يعتبرني البعض أهلاويا بحكم أنني أحمل بطاقة النادي الأهلي في حافظتي، وفي الحقيقة لم أكن يوماً من المتفرجين علي مباراة كرة قدم، حتي كأس العالم لا يغريني بمشاهدته، ومع ذلك استطعت، مؤخراً، أن أجرب مشاعر المشجع المؤمن بمن يراهن عليه، تلبستني روح التعصب لعمل أدبي وانا أطالع مسودته، وجدته وجبة من الدهشة لابد من تقديمها لقارئ يبحث عن متعة فنية حقيقية في زمن مروجي الأكاذيب. تحمل مسئولية إيصال العمل للمتلقي هدف رأيت من الخيانة التخلي عنه، فحملت مخطوطة "العاطل"، التي تنبض بمشاعر حية لأشخاص أعيش بينهم استطاع ناصر عراق كاتب الرواية أن يختصرهم في أوراق تحمل نبوءة قادمة وهي تحرض علي فعل الخلاص من فساد يطبق علي الرقاب. عدم اكتراث ناشرها محمد رشاد في البداية مهد لحوار قصير بيننا انتهي بوعد منه لقراءتها، ولم أفاجأ ورشاد يتصل بي بعدها بأيام وهو يشكرني علي ما وصفه ب "الهدية" التي قدمتها إليه. عودتني دراستي الأكاديمية للنقد عدم تغليب المشاعر الشخصية علي العمل الثقافي، وهو ما جعلني منحازاً للعاطل لكونها تجربة إبداعية طازجة بصرف النظر عن كاتبها الذي تصادف أن يكون أحد أصدقائي المقربين. من هنا، عندما طلبت مني إحدي الفضائيات الشهيرة ترشيح من يتحدث عن "البوكر" قبل 24 ساعة فقط من إعلان أسماء الفائزين الستة بقائمتها القصيرة؛ لم أنتهز الفرصة كي أطرح اسم ناصر عراق، لأنني أعي أن هذا ربما يعتبره البعض استغلالاً للترويج لمرشح في اللحظات الأخيرة التي يتم فيها الترجيح، واختيار هؤلاء الفرسان من بين ثلاثة عشر احتلوا القائمة الطويلة، وكان من بينهم أربعة من المصريين، مفضلاً أن يكون الضيف علي هذه الشاشة شخصية عربية من بين أعضاء مجلس أمناء "البوكر". منطق محايد استرحت له لعدم التفريق بين مرشحين تتم المفاضلة بينهم لاختصارهم في قائمة أقصر تتيح لكل منهم أن يحصل علي عشرة آلاف دولار. اقترحت الكاتب البريطاني، الفلسطيني الأصل، الدكتور خالد حروب، الأستاذ بمركز الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بجامعة كمبريدج، الذي نجح بالفعل في أن يعطي المشاهد فكرة عن طبيعة الجائزة، وكيف أنها تهدف إلي مكافأة التميّز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوي الإقبال علي قراءة هذا الأدب عالمياً من خلال ترجمة الروايات الفائزة إلي لغات رئيسية أخري ونشرها، دون تسريب أية تفاصيل حول القائمة القصيرة التي يتوق الجميع إلي معرفة فرسانها. وإذا كان "حروب" قد تمتع بهذه القدرة علي ضبط النفس، فإن "فلور مونتنيرو"، منسقة الجائزة، التي التقيناها في القاهرة عدة مرات أثناء إعدادها لاحتفالية الإعلان عن أسماء الفائزين الستة يوم الأربعاء الماضي، كانت هي الأخري أشد تحفظاً في الإدلاء بأية تفصيلات تتعلق بأسماء المحكمين أو الأعمال الفائزة، ولعل هذا هو ما أعطي للحدث، الذي شهده المسرح الصغير بدار الأوبرا، قيمة وجلالاً، فلم يكن أحد الحضور، سواء من المرشحين أو الناشرين أو الإعلاميين، بإمكانه التكهن بالنتيجة إلي أن قام المفكر السوري الكبير جورج طرابيشي، رسولنا في عاصمة النور، رئيس لجنة التحكيم لهذه الدورة، بإعلان أسماء الفائزين، في حضور رئيس جائزة البوكر العالمية، وأعضاء لجنة التحكيم: اللبنانية مودي بيطار، المصرية الدكتورة هدي الصدة، القطرية الدكتورة هدي النعيمي، والإسباني جونزالو فرناندز. ولم يخب الرهان، فها هي الرواية تصّعد إلي قوائم "البوكر" أهم جائزة عالمية للرواية العربية من منطلق إيماني بأنها تستحق المساندة، والتشجيع، والتتويج بجائزة محترمة. كانت "العاطل" هي أول رواية يعلن طرابيشي عن وصولها لهذه القائمة القصيرة. بقي أن أقول إن الدكتور أحمد مجاهد، رئيس هيئة الكتاب، الذي حرص علي أن يشهد لحظة إعلان قائمة البوكر القصيرة، اقترح علي مجلس الأمناء أن يتبني إصدار طبعة شعبية من الروايات الست الفائزة إذا ما وفرت له "البوكر" موافقة أصحاب الحقوق.