مصطفى عبدالله بعد ربع قرن بالتمام والكمال من حلولي ضيفاً، لأول مرة، علي مهرجان الجنادرية في الرياض في دورته الثانية. تلقيت دعوة جديدة للمشاركة في دورته السابعة والعشرين التي افتتحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود قبل أيام في هذه الضاحية التي يحمل اسمها هذا المهرجان الوطني للتراث والثقافة، والتي تبعد نحو أربعين كيلومتراً من العاصمة السعودية، لذا فقد كان من الطبيعي- طوال الأيام السبعة التي عشتها علي هذه الأرض- ألا أكف عن عقد المقارنات بين ما كان عليه هذا المهرجان، الأهم في المملكة، وما آل إليه اليوم. قبل ربع قرن كان هؤلاء هم ضيوف هذا المهرجان: يوسف إدريس، عبد الوهاب البياتي، بلند الحيدري، أحمد عبد المعطي حجازي، مكرم محمد أحمد، ومحمود السعدني، الذي فجر، بحسه الساخر حتي من ذاته، الموقف عندما قال لهشام ناظر، وزير البترول السعودي الأسبق، علي مأدبة العشاء: "بقول لك ايه.. ما تيجي نحط فلوسي علي فلوسك ونصرف سوا!". في ذلك الوقت كان برنامج المهرجان ينهض في الأساس علي سباق "الهجن" علي اعتبار أن الجمل يتمتع بمكانة خاصة في هذا المجتمع، فعلي ظهره قام الملك عبد العزيز بتوحيد أرجاء المملكة. كما كانت البطولة للشعر النبطي في هذا المهرجان الذي يتقدم فيه "التراث" علي "الثقافة"، بينما كان شعر الفصحي والحلقات الدراسية مكملين لهذه الأجواء الاحتفالية. وبالطبع لم يكن متاحاً لضيوف المهرجان من مختلف أرجاء العالم العربي لقاء المرأة السعودية المبدعة أو المفكرة، فقد كان الاختلاط أمراً مستحيلاً. لذا توقفت طويلاً أمام هذا التحول في وضعية المرأة السعودية من خلال ما لمسته في الأنشطة الثقافية التي تولي إعدادها الكاتب حسن بن عبدالله الخليل، رئيس تحرير مجلة"الحرس الوطني" لهذه الدورة السابعة والعشرين، فالمرأة تتوسط المنصة، بل وترأس الجلسة، كما أنها تسهم في إذكاء روحها بمداخلاتها من الصالة التي لا سقف لها رغم حساسية الموضوعات المطروحة للنقاش في المجتمع السعودي، مثل: الثورات العربية، وعلاقة المثقف بالسلطة، وأسباب البطالة، ووضعية المرأة، والاصلاحات التي يجب أن يشهدها المجتمع. ولا يمكن أن تنمحي من الذاكرة صورة الدكتورة ميساء الخواجا التي رأست ثاني الجلسات حول "المثقف العربي والمتغيرات السياسية"، فقد نجحت في إشاعة جو من الحيوية في هذه الندوة، رغم غياب ثلاثة من فرسانها، الصديقين: الدكتور معجب الزهراني، الحائز علي الدكتوراه من جامعات فرنسا، والذي شاركته، قبل عشرين عاماً، إحدي المناسبات الثقافية في إسبانيا، والدكتور خالد الحروب، الأستاذ بجامعة كمبردج، وعضو مجلس أمناء "البوكر العربية"، ويوسف مكي. وربما يؤيد فارسا هذه الندوة: الناقد الأردني فخري صالح والكاتب السعودي الدكتور سعيد السريحي هذا الرأي، ولا سيما عندما تصدت ميساء بذكاء وحزم بالغين لأحد الحضور لمجرد اتهامه بتسلط المرأة علي القاعة. والطريف أنني عندما سألت عنها بمجرد أن انفضت الندوة علمت أنها اتجهت إلي المطار للمشاركة في أنشطة المملكة ضيف شرف معرض الدارالبيضاء للكتاب. ولم يقتصر الاهتمام بالمرأة خلال هذه الدورة علي السعوديات فحسب، فقد وجهت الدعوة للعديد من الشاعرات العربيات للمشاركة في الأمسيات التي توزعت علي مختلف أرجاء المملكة: فالكويتية سعدية مفرح ذهبت إلي الإحساء، واليمنية ابتسام المتوكل، والمصرية أسماء عواد كانتا في الرياض، كما علمت أن التونسية آمال موسي حلت، قبل شهور، ضيفة علي "سوق عكاظ" في الطائف. وإذا لم يكن أمام ضيوف الجنادرية، قبل ربع قرن، سوي حضور هذه الأنشطة المسائية، في الأغلب الأعم، فإننا في هذه الدورة تمكنا من متابعة أكثر من حدث موازٍٍ مثل: إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك عبد الله للترجمة في دورتها الخامسة في حفل أعلن فيه الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز، رئيس مجلس أمناء جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، قرار الملك بمضاعفة قيمة الجائزة التقديرية للمكرمين من الأفراد من 250 ألف ريال إلي نصف مليون، وزيادة قيمتها في كل فرع من نصف مليون ريال إلي 750 ألفاً، وتدشين بوابة إليكترونية تتيح لنا حصر الكتب المترجمة إلي العربية لتنسيق الجهود بين المراكز والهيئات المختلفة المعنية بأمور الترجمة والنشر في مختلف أرجاء عالمنا العربي.