سؤال .. ستضحك من بساطته.. وتبتسم من "عبطه".. وستهز رأسك استهزاء من سذاجته مع أنه ليس كذلك! سؤال سألته لنفسي وأنا أشاهد أغلب من حولي يفضلون المال دون حتي شروع في العدول عنه، بعد أن صاروا يحبون المال حبا جما ، فيذوبون في عشقه ، ويبتهلون من أجله ، ويهيمون علي وجوههم من فرط وجدهم ، ويهجرون أحباءهم في حال نقصه.. ويقتلون وينتحرون بسبب غيابه ، ويرحلون عن الأوطان في سبيل جمعه وكنزه! هكذا تقول الشواهد..وتتحدث صفحات الحوادث.. وتدور الأحاديث.. وتحتد الآراء..وتتباري الأقلام! صار هناك بورصة المال.. ودوائر المال.. وأحوال المال.. وحديث المال.. ورجال المال.. وصراع المال.. وزمن المال.. وعلم المال.. وحياة أهل المال.. وتزاوج المال.. واندماج المال.. وسلطة المال.. وجنون المال.. وفن صناعة المال! وأصبح هناك بنوك لحفظ المال.. وجرائد لكتابة أخبار المال.... وصار العلم يكال وفقا لمقياس المال.. والرجولة تقيم بالمال.. والحبيب يشتري بالمال.. وتربية الأبناء تتم علي محور قدسية المال! أما أين تواري الجمال ؟ فلم يعد أحد يفكر أو يتساءل .. أو حتي يتحسر..بل ربما أصبح حتي يتحاشي الإجابة! لقد غاب جمال الإنسان.. وجمال الخلق.. وجمال الروح.. وجمال الحب.. وجمال الإيمان! ولقد انسحب جمال مدينتنا.. واصفرت أوراق أشجارنا.. وانهزمت حلاوة طرقاتنا.. وتناثرت عبر الأرصفة شتائمنا.. واستحكمت سجون أنفسنا.. واغتيلت ابتسامة أطفالنا.. وتراجعت كلمات راقية من ساحات أحاديثنا.. وتراكمت قمامتنا.. وتزايدت وحشية جرائمنا.. وانتهكت براءة إنسانيتنا.. وزادت غشاوة أعيننا.. والتزمنا قشور ديننا.. وغششنا ميزان أعمالنا.. وسرقنا حقوق غيرنا.. وتنازلنا عن كلمة حق لنا.. وغابت ضمائرنا.. وتاجرنا في مشاعرنا .. ولوثنا نيلنا.. وبعنا في البوتيكات علمنا .. وألقينا في عرض الشارع بقيمنا.. وألغينا كلمة الحب من قاموسنا.. والتضحية من ناموسنا.. والعطاء من ذاكرتنا.. والنزاهة من سلوكنا.. والإبداع من حلولنا.. والأحلام من مخيلتنا! لقد اخترنا أن نعيش فوضي الاغتصاب في أحراش غابة المال عوضا عن عفة وعذرية مدن الجمال! فانطفأ نورنا.. وتراجعنا بين الأوطان.. وتأخرنا عن اللحاق بالركبان.. ومات فينا وفي مصرنا الإنسان .. ذلك أنه عندما يفقد المال صوابه.. يفقد الجمال مدلوله.. فيا أيها العاشقون للمال.. يزول المال علي كثرته.. ويبقي الحال علي خيبته! مسك الكلام.. إذا جمعت بين المال والجمال.. فأنت ابن حلال!