الأزهر: دعوات سقيمة وراءها جهلاء ومغرضون والإسلام منها برئ في محاولة لبيان الحكم الشرعي للمظاهرات التي أصبحت وسيلة من وسائل الاعتراض المعاصرة أكدت أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية علي أن التظاهر جائز من حيث الأصل، وينطبق عليه بعد ذلك أي من الأحكام الشرعية بحسب مقصده ووسيلته. وأوضحت أن التظاهر من وسائل الاعتراض الجماعي التي عرفها المسلمون في أزمنة وأماكن مختلفة قديما، وكانت تستعمل مع الولاة أحيانًا، وأحيانا مع المحتل الغاصب. ولفتت الفتوي إلي أن الأصل في طلب الحاجات من الحاكم أنه مشروع؛ لأن مهمة ولي الأمر هي قضاء حوائج الرعية، وبالتالي فإن التظاهر لهذه الغاية مشروع لأن الوسائل تأخذ حكم غاياتها ومقاصدها. غير أن الفتوي شددت علي أن هذا الحكم مشروط بعدة ضوابط لا بد منها، وهي: ألا تكون غاية هذا التظاهر أو الاعتصام هي المطالبة بتحقق أمر منكر لا يجيزه الشرع. ألا يتضمن شعارات أو ألفاظا يحرمها الشرع. ألا يتضمن أمورًا محرمة كإيذاء الناس أو الاعتداء علي ممتلكاتهم. وأكدت الفتوي علي أن تلك الضوابط هي التي يقاس بها الحكم الشرعي لكل حالة علي حدة، فمع أن الأصل هو الجواز إلا أن الحكم يختلف باختلاف التزام التظاهرة أو الاعتصام بتلك الضوابط أو بعده عنها.
وساقت الفتوي أدلة من أفعال النبي صلي الله عليه وسلم وأفعال خلفائه الراشدين تؤكد علي أنهم استفادوا من بعض أفعال الآخرين المخالفين في الدين، ما دامت في سياق مساحات التنظيم البشري ولا تتصادم مع نصوص الشريعة ولا تعطل مصالح البلاد والعباد. وأكدت الأمانة أن الدعوة إلي الإضراب العام بمعني إيقاف السكك الحديدية، والمواصلات، والنقل، وإيقاف العمل في المصانع والمؤسسات والجامعات والمدارس، والتوقف عن سداد الأموال المستحقة للحكومة (ضرائب - فواتير الكهرباء والمياه والغاز) حرام شرعا مشيرة إلي أن هذا كله من شأنه أن يفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة بما يؤدي إلي تعطيل مصالح الناس وتعرض حياتهم للخطر خاصة ذوي الأعذار منهم فضلا عن أنها تؤدي إلي تفكيك الدولة وانهيارها. ودعت الأمانة المصريين جميعا إلي تقوي الله في البلاد والعباد وتحكيم العقل والحكمة والمنطق وتغليب الصالح العام علي المصالح الضيقة والانصراف عن هذه الدعوة الهدامة. وأكد الدكتورنصر فريد واصل مفتي الجمهورية الاسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية، وجود فرق كبير بين التظاهر السلمي لمصالح مشروعة ومطالب حقيقية عادلة بطريقة لاتؤدي إلي تعطيل مصالح الناس أو إيذائهم وبين الدعوة لاضراب عام شامل، يؤدي إلي عصيان مدني. وتساءل د. واصل: هل نحن واقعون تحت احتلال دولة أجنبية، حتي ننادي بمثل هذه الدعوات ؟، فالمعروف أن مثل هذه الدعوات تقوم بها الشعوب المغلوبة علي أمرها، لتحقيق مطالب لا يستجاب لها بالطرق المشروعة.
