أرواح الشهداء الطاهرة ستحلق بأجنحتها الشفافة فوق ميادين التحرير غدا لتنسج سحابة محبة دافئة تبدد برد يناير القارس.. لتعانق ملايين المصريين الأحرار في عيد الثورة الأول.. سترفرف بابتسامات جريحة للتضحية النبيلة التي جني البعض ثمارها وحرم منها الباقون.. للقصاص الذي سئمنا من بطئه.. للعدل المنتظر دون جدوي.. هل ستسعد أرواح الشهداء بالقليل الذي حققته الثورة أم تطالب بالقصاص من قاتليهم ؟ هل يكفيها التعويض ؟ أهناك ما يعوض قتل الزهور ؟ أهناك ما يعيد نور العيون المفقوءة بفعل بنادق القنص ؟ أهناك ما يعيد كرامة مهدرة أو عضوا مبتورا؟ رغم كل التضحيات فإن ثورتنا نجحت بكل المقاييس فأطاحت -بشكل سلمي- برأس النظام الباطش الجاثم علي صدورنا ثلاثين عاما.. لكن بقية النظام ظل حيا يسعي لهدم الثورة وتشويه الثوار، الثورة لم تكتمل لأن ثوارها لم يتولوا الحكم ليطبقوا أفكارهم ثم يحاسبون عليها.. تم تجاهل الشباب في جميع المناصب وإقصاؤهم، ثم اختلفوا وانقسموا شيعا وأحزابا فكانت حقا ثورة قام بها الشباب واستولي عليها الكهول بحجة عدم وجود قيادة لها ،ما كان يمكن لثورة شعبية قامت بشكل تلقائي تحت ضغط الظلم والفقر والفساد وشاركت فيها جميع طوائف الشعب أن يدعي أحد أنه قائدها قبل أن تنضج التجربة وتتمحور باقي أهدافها . لكننا دخلنا في دوامات من الخلافات والصراعات أضاعت عاما ثمينا من عمر الثورة كان يمكن أن ينقلنا للاستقرار الذي طالما تمنيناه. أنجزت الثورة برلمانا منتخبا رغم بعض التجاوزات التي شابت الانتخابات وأفرزت واقعا لا يمكن تغييره فالمصريون كسروا حاجز الخوف والرهبة من السلطة.. اكتشفوا أن الشجاعة أقوي من الموت والحجارة أقوي من الرصاص. ومهما عانينا من أزمات فالثورة بريئة من الفوضي الأمنية المقصودة ومن ارتفاع الاسعار وأزمات البنزين وأنابيب الغاز حتي الاحتجاجات الفئوية ما هي إلا إنعكاس للكبت الطويل ثم الحرية المفاجئة غير المنضبطة فلا تظلموا الثورة التي غيرت تاريخ مصر والمنطقة العربية وأعادت مصر لمكانتها الدولية فأصبح شبابنا نموذجا يحتذي للشباب الغربي والأمريكي. كلنا نتظر الغد وندعو أن يمر بسلام دون مواجهات ودون عنف ودماء.. يكفينا ألف شهيد سقطوا ومئات المصابين وعشرات من فاقدي البصر، لا نريده احتفالا وكلمات جوفاء وأغاني لتمجيد الثورة.. نريد احتفاء بالشهداء لا احتفالا بهم ! لهذا نرجو أن يتم تأمين الميدان والمنشآت الهامة حتي نضيع علي العابثين الفرصة لإشعال المعارك والحرائق وتحويل عيد الثورة الي يوم جديد من المواجهات الدامية. كل فريق استعد للغد بطريقته الخاصة.. الحالمون بمصر جديدة الذين تعثر حلمهم في عقبات وضعت عمدا في طريقهم.. والمتصيدون للأخطاء، والجاهزون بالتبريرات، والوطنيون المتحمسون حبا لمصر وثورتها، والمتربصون للعنف والتخريب ،والباحثون عن زعامة وآخرون يخفون نواياهم الحقيقية.. ولعل أفضل ما أقيم بمناسبة العام الأول للثورة هي تلك المؤتمرات التي عقدتها الائتلافات الوطنية والشبابية لمناقشة كيفية استكمال تحقيق أهداف الثورة . مبارك ما زال رئيسا لمصر أحدث نكتة سمعناها من دفاع الرئيس المخلوع.. فالتنحي لا يكون بمكالمة تليفونية ! وان إلغاء الدستور وحل مجلس الشعب لاغيان، والجيش هوالمسئول عن قتل المتظاهرين ومبارك رجل عسكري يحاكم أمام محكمة خاصة ولايملك غير فيلتين في شرم الشيخ (وفيلتين للحراس)! والتهم الموجهة لعلاء وجمال سقطت بمضي المدة.. دفاع خطابي واستخفاف بعقول الناس لإظهار مبارك في صورة ملائكية.. أين الافساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عاني منه المصريون في عهده.. لقد انتهي عصر البلاغة ونحن الآن في عصر الحقائق التي لا يمكن تزويرها لأن التاريخ لا يكذب ولا يزور .