعر جعفر بحالة من الانعزالية والغربة ولم يتمكن من القيام بأية غزوات موفقة أو حتي تسديدات بعيدة المدي وهو ما سمح للاحمر من مواصلة تفوقه وتألقه وتعملقه أغلب فترات المباراة وترجمة كل هذا إلي هدفين تاليين في الدقيقة 93 و25 ثم تمضية النصف الأخير من الشوط الثاني في عمليات استهلاك للوقت من خلال التمرير المتقن والمتنوع دون ابداء أي رغبة في التعزيز ويجدر بنا ان نحدد بعض المعالم الفنية والملاحظات الخططية التي واكبت هذه القمة. أداء خططي أوضحت القمة ان الاداء والانتاج لا يتوقف فقط علي حجم العطاء واللياقة وحتي الكفاءة.. وإنما ايضا يعتمد علي أعمال التفكير وحسن التدبير والاعتماد علي التخطيط.. كانت الدوافع الإرادية والمقومات المعنوية والمعطيات الحماسية لصالح الأبيض.. بينما رجحت كفة الأحمر أمور أخري كتماسك الخطوط وحسن الانتشار وتوسيع جبهة الهجوم وتكثيف وتنويع الانطلاقات والتعاون المثمر والتفاهم الجماعي وتشكيل ثنائيات وثلاثيات شغلت الجبهات.. حرص حسام البدري علي تحييد وتجميد طاقات وابداعات أفضل لاعبي الزمالك علي الاطلاق شيكابالا فأفقده حرية التصرف وسرعة الحركة وشغله بمحاولة الهروب من الرقابة والابتعاد عن طريق »الغتيت« حسام عاشور عن التفاهم والتنسيق مع زملائه ومن ثم لم يجد حسين المحمدي التعاون الصادق ففشلت محاولاته.. وفي المقابل كان لتحركات بركات تأثير عميق وعنيف في الدفاعات المقابلة ولولا سوء التوفيق والتسرع في انهاء الهجمات لتمكن ابوتريكة وربيبه بركات من هز الشباك بضعف عدد الاهداف المسجلة. هشاشة »الدكة« القائمة البديلة تحدد بنسبة كبيرة مدي قدرة المدير الفني علي مواجهة الاحتمالات الطارئة.. ولو كانت »الدكة« تضم بعض الجاهزين بدنيا وفنيا ولديه من حساسية المباريات القدر المقبول لما تأثر أداء الابيض بصورة واضحة لخروج ابراهيم صلاح لاعب خط الوسط في الزمالك.. لم يسد صبري رحيل الفراغ الذي نشب باصابة صلاح.. واعطي هذا الفرصة للاعبي الاهلي لفرض سيطرتهم النسبية علي هذه المنطقة الخطرة وارهقوا لاعبي الزمالك الذين تصدوا للانطلاقات المتنوعة طولا وعرضا وعمقا بكل قدرة وطاقة غير ان هذا التصدي واجه هزات وهفوات اثمرت عن اخطاء تمكن من خلالها الأحمر في هز الشباك ولولا عملاقيه وموهبة وخبرة عبدالواحد السيد لما توقفت النتيجة عند هذا الحد.. ولا يجب ان نتهم مدافعي الزمالك بأنهم تعمدوا اصابة زملائهم بجروح قطعية، كما حدث لجمعة وفضل.. فالاصابات جرت والطرفان في الهواء وهو يجعل التحكم في الاعضاء صعب للغاية.. ولقد استفاد البدري بوجود اوراق بديلة جاهزة لديه.. فدفع بأحمد فتحي وجيلبرتو وفرانسيس وحتي وان لم يكن هذا الثلاثي مؤثرا في المباراة غير انهم حافظوا للفريق علي تقدمه وعوضوا نسبيا خروج الأوراق الأساسية للارهاق وعدم التوفيق. القادمون من الخلف الدفاع الصلب يمنح لاعبي أي فريق القدرة علي التقدم المأمون والمضمون في سعيهم لتحقيق الغاية الاسمي من الاداء وهي التهديف وهز الشباك.. ورغم ان الدفاع الاحمر لم يكن بالتماسك والصلابة أو حتي التعمق المأمون والمضمون.. غير انه ضاعف من حذره وتعاونه بعد الهدف المبكر الذي هز شباكه.. ولابد من ان نلفت النظر إلي خبرة وائل جمعة الدولية والتي ضاعفت من تماسك الدفاع الاحمر والتصدي لبعض المحاولات الفردية التي حاول احمد جعفر في استثمار البالونات العالية في الصندوق.. بينما تكفل حسام عاشور بعكننة الحالة المزاجية للموهوب شيكابالا وتولي شهاب الدين احمد القضاء علي نسبة كبيرة من خطورة المحمدي.. ومنح هذا الفرصة لطرفي الدفاع معوض وعبدالفضيل في التقدم لتكثيف الهجمات وجربا احيانا أما التسديد البعيد وهو ما أثمر عن الهدف الثالث الذي أكمله ابوتريكة برأسه من تسديدة متوسطة لعبدالفضيل.. أو تمرير عرضي متقن ودقيق لمعوض ولولا العجز الذي اصاب قدم معوض اليمني لتمكن من احراز هدف وهو يكاد ينفرد بعبدالواحد داخل منطقة الست ياردات.. وفي المقابل كانت انطلاقات احمد غانم محدودة والمحاولات المتعددة لافضل مدافعي الزمالك محمد عبدالشافي لم تنته نهايات قوية لقلة التعاون وندرة التفاهم. عدد المهاريين وكثرة المواهب في أي فريق تمنحه ثقلا فنيا وتضاعف من خطورته وتزيد من كفاءته ولاشك ان هذه المقومات كانت متوفرة بنسبة اكبر في الجانب الاحمر.. نذكر منهم علي سبيل المثال احمد حسن واحمد فتحي وابوتريكة وبركات وجمعة.. وبدرجة اقل معوض وعبدالفضيل وعاشور وفضل، بينما انحسرت هذه المقومات عن الكثير في الجانب الأبيض وتركزت في شيكابالا وحسين المحمدي وبدرجة اقل في فتح الله وعبدالشافي وعلاء علي.. ولست ادري لماذا لم يدفع الكابتن حسام حسن بالاخير من البداية مع انه يتمتع بمهارات وقدرات قد لا تتوفر في الاساسيين اقلها قدرته علي التسديد بدقة بقدمه اليسري.. ولايجب ان نغفل موهبة ومهارة نجم الزمالك الاول عبدالواحد السيد الذي زاد عن شباكه ببسالة ولولاه لتضاعفت النتيجة. الدوافع وحدها لا تكفي الدوافع المعنوية والصفات الإرادية تسهم في تقليص وتقريب الفوارق والمسافات الفنية بين المتنافسين.. لكنها وحدها لا تكفي لترجيح الكفات وتعلية وتنمية الانتاجات.. ومن ثم فإنها أي الدوافع تحتاج لعناصر ومقومات أخري كالخططيات والبدنيات والمهارات والتعاونيات فالعضلات وحدها والحماس بمفرده لا يكفي.. ولاشك ان لاعبي الزمالك كانوا اكثر حماسا واعمق شحنا وأعلي من الناحية المعنوية.. لكن انعقدت النهاية الايجابية لاصحاب القدرات والامكانات ا لأشمل والأوفر والأكثر.