ويضيف الدكتور واصل: الاضراب العام، يؤدي إلي مخاطر كبيرة تلحق بالناس وفيهم المرضي الذين يحتاجون للعلاج في المستشفيات ومنهم الجوعي الذين يحتاجون لكسب يومهم ويحتاجون لرغيف الخبز من المخبز، ونحن جميعا نحتاج للامن، فإذا أضرب رجال الامن، من يحمي الناس، في ظل هذا الانفلات الامني، من اللصوص والبلطجية . ويشدد مفتي الجمهورية الاسبق علي إن الاضراب العام، فيه تعطيل لمصالح الناس ويهدد حياتهم ويعطل مصالحهم، ولهذا لايجوز ويعتبر افسادا في الارض ، وإذا كنا نهدف لتحقيق الأمن والحكم الرشيد، فهل الاضراب العام يحقق هذا ؟ لا.. وإنما يحقق العكس والله تعالي يقول: " ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، وإذا كان بعض الشباب يستطيعون العصيان، فيجب عليهم أن يراعوا، الذين هم في حاجة شديدة للعلاج والامن والطعام وقضاء المصالح، وفي رأيي أن هذه الدعوات لاتجوز وإنما الجائز هو الاعتصام السلمي، في وقت محدود وأماكن محددة، تضمن عدم تعطيل المصانع والمدارس والمستشفيات والمخابز. ويضيف مفتي الجمهورية الأسبق: أقول للشباب ابتعدوا عن مقار الأمن وعن الأماكن، التي فيها خطر، علي أنفسكم وعلي غيركم، حق التظاهر لكم مكفول ولكن لاتعتدوا علي أحد أو تتسببوا في أن يندس بينكم من يخربون أو يؤذونكم أو يؤذون رجال الأمن أو اعاقة المواطنين واقول للشباب " ولا تلقوا بأيديكم الي التهلكة" ويشدد إننا جميعا محاسبون إذا رأينا من يفعل الخطأ وصمتنا عليه أو إذا لم نأخذ بيد المخطئ.. يقول تعالي: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" ويشدد :كلنا مطالبون بقول كلمة الحق وجميعنا مقصرون ومحاسبون إذا لم نجهر بالحق ونبين الصواب والخطأ. وأكد واصل إن الاعتداء علي وزارة الداخلية أو مديريات الامن، جريمة من الجرائم وافساد في الارض، لايجوز شرعا ولا قانونا وحرام شرعا القيام بمثل هذه الاعمال، فالتظاهر لا يعني الاعتداء ولا التخريب. ويشدد الشيخ عيد عبد الحميد المشرف العام علي الجامع الازهر، علي إن المطالبة بالحقوق، لها طرق مشروعة، لاتتضمن إيذاء الناس أو تعطيل مصالحهم، وهناك مجالس نيابية وقضاء ونيابة، وهناك حق التظاهر السلمي المكفول، دون تعطيل المصالح أو إعاقة المرور، لكن الاضراب العام أو العصيان المدني أمر مرفوض، يرفضه الشرع والعقل والقانون ويجرمه. يقول تعالي " ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: " لاضرر ولا ضرار ". فلا يجب علي الانسان أن يضر نفسه أو أن يتسبب في الضرر بغيره، فالاعتداء علي الغير وتعطيل اقتصاد البلد أمر مرفوض ومنبوذ وممقوت من جميع أصحاب الفطرة السليمة.. ويتساءل: هل نحن في حاجة لزيادة الانتاج أم العكس؟ ويؤكد الشيخ عيد عبد الحميد أن التسبب في الافساد في الارض، ليس من الاسلام في شيء، والمطالبة بالحقوق، يجب أن تكون بأسلوب شرعي سليم، دون الاضرار بالمصالح والاقتصاد وبالناس أو سفك الدماء أو العنف والاعتداء علي منشآت الدولة، وهذا كله يعتبر تخريبا ويجب علي أولي العقول والابصار أن يأخذوا علي أيدي المعتدين بقوة ويضربوا عليها بيد من حديد. ويطالب بتطبيق حد الحرابة علي الذين يهاجمون ويخربون المصالح العامة والحكومية ومقار الامن ويتسببون في قتل غيرهم باعتبارهم مفسدين في الارض.. وإذا كان الذين يدعون للاضراب العام لديهم الاموال أو لديهم من يؤمن لهم ذلك، فهنالك غيرهم ، يحتاجون لكسب رزقهم يوما بيوم ومن يحتاجون للعلاج والطعام والانتقال في سبيل ذلك عبر وسائل النقل التي تعطل . ويوضح :الدعوات للعصيان المدني ومهاجمة الامن وحرق المنشآت، لايقوم بها إلا جهلاء أو مغرضون لا يريدون الخير لهذا الوطن ولا يعرفون حرمة سفك الدماء، والاسلام برئ من هذا كله ويجب علينا جميعا أن نواجههم وننصح لهم ونصلح بينهم وبين غيرهم وإلا فقتالهم واجب حتي يعودوا إلي أمر الله، ولكن أن نترك الأمور هكذا دون ضابط ولا رابط حتي يضيع الوطن ويضيع الناس، فهذا هو الحرام بعينه ولا يجب السكوت عنه مطلقا.