في ضوء المتغيرات التاريخية التي تمر بها مصر بعد ثورة 52 يناير العظيمة والتي عمقت روح الانتماء وامتلاك المواطن حرية التعبير، والاعتزاز بالذات الوطنية، والتي كشفت بجلاء قدرة المواطن علي التغيير من أجل مستقبل ديمقراطي يتمتع به المجتمع وفق منظومة علمية تتوافق مع أهداف الثورة التي فجرها الشباب، وثقافة الثورة تفرض منهجاً جديداً علي المجتمع بمؤسساته الرسمية والمدنية يستوجب التأمل في أهمية الثقافة بمعناها الشمولي بالمجتمع، كمسئولية قومية تقع علي عاتق جميع المؤسسات المكونة لكيان المجتمع، منها المؤسسات الاستثمارية والتعليمية والإعلامية والاجتماعية والسياسية وغيرها.. وتأتي وزارة الثقافة في المقدمة كمرجعية أصيلة، ولتحقيق هذا التوازن والتكامل بين هذه المؤسسات يجب مراجعة هيكلة وزارة الثقافة ودراسة مدي تأثيرها في المجتمع، وتحديد أوجه القصور والسلبيات التي أدت إلي تردي وصول المنتج الثقافي إلي مستحقيه من أبناء الشعب، واستكمالاً لمقال الأسبوع الماضي نخص هذا المقال »للمجلس الأعلي للثقافة« فمنذ إنشاء المجلس الأعلي للثقافة عام 0891 في عهد وزير الثقافة الأسبق منصور حسن، انقسم هيكل المجلس إلي جزءين الأول إدارات مركزية تابعة له والثاني تشكيل لجان المجلس.. مضافاً إلي ذلك أعضاء المجلس برئاسة الوزير الذي يتكون من مفكرين ونقباء النقابات الفنية وبعض الوزراء ونواب رؤساء بعض الجامعات ثم قيادات هيئات وقطاعات وزارة الثقافة، ومرت عقود ممتدة وأنشطة اللجان لا تتعدي حدود مبني المجلس وبعض المؤتمرات، وللأسف يجتمع المجلس مرة واحدة في العام لمنح الجوائز والتي أتت في معظم الأحيان يشوبها كثير من السلبيات لسببين رئيسيين الأول أن معظم الأعضاء غير متابعين للحركة الفنية علي وجه الخصوص فيأتي التصويت عشوائياً، ثانياً الأعضاء الممثلون لهيئات وقطاعات الوزارة معظمهم تُملي عليهم بعض الأسماء يتفق عليها مسبقاً، وهذا يُفرغ جوائز الدولة من قيمتها ومصداقيتها، فأقترح مرة أخري إلغاء المجلس الأعلي للثقافة بهيكله الحالي، ويستبدل بالتصور الآتي: يشكل »برلمان المثقفين« علي أن يضم مبدعين يمثلون جميع المجالات الإبداعية »الفنون بأنواعها، الأدب والعلوم الاجتماعية« بشرط أن يكون التمثيل في هذه الحالة متوازناً وبعدالة، يرأس المجلس أحد الأعضاء بالانتخاب وليس من الضروري أن يكون الوزير رئيساً للمجلس، إلغاء تمثيل قيادات قطاعات الوزارة، وعلي أن تكون مهام المجلس الرئيسية وضع استراتيجيات وسياسات الثقافة في مصر، ومتابعة تنفيذها، أما منح الجوائز فقد تقدمت بمشروع منذ أكثر من عشر سنوات يتلخص في تشكيل لجان من المبدعين لكل مجال علي حدة، تختص كل لجنة بفحص مبررات الترشيح ودراسة جميع الإنجازات واختيار ما تنطبق عليه شروط التقدم للجائزة، يتم مناقشة دقيقة لكل المرشحين ثم يتم الاختيار بالتصويت، ثم ترفع النتائج من جميع اللجان لعرضها علي المجلس الأعلي لإقرارها ومنحها وليس للتصويت عليها، وهذا المنهج يضمن تحقيق العدالة والمصداقية والأمانة الثقافية، وتصبح اللجان المتخصصة مرجعية ذات موضوعية يمكن تغييرها كل عام أو كل عدة أعوام، أما الإدارات المركزية »ثقافة الطفل، المركز القومي للسينما، البيت الفني للمسرح، المركز القومي للمسرح، الفنون الشعبية.. وغيرها« أقترح إنشاء هيئة تضم كل هذه المراكز المهمة، وهذا يعطي القدر الكافي لبرلمان المثقفين لأداء مهامه الكبيرة والعليا. وللحديث بقية.