الحداد لايكفي. اللون الأسود لايكفي. كلمات الحزن لاتكفي. تعويض الأرواح بمال أو مواساة لايكفي. الخوف لايكفي. الإنتقام لايكفي. الصبر لايكفي. الانتظار لايكفي. الألم لايكفي. الحروف لاتكفي. الكتابة لاتكفي. الدموع لاتكفي. كنا في مفترق طرق. فأصبحنا في طريق مسدود. كنا ننتظر نورا في نهاية نفق. فأصبحنا في ظلام تام. كنا وطنا.. فأصبحنا لاشئ. ماحدث في بورسعيد هو أكثر من الحزن و المفاجأة. هو الفاجعة التي لايصدق أي عقل مهما كان شريرا أن يحدث. هذه بلادي تتحول علي يد نفسها إلي أشلاء. كل قطعة في الجسد ملقاة في إتجاه تصرخ من الوجع. إنتظرت وأنتظر أن تعلن كل الأطراف مسئوليتها عن المذبحة. قادة المجلس العسكري. قادة جهاز الشرطة. حكومة الجنزوري. المرشحون لمنصب رئيس الجمهورية. وقادة جماعة الإخوان الذين إستقروا في مقاعدهم ببهو البرلمان. الإعتذار وحده لايكفي. العزاء وحده لايكفي. الجلسات الطارئة وحدها لاتكفي. والمحاكمات الجنائية وحدها لاتكفي. يجب أن يحاكم مبارك علي عبارته شديدة التعقيد والدهشة والغل التي أطلقها منذ عام: أنا أو الفوضي. يجب أن نسأله جهرا ويرد : كيف صنع خطته للفوضي. من وضعها. ماهي أولها وآخرها. كم روحا وكم بحور دم سوف تسيل من أجل تحقيق هذه العبارة : أنا أو الفوضي ؟ كيف فاتنا أن نحاسبه علي هذه العبارة التي تعني الديكتاتورية في أشد صورها. من صاغها له. من كتبها له. من لقنه أن هناك سيناريو خفيا من الفوضي سوف ينفذ بدقة وعنف ولو بعد حين . الفوضي دم. الفوضي خوف. الفوضي إنهيار بلد بما فيها ومن فيها. أكتب بكل هدوء. أكتم غضبي وحزني. لعلني أجد بين طبقات الظلام الأسود.. شكة نور. لم أجد مفرا من أن يصبح هذا هو إسبوع إنقاذ مصر. إستقالة الحكومة. انتخابات رئاسية مبكرة. محاكمات عاجلة. حل المجلس الإستشاري. إعلان الإخوان عن موقفهم ورأيهم الحقيقي فيما حدث ويحدث. الكشف عن حلول لكل الألغاز التي تحيرنا منذ ثورة يناير. الوضع المائع الذي نعيشه هو الأسوأ في تاريخ بلدي وأنا من قراء التاريخ بدقة. لم تعد العبارات التقليدية والمعلبة والمستهلكة والبلاستيكية تصلح حلا للعبة قذرة. لم تعد المسكنات والمنومات علاجا ولو مؤقتا. وليس بالهتافات وحدها ولا الاعتصامات تصل الأمور إلي بر أمن. إن الجيل الثالث من الغضب يشبه التكنولوجيا المعقدة التي تبحث عن عقول وليس عن ألسنة أو شتائم أو عنف. عقل... ينقصنا عقل. ولتذهب فوضي النظام السابق إلي الجحيم. لقد اعتدنا أو تفاعلنا مع الفوضي وأصبحنا جزءا منها .. ولم يعد إلا أن ننتفض ضدها وضد كل يد فيها. العزاء لمصر فيها. في كل دم لن يجف أبدا. الآن يجب أن أبكي وأن أغضب وأن أموت من أجل أن تعيش بلدي.