هل يحتمل العالم أزمة كبري تضرب نظامه الاقتصادي والمالي بينما لم يتعاف بعد من اثار الأزمة الكونية التي كان مركزها أمريكا وامتدت تداعياتها إلي أوروبا ولم تلبث أن ألقت بظلالها القاتمة علي أرجاء المعمورة؟ ثم ماذا يحدث بعد أن يلملم العالم نفسه ويعبر الأزمة التي لم تستثن شركة كبري أو بنكا عملاقا أو مؤسسة عابرة للحدود؟ السيناريوهات تتعدد، والتصورات تتفاوت بحسب النقطة التي تنطلق من عندها، لكن ما يشبه الاجماع حول ثورة في معالم اقتصاد المستقبل، وسط ملامح مختلفة للمشهد الدولي تشمل انقراض القوي العظمي بمفهومها الراهن وظهور نظام متعدد الاقطاب، يقود بالتالي إلي نظام نقدي متعدد كذلك، عالم يكون أمام خيارين: نظام ثلاثي للعملات: الدولار، اليورو، اليوان، أي عملات أكثر ثلاثة اقتصادات بحلول الربع الثاني من القرن ال12، وهي الولاياتالمتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين، أو صياغة بديل توافقي بشأن عملة عالمية جديدة. وإذا كان هناك سابقة يقاس عليها، تتمثل فيما سمي ب»حقوق السحب الخاصة« التي أصدرها صندوق النقد الدولي في ستينيات القرن الماضي، فان ثمة اتجاهاً إلي عودة الذهب إلي قلب المشهد مرة أخري، ذاك المبدأ الذي اقرته الدول الصناعية الكبري عام 4491، والقاضي بالالتزام بمعيار الذهب كمعيار عالمي لتحقيق الاستقرار العالمي للعملات. مرة أخري، بدأ بريق الذهب يدفع الكثيرين نحو عودة العالم إلي معيار الذهب، بل ان هناك من ذهب لأبعد من ذلك، لاسيما مع الانحسار التدريجي لهيمنة الدولار. الذهب نفسه، لماذا لا يكون عملة للتداول؟ العالم جرب الاسترليني الذي كان له غطاء ذهبي، ثم الدولار الذي لفظ ارتباطه بالذهب سريعا، ولم يعد يدعمه أي شيء أكثر من مجرد أوامر من جانب الحكومة الأمريكية، لكن ذلك لم يؤد إلا إلي طباعة أوراق بنكنوت بلا حساب، فاقمت من الديون، وعرضت العالم لازمات مالية واقتصادية، وضعت البشر في مهب الريح! الازمة الأخيرة التي كانت أقرب إلي تسونامي مالي واقتصادي دفعت باتجاه تفكير قوي للعودة إلي المعيار الذهبي، بل وإلي اعتماد الذهب كعملة! حدوث تغييرات أكثر تقلبا في قيمة الدولار من جهة، والصعود الصيني من ناحية أخري، واصرار أوروبا علي مواصلة وحدتها النقدية من جهة ثالثة تصب فيما يبدو في خانة بعينها: البحث عن البديل الأفضل لعملة عالمية جديدة، وربما يكون علي الجميع عند بحثهم عن صياغة نظام نقدي تعاوني، حتمية التفكير في استخدام الذهب كمعيار للقيمة، قد تكون الظروف غير مهيأة، الآن، لكن عندما يكون الأمر متعلقا بالمستقبل، فان هذا التوجه يصبح من شأنه تجنب الكثير من الاخطاء والمخاطر التي عاني منها العالم علي مدي عقود. ولعل التجربة التي انطلقت نهاية العام 1102 من سويسرا -وتحديدا بورصتها- باستخدام الذهب مقابل الخدمات المقدمة، تعني تشغيل الذهب كعملة تماما، بل ان من يدخل في نطاق هذا النظام سوف يكون عليه امتلاك حساب مقوم بالذهب، شأنه شأن أي حساب بالدولار أو اليورو، وبالطبع الفرنك السويسري. التجربة السويسرية قد تغري آخرين باقتفاء أثرها، ومن ثم ومع مزيد من تواضع الثقة بالعملات الورقية لاسيما الدولار بعدما حاق به من سمعة سيئة، فان عودة معيار الذهب إلي جانب التفكير جديا في عملة عالمية جديدة مقومة بالمعدن النفيس، تطورات -في مجملها- تقود إلي ان يرسم بريق الذهب الكثير من ملامح النظام النقدي العالمي، والمشهد الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين ليس فقط علي الصعيد العالمي، ولكن أيضا من خلال تجارب وطنية -وربما اقليمية- تحاكي النموذج السويسري!