شتان! ما أعمق الفارق بين الخامس والعشرين منذ عام مضي، وما تشرق عليه شمس اليوم، منذ سنة لم يكن حتي الظهر أي علامة تنبئ بما سيكون، مجرد دعوة وجهها مجموعة من الشباب النشيطين علي الانترنت، اسم خالد سعيد يتردد في عدة برقيات الكترونية وصلتني علي بريدي الخاص، كل الدلالات تشير إلي مظاهرة، مجرد مظاهرة مماثلة لعشرات سابقة لم يزد عدد المشاركين في كل منها علي مائتي شخص، هكذا بدأت الأحوال في الثالثة ظهرا، غير أن ظاهرة جديدة جرت بعد حوالي نصف ساعة من بداية توافد المتظاهرين، بدأت جموع تتدفق من مسارب القاهرة وزواياها وذاكرتها المتعددة المستويات، وجوه لم يسبق لأحد رؤيتها في مظاهرة، يقع مبني أخبار اليوم في منطقة عريقة من القاهرة، بولاق ذات التاريخ الحافل ضد الحملة الفرنسية والإنجليز وأحد المراكز المهمة لثورة 9191، نزلت إلي الشارع لأفاجأ بمجموعات من الشباب والكهول والنساء والأطفال، كانوا يتحركون في مجموعات، التلقائية واضحة لكنها التلقائية المنظمة بخلفية من التاريخ العميق، الموغل في القدم، أيقنت أنها اللحظة المنشودة، الشعب الذي يهاجمه بعض أبنائه ويتهمونه بالخنوع والخضوع للظالم والقاهر والفساد. لو أنهم مدوا البصر قليلا إلي مراحل التاريخ لأدركوا أحد مفاتيحه الأساسية، خصوصية حركته، إنه يثور عندما تتكامل شروط وتتفاعل أسباب، عندئذ نري ما لم يره شعب آخر، يصبح الكل في واحد، جري ذلك في التاسع والعاشر من يونيو عندما هب الشعب يطالب عبدالناصر بالبقاء، وفي جنازته الأسطورية، وفي أكتوبر 3791، يصبر المصريون طويلا، لكنهم إذ يبلغون تلك اللحظة السحرية، السرية، المستعصية علي التحليل، يهبون، عندئذ لا يمكن لقوة أن توقفهم، هكذا بدأت تجليات واحدة من أروع ثورات الإنسانية وأكثرها فرادة، الشباب من الجيل الجديد اشعل الفتيل، والشعب كله نزل لمدة ثمانية عشر يوما ليقتلع عصابة المافيا التي استولت علي الوطن، كان للأمور إمكانية المضي بما يتفق مع مضمون تلك الأيام ومساراتها، لكن ما أعقب القومة العظمي يجئ متناقضا معها، ما جري في مصر خلال الاثني عشر شهرا الماضية أكبر مسرحية عبثية عرفها التاريخ، ثورة عظمي كان يمكن ان تنقل مصر إلي الذُري، بعد عام كامل ينعقد برلمان جاء نتيجة أكبر عملية تزوير، تزوير المناخ والإرادة، الخطوة الأولي لتأسيس الدولة الدينية والتي ظهرت برموزها وميلشياتها في مجلس الشعب وحوله، أما الدكتاتور ورجاله فينعمون ويعلن المحامي أنه مازال يحكم، ظروف تدفع إلي الجنون إذا لم تفهم جيدا، لذلك اقول شتان، ما أبعد اليوم عن اليوم!