" بالحب وحده سلمت قلبي إليك وبدون إيصال، وعندما تغرب الشمس ويجيء القمر يظهر المحبون ويختفي رجال الشرطة، وبعد سهر الليالي لا نأخذ من الحب سوي خطابات دون توقيع، وصور دون إهداء، وذكريات بلا ملامح، لكن يبقي من عشق الوطن خريطة لا تتغير وتاريخ لا يموت.. فعبر التاريخ يموت المواطن من أجل الوطن وليس العكس". كلمات لا تنسي ولا يجب ان تنسي لانها تلخص عبقرية امام الساخرين جلال عامر الذي فارق الدنيا وهو يقول " المصريين بيقتلوا في بعض "، لم يتحمل ما يراه من هيستيريا عبثية غير مفهومة، رغم مواجهته لاصعب الظروف واحلكها بالكلمة الساخرة التي تشق طريقها بسكين النقد اللاذع، السخرية المغلفة بالمرارة جعلته يقول "من الذي حول بورسعيد من مدينة باسلة تحارب ثلاث دول الي مدينة تحارب من أجل ثلاث نقاط ؟ "، لم يتحمل جهل جنرالات الاعلام والفضائيات الذين اشعلوها نارا بالتحريض المباشر ضد كل شعب بورسعيد، كان يدرك بفكره وحسه الوطني ان الجهل الاعلامي سيترك وراءه بداية تقسيم مصر المعنوي والجغرافي، لان هدم وتفكيك الوطن من داخله لا يحتاج إلا لتعميق الكراهية بين ابنائه، اذا ما نجحت في ذلك فتيقن ان الوطن سيتحول امامك إلي اشلاء، لهذا اكد جلال عامر علي مصيبة الوطن بقوله " "اطفئوا حرائق الجهل، ثم أضيئوا أنوار العلم"، وقال مؤكدا وملخصا " أسوأ ما في "الأمة" هو "الأمية "، واعتقد انه لم يكن يقصد نسبة ال 40 ٪ الذين لا يعرفون القراءة والكتابة في مصر، انما كان يقصد " أمية " من تخرجوا من الجامعات، و " أمية " جنرالات الفضائيات والصحف الصفراء ! قال جلال عامر انه ولد مع ثورة 25 يناير، ولد في ميدانها وشارك فيها وتحمس لها، لم يقل انه من مواليد ثورة 1952 العام الذي جمعني به في الميلاد ذ لم يعرف الناس عنه انه من الابطال الذين شاركوا في حرب اكتوبر، وممن شاركوا في تحرير مدينة القنطرة شرق، واكتشف الناس انه اوصي بالتبرع بقرنيته عند موته لاحد مصابي الثورة، لكن من سخريات القدر في مصر العجب والعجائب ان المستشفي الذي لفظ به انفاسه لم تكن مجهزة ببنك لحفظ القرنيات، ولو علم جلال عامر بذلك لاتحفنا بما يليق من سخريته التي كانت تخفف عنا الام حدة الاكتئاب، فذلك المستشفي الملعون في الاسكندرية المحروسة حرمه من تحقيق الوصية، وحرمت مصابا من ابناء الثورة لكي يعود اليه البصر ! اخي جلال عامر، صديقي الطيب، اكرمك الله بالرحيل واختارك إلي جواره لتنعم في جنة الخلد بقدر المحبة التي تركتها في قلوب محبيك وعشاق كتاباتك، وقدر محبتك لهذا الوطن الذي غادرته قبل ان تنفقع مرارتك بما نسمعه عن المذيعة التي ترفض تخفيض اجرها عن 270 الف جنيه شهريا، والمذيع الذي يتقاضي 10 ملايين سنويا، لا احد منهم كتب في وصيته التبرع بقرنيته، لا احد منهم ضبط ثائرا في الميدان ومع ذلك ارتدوا اقنعة الثوار، لا احد منهم تبرع بجنيه واحد لعلاج مصاب من ابناء الثورة ، عاش جلال عامر الساخر ثائرا، ومات باكيا رافضا أن يري مصر تنزف دما بأيدي ابنائها، بينما جنرالات الملايين الفضائية ملوثة ايديهم بدماء التحريض، يريدونها جنازة ليشبعوا فيها لطما ونواحا . لقد سقط جلال عامر في المظاهرة ونقل إلي المستشفي لتجري له جراحة في القلب، لكنه رحل بعد ان قال مقولته " حرام المصريين بيموتوا بعض "، افلا يستحق ان نمنحه لقب شهيد ؟