حذار من الطوفان الآتي! وسواء أكان طوفانا من البشر أو من البحر، فالنتيجة واحدة: لابد ان تتركز جهود الإنسان في البحث عن الآليات المناسبة للمواجهة، وابتكار البدائل، أو الاستدعاء من أعماق التاريخ لتجربة قد تصلح للتعاطي مع المستقبل قريبه وبعيده. اليابسة تمثل 92٪ من مساحة الكرة الأرضية وهي إلي انخفاض، أما المياه فنصيبها 17٪، وهي إلي زيادة، وفي كل الاحوال فإن النمو الطبيعي للبشر يرتفع بمعدلات تقتضي تأمين متطلباتهم المتوقعة، فكيف يمكن التعاطي مع هذه المعادلة الصعبة بفاعلية وكفاءة؟ »سفينة نوح« هي الحل! حين سهر نبي الله نوح علي بناء الفُلك لانقاذ من يركبها من الطوفان العظيم، كانت أقرب إلي مدينة عائمة، أو بتعبير آخر جزيرة صناعية، تستطيع ان تجري بحمولتها في موج كالجبال، وتحتمل مكابدة الطوفان، حتي هبط نوح و»أمم ممن معه« بسلام بعد زوال الخطر. منذ ذلك الزمن، والبشر لم يكفوا عن التطلع إلي البحر باعتباره ملجأ ومأوي، وربما كان الأمر سابقا علي نوح. وحتي الآن لم يكف الإنسان عن التعامل مع الفكرة، مع تطويرها، ببناء الجزر، وتعددت الأهداف بين مدنية أو عسكرية، دائمة أو مؤقتة و... و... واستمر هذا التوجه، بل وتوسع فيه الإنسان بحكم ظروف ودواع متعددة، فهل يكون الأمر أكثر إلحاحا في المستقبل؟ بالتأكيد: نعم، ولأسباب عدة. مخاطر غرق المدن الساحلية المتوقعة كنتيجة لتداعيات التغير المناخي، والخطر يمتد ليطول دولا جزرية، ثم يأتي تزايد معدلات النمو الديموجرافي في دول محدودة المساحة، أو ذات عمق صحراوي مجدب، لكنها تتمتع باطلالة بحرية و.... و.... وكلها مع غيرها تعزز خيار اللجوء ل»سفينة نوح« تواكب المتغيرات والمخاطر المستقبلية، بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد واعباء اقتصادية، تقنية، اجتماعية قانونية، وسياسية. سفينة نوح في القرن ال21 لن تكون بمثابة اعادة اختراع العجلة، لكن ثمة ضرورات تدفع للتوسع في اعادة انتاجها وفق آليات ابتكارية ورؤي ابداعيم، ومن منظورات متفاوتة، بعد ان كان السبق في أوروبا لهولندا، وفي آسيا لليابان، ليتفق كل نموذج منها مع اعتبارات وضرورات تختلف من دولة لأخري، طبقا للامكانات والمقتضيات لكنها في معظم الأحوال ستكون مبرأة من مظاهر الرفاهية المبالغ فيها. هل يعني ذلك ان إحدي الضمانات لمستقبل إنساني أفضل باتت مرهونة بتبني البشرية لفكرة »سفينة نوح« ونماذج شديدة الحداثة عبر الاستعانة بآخر المنجزات العلمية والتكنولوجية؟ اليوم قد يري البعض ان الفكرة تجنح نحو الخيال، إلا ان قليلا من التأمل لمسيرة البشرية يؤكد ان الكثير مما نتعامل معه اليوم كان حتي الأمس القريب مجرد سطور في كتب الخيال العلمي. ولعل الطريف في المسألة انها تلتقي مع فكرة المدن الخضراء صديقة البيئة، فعلي متن هذه السفن/ الجزر يمكن الاستفادة من أنواع عديدة من الطاقة المتجددة: الرياح، الشمس، الأمواج، ويمكن الاعتماد علي المحيطات ذات الاغراض المتعددة، كتحلية المياه وتوليد الكهرباء من ماء البحر، ويمكن تطوير العديد من أنواع الزراعات المهندسة وراثيا تُروي بمياه غير عذبة و... و... ثمة تصورات جاهزة تنتظر قرار التنفيذ، والاعتمادات اللازمة، لتتحول الفكرة قبل الطوفان إلي حقيقة، فهناك من صمم نماذج عدة للسفن/ الجزر التي تتسع لنحو نصف مليون من البشر لا ينتظرون أي مدد من خارج سكناهم، وربما يحتاج الخيال حتي يتحول إلي واقع لحماسة وقدرة علي المبادرة بأكثر مما يحتاج إلي أموال.