جمال الشرقاوى أي شعور بالمرارة انتاب أهل مدينة بورسعيد وهم يجدون أخوتهم المصريين يحملونهم وزر جريمة الاستاد.. ويعلقون في رقابهم ذنب أرواح 74 شابا من عشاق الرياضة.. في مذبحة أدمت قلوب جميع المصريين.. وأولهم أهل بورسعيد انفسهم. لقد بلغت المأساة ذروتها عندما وجد البورسعيدية أهالي المحافظات المجاورة يقاطعونهم.. ويمتنعون عن مدهم بالغذاء وما يحتاجون له من مستلزمات الحياة.. وبلغت المأساة ذروتها عندما قام مواطنو المحافظات الاخري، ومنها القاهرة، بمهاجمة وتكسير أي سيارة تحمل اسم بورسعيد.. وكان مؤثراً للغاية قول البدري فرغلي نائب بورسعيد الذي يحظي بتقديرجميع المصريين لمواقفه المشرفة في البرلمان، عندما كان البرلمان تحت سيطرة الحزب الوطني.. أنه اضطر للمجيء إلي مجلس الشعب بسيارة ملاكي القاهرة! وكان رائعاً، ولائقا وجديراً بأهل بورسعيد أن هبوا في حركة قوية وشامخة يدافعون عن شرفهم واخلاقهم، وهتفوا »بورسعيد بريئة«، وامتد دفاعهم عن روح مدينتهم، بالبحث الجاد عن المجرمين الذين ارتكبوا المذبحة، لتلويث سمعة وشرف مدينتهم الغالية عليهم وعلي الوطن كله. واضطر اهل بورسعيد لتذكير المصريين بتاريخهم وتاريخ مدينتهم الباسلة في مقاومة كل عدوان علي مصر باعتبارها، مع السويسوالاسماعيلية، خط الدفاع الاول عن الوطن كله. وكيف أدت مقاومة بورسعيد المجيدة، بمشاركة وطنية واسعة. إلي دحر العدوان الثلاثي، وانسحاب القوات البريطانية والفرنسية، وكتابة الفصل الأخير في حياة الامبراطورية البريطانية.. فقد كانت مقاومة بورسعيد والانتصار علي العدوان الثلاثي علامة فارقة في التاريخ العالمي كله.. كما كانت ذروة مجد جمال عبد الناصر وثورة يوليو، بكل تأثيراتها علي المنطقة وافريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. أين ذلك التاريخ الذي نعرفه وتعتز به اجيالنا. من عقول ووجد ان اولئك الذين بلغ بهم الأمر الي حد محاصرة بورسعيد ومخاصمة أهلها؟ »لماذا يضطر البورسعيدية إلي تذكيرنا بتاريخهم.. وهو تاريخنا كلنا.. تاريخ مصر الوطن والشعب! الحقيقة أن مؤامرة جرت في سنوات حكم النظام الساقط، لطمس تاريخ بورسعيد، وكل مدن القناة.. مما يقتضي احياء هذا التاريخ، وغرسه في وجدان تلاميذ المدارس في كل مراحل التعليم. إن أي دولة سوية في العالم تعتز بأن من مدنها مدينة واحدة مثل بورسعيد.. فما بالكم ونحن لدينا ثلاث مدن مناضلة في القرن العشرين وحده.. عدا ما سبقها كالمنصورة ورشيد وغيرها.. لقد كانت بورسعيد مركز المقاومة للعدوان الثلاثي عام 1956.. لان القوات المعتدية ركزت الهجوم عليها وأنزلت قواتها فيها، باعتبارها مفتاح قناة السويس علي البحر الابيض المتوسط.. واساطيلهم الموجودة قرب شواطئها.. وكانت مقاومتها الباسلة هي التي اسقطت هدفهم بالعودة للسيطرة علي القناة.. لتحملهم سفن تلك الاساطيل عائدين مدحورين.. أما الاسماعيلية فكانت مركز المقاومة المصرية ضد قوات الاحتلال البريطانية التي تمركزت في كل مدن القناة، بعد انسحابها من القاهرة وبقية المدن المصرية. لقد تدفق المقاومون من كل مصر إلي مدينة الاسماعيلية وحولها. وفيها تجمعت قوات مكثفة من »بلوكات النظام« - الأمن المركزي الآن - لينضموا إلي زملائهم من رجال بوليس المدينة.. ثم يصل وينضم مجموعة من ضباط البوليس الشجعان المتحمسين لتحرير بلادهم.. يشجعهم وزيرداخلية وطني هو فؤاد سراج الدين سكرتير عام حزب الوفد.. وينقل مساعدوه السلاح والذخيرة إلي المقاومين.. إلي مجموعة رائعة من الضباط الاحرار ليلتحم الجميع في معركة وطنية عظيمة سجلتها صحف الانجليز كصفحة فخار بالذات لرجال البوليس المصريين.. ورمزهم اللواء مصطفي رفعت - اليوزباشي عندئذ - أطال الله عمره، وعمر زميله اللواء صلاح دسوقي.. وألف رحمة وتحية لارواح زملائهم: صلاح ذو الفقار وعبد الكريم درويش وسعد الدين وهبة وبقية ابطال هذه المعركة.. معركة 52 يناير 1952 في الاسماعيليةوالسويس وبورسعيد والتل الكبير.. أما السويس ومقاومتها الباسلة ضد قوات شارون الاسرائيلية التي اخترقت الثغرة.. فلايزال أبطالها موجودين، وفي مقدمتهم الشيخ حافظ سلامة أطال الله عمره وقد عرضها الإعلامي اللامع عمرو الليثي في برنامجه منذ سنتين.. وكانت ملحمة بطولة وطنية بكل المعايير.. لكن لا يعرف قدر الوطنية الا الوطنيون.. فكنت كلما تحدثت إلي أبطال معركة الاسماعيلية: مصطفي رفعت وصلاح دسوقي، مشيداً بدورهم ووطنيتهم، أرجعوا كل الفضل لأهالي منطقة القناة ومدنها.. قائلين دائماً أثمانا هائلة من الأرواح والممتلكات والارهاب الاستعماري الذي كان يتفنن في التعذيب. فلا تحزنوا يا أخوتنا في بورسعيد.. وها هي جماهير مصر الواعية وفي مقدمتها كتابها وفنانوها ورياضيوها وسياسيوها قادمون إليكم.. في جمعة بورسعيد.. بينما أكتب هذه الكلمات.. بكل الحب والعرفان لكم يا أهل القنال.