ذكرني الجدل الدائر الآن في إسرائيل حول إلغاء الاحتفال بمولد أبو حصيرة هذا العام بمسرحية الكاتب الراحل محمود دياب " الغرباء لا يشربون القهوة" ..تحديدا هل هناك أوجه شبه بين الاثنين .. ربما لكن الشئ المؤكد أن الغرباء لا يشربون القهوة .. أنهم ينتظرون أبعد من ذلك .. لم يعد احتساء القهوة هو هدفهم بل احتلال البيت وطرد أصحابه ! أبو حصيرة هو يعقوب بن مسعود الذي ينتمي إلي عائلة يهودية كبيرة اسمها »الباز« هاجر بعض أفرادها إلي مصر ودول أخري وبقي بعضهم في المغرب ويعتقد عدد من اليهود أنها شخصية "مباركة". له ضريح في قرية "دميتوه" بمحافظة البحيرة. ولد "أبو حصيرة" في جنوب المغرب وتذكر رواية شعبية يهودية أنه غادرها لزيارة أماكن مقدسة في فلسطين إلا أن سفينته غرقت في البحر، وظل متعلقا بحصيرة قادته إلي سوريا ثم توجه منها إلي فلسطين وبعد زيارتها غادرها متوجها إلي المغرب عبر مصر وتحديدا إلي دميتوه في دمنهور ليدفن في القرية عام 1880 تنفيذا لوصيته.. عقب اتفاقية كامب ديفيد بدأ اليهود في الحضور سنويا إلي مصر لزيارة الضريح لأن المادة الرابعة في البروتوكول الخاص بحرية التنقل تنص علي السماح بالدخول دون إعاقة إلي الأماكن ذات القيمة الدينية والتاريخية وذلك علي أساس تبادلي وغير ذي طابع تمييزي .. كان الساسة الإسرائيليون يعرفون ماذا يريدون وطالبوا باحترام حرية زيارة الأماكن الدينية والتاريخية لليهود في أي مكان بمصر ولهذا أصبح يقام مولد أبو حصيرة سنويا رغم المعارضة الشعبية الشديدة لإقامته ! نعود لمحمود دياب والغرباء الذين اقتحموا بيت الرجل الطيب حيث يستقر هانئا وزوجته في بيته القديم الذي توارثه أجداده جيلا بعد جيل وهو بالنسبة له عالمه الجميل الذي يجتر من عبقه ذكريات الماضي ويرثي تغير الجيران والأصدقاء الذين ما عادوا يشربون القهوة مثلما كانوا يفعلون فقد أصبح وحيدا وإذا استغاث فلن ينقذه أحد .. فها هم الغرباء يتسللون إلي عقر داره الواحد تلو الآخر يقيسون بيته و يعاينونه.. يهتمون بالنصف " سم " فهو يعني لديهم الكثير لكنه يدعوهم بالكرم المعروف إلي قهوته إلا أنهم لا يستسيغونها بل لا يشربونها لأنها ذات نكهة صادقة وهدفهم ليست القهوة وإنما البيت بأكمله فيصيح صاحب البيت بأعلي صوته مستنكرا: تريدون انتزاعي من البيت ويضطرونه إلي إثبات ملكيته للبيت بالمستندات والأدلة إلا أنهم يمزقونها مستندا تلو الآخر. الغريب أن مؤتمر الحاخامات الأوروبي وهو منظمة تمثل الحاخامات في 40 بلدا انتقد قرار مصر لمنع اليهود من زيارة موقع دفن أبو حصيرة هذا العام ووصفه بانه انتهاك لحقوق الإنسان في العالم وتعصب ديني. وانتقدت عائلة أبو حصيرة قرار إلغاء الاحتفال لأول مرة بعد أن أبلغت القاهرة تل أبيب رسمياً بذلك، نظراً للظروف التي تمر بها مصر في أعقاب ثورة 25 يناير. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن أحد أقارب أبو حصيرة قوله: "إن ضريح الحاخام في محنة كبيرة، وإن كل العائلة في حالة استياء بسبب إلغاء المراسم بشكل نهائي وكان لا يجب إلغاء الاحتفال". مولد أبو حصيرة يلقي معارضة مستمرة من بعض القوي السياسية وحصل بعضهم علي أحكام قضائية بمنع إقامة الاحتفال من المحكمة الإدارية العليا بالإسكندرية ولكن نظام الرئيس المخلوع أصر علي تجاهل أحكام القضاء